فور صدور قرار نيابة محرم بك بحبسى أربعة أيام على ذمة التحقيقات إصطحبنى حرس النيابة - بعد أن وضعوا القيود المعدنية فى يدى - الى سيارة الترحيلات التى كانت مهيئة لنقلى مع بقية المحبوسين احتياطيا الى قسم شرطة محرم بك ،كانت السيارة مليئة بالبلطجية وأرباب السوابق الذين لم يسبق لى أن التقيت بأمثالهم من قبل ، ركبت معنا داخل صندوق السيارة فتاة لم أستطع أن أقرأ فى وجهها أى شىء يدل على المرحلة العمرية التى تنتمى اليها، وذالك بسبب العدد الهائل من الندوب الغائرة التى تملء كل ناحية من وجهها نتيجة جروح قديمة وحديثة.
فوجئت بها فور أن تحركت بنا السيارة تستخرج موس حلاقة من فمها وتطارد أحد المحبوسين برفقتنا فى محاولة منها لايذائة والكل يهرب من أمامها خوفا من أن تمسه شفرة موسها الحادة ، وكنت أتحرك مرتعدا من أن تمسنى شفرة موسها التى نجحت فى اصابة أحد من كانوا برفقتى فى السيارة.
نقلتنى السيارة مع باقى المحتجزين إلى "قسم شرطة محرم بك"، وهناك تم وضعى داخل غرفة تسمى "الحجز المدنى" بها جميع المحبوسين إحتياطيا بقرارات من النيابة العامة على ذمة قضايا جنائية مختلفة معظمها قضايا اتجار بالمواد المخدرة، ولا أزال أذكر ذالك المحامى الشاب "أيمن" الذى رافقنى فى هذه الغرفة التى كانت مزدحمة بالمحبوسين، أخبرنى هذا الشاب أنه كان قد قبل كمعاون فى النيابة العامة قبل أيام قليلة من القبض عليه متلبسا بتسليم شحنة من مخدر البانجو تزن واحدا وخمسين كيلو جرام، وكان برفقته اثنين من أصدقائه الذين لم يكن لهم علم بما تحتويه سيارته، وفيما بعد التقيت "أيمن" فى سجن برج العرب بعد أن حكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات وعلى رفيقيه بثلاث سنوات لكل واحد منهم.
قضيت عشرين يوما فى هذه الغرفة بين اللصوص وتجار المخدرات ونماذج بشرية مشوهة تماما لم يسبق لى ان التقيت أيا منها من قبل، كان بينهم من يتاجر بالمخدرات عيانا جهارا نهارا داخل الحجز على مرأى ومسمع من الحراس، وبعضهم كان يطلب من أهله أن يحضروا له طعاما وشرابا ممزوجا بالعقاقير المخدرة، وبعدها تم ترحيلى الى سجن الحضرة المخصص للحبس الاحتياطى، وهناك استقبلت بشكل بالغ السوء من قبل افراد المباحث الذين عاملونى بشكل بالغ السوء كبقية المسجونين اصحاب السوابق لعدم تمييزهم بينى وبين من كان قد ترحيلهم معى فأجبرت على حلق شعرى بماكينة حلاقة باردة تنتزع الشعر تماما ولا تخلعه، ثم أجبرنى أفراد المباحث مع من تم ترحيلهم معى تحت التهديد بالضرب على اجراء تفتيش مهين للأمعاء للتأكد مما اذا كنا نخفى موادا مخدرة فى أمعائنا أم لا فيما يطلق عليه إختبار براءة البطن(!)، حدث ذالك بالرغم من أننى لا أدخن السجائر من الأساس ولا أتعاطى أى نوع من الكحوليات أو المخدرات، بعدها مباشرة تم ايداعى "الأمانة" وهو مكان مخصص لمن يسمونهم المحبوسين على ذمة بطونهم وهم من يتعرضون بشكل يومى ولمدة أحد عشر يوما متواصلة للتفتيش البدنى وتفتنيش الأمعاء فور ورودهم الى السجن، وللأسف تعرضت لهذا النوع من التفتيش المهين مرة أخرى فى الصباح الباكر، وفى منتصف النهار تم نقلى لحسن حظى الى زنزانة اخرى مع من كانوا برفقتى، ولم نتعرض للتفتيش مرة أخرى بعد ذالك، وفى اليوم التالى استدعانى رئيس مباحث السجن وسألنى عن ملابسات قضيتى ثم طلب من أفراد المباحث وضعى فى زنزانة إنفرادية وحدى.
فى هذا اليوم بدأ فصل جديد من فصول السجن استمر معى حتى ايامى الاخيرة، فمنذ ذالك اليوم الثامن والعشرين من تشرين الثانى (نوفمبر) عام 2006 حتى يومى الأخير فى السجن ظللت قابعا فى حبس انفرادى دون ان يشاركنى اى نزيل غرفتى، سوى شهر ونصف الشهر شاركنى خلالها الغرفة مجدى انور توفيق صاحب قضية التخابر لصالح اسرائيل المعروفة بتعليمات من ضابط مباحث أمن الدولة الذى نقله الى غرفتى خوفا على حياته بعد أن اكتشف معتقلون من جماغة الاخوان المسلمين انه يكتب تقارير عن كل ما يدور داخل زنازينهم لصالح ضابط جهاز مباحث أمن الدولة وذالك بين شهرى فبراير ومارس 2009.
http://blog.goethe.de/transit/archives/167-2.html