Wednesday, May 31, 2006

المدونات : إعلامنا البديل

على الرغم من حداثة ظهورها فى الفضاء الإلكترونى العربى ، حيث أن عمرها لم يتجاوز بعد السنوات الأربع على أكثر تقدير ، إلا أن ظاهرة المدونات ( البلوجرز ) أثبتت تفوقا منقطع النظير على الإعلام العربى الحكومى الرسمى ، سواء من جهة تعاملها المباشر مع الواقع دون تردد أو خجل ، أو خوضها المباشر فى الأحداث الجارية وإنتزاع الأخبار المدعمة بالصور الثابتة والمتحركة من قلبها وإتاحتها للجميع دون قيود ، أو إعطائها الفرصة لشريحة عريضة من المجتمع كانت أفواهها حتى وقت قريب مكممة أن تسمع صوتها للعالم معبرة عن آرائها الخاصة بإمكانيات مادية متواضعة للغاية تقع فى متناول أيدى الكثيرين ، الأمر الذى دفع العديد من الباحثين فى المجالات الإعلامية والثقافية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية أن يضعوها نصب إهتمامهم متعاملين معها بنفس القدر من الإهتمام الذى كانوا يولونه لوسائل الإعلام الرسمية حتى وقت قريب ، فى ذات الوقت الذى وُضِعَ فيه أصحاب هذه المدونات كهدف رئيسى للحكومات القمعية وأجهزة أمنها التى لم تتورع عن التنكيل بهم وإعتقالهم كرد فعل يائس تجاه مواقفهم الصلبة التى وضعت الحكومات فى مآزق حقيقية .
وتتركز أهمية المدونات فى كونها أدوات تعبير عن أصوات كانت حتى وقت قريب مخمدة يحتكر البعض التحدث نيابة عنها دون أن يتاح لأى منها فرصة الرد أو الإعتراض على فرض هذه الرؤية الواحدة عليهم لأن وسائل الإعلام وقتها لم تكن فى متناول أيديهم ، فمن كان يمتلك وسيلة للإعلام كان له الحق فى الحديث نيابة عمن لا يملكها ولا يستطيع أن يوصل صوته من خلال وسيلة مكافئة ، ولكن إنتشار الإنترنت ثم بروز ظاهرة التدوين إلى السطح غير تماما من هذه المعادلة الجائرة لصالح الأفراد لدرجة لفتت النظر إليها من قبل المهتمين بالمجالات الإعلامية مما جعلهم يطلقون عليها إسم " صحافة المستقبل " ويعدونها إعلاما بديلا لوسائل الإعلام الرسمية التى تحتكرها الحكومات ولم تعد تمثل - فى الحقيقة - إلا بضعة أشخاص يتربعون فوق قمة هرم السلطة ! .
إن من يملك مكبرا للصوت قادر على أن يجبر آلاف الأشخاص على الإنصات إليه ، ولكن من لا يملك سوى لسانه وحنجرته لا يستطيع أن يبلغ إعتراضه على مايبث عبر هذا المكبر لكل من تلتقط آذانهم الصوت الصادر عنه ، هذا إذا لم يخمد صوته المغرد خارج السرب بقوة المتأثرين برخامة الصوت الشجى الآسر الصادر عن هذا المكبر ، ولكن عصر الحرب الغير متكافئة والمحسومة سلفا من الناحية المادية بين مالك المكبر للصوت وصاحب الحنجرة واللسان قد ولى إلى غير رجعة عندما منحتهما التكنولوجيا الحديثة فرصا متكافئة للتعبير عن آرائهما المتناقضة فى الوقت الذى سيعدم فيه الجمهور المتأثر كليا بما يبثه أحدهما ، لأنه هو الآخر سيكون له رأيه الخاص الذى سيتمكن من بثه عبر وسيلته الإلكترونية المتاحة بحرية مطلقة لا يقف شىء فى وجهها اللهم إلا قناعاته الخاصة التى لا سبيل لأحد غيره إلى تغييرها ! .
لقد وضعت ظاهرة التدوين الحكومات القمعية المتسلطة فى موقف حرج تماما ، فمن ناحية ، لا يستطيع أحد تكذيب الأخبار المدعمة بالصور ولقطات الفيديو الحية التى تبثها المدونات فاضحة الإنتهاكات الفظيعة التى ترتكبها الحكومات ممثلة فى أجهزة أمنها بحق شعوبها ، ومن ناحية أخرى ، فقد بدأ الإعلام الحكومى يفقد جمهوره كنتيجة طبيعية لفقدانه المزمن لمصداقيته عندما بدأ الناس يعرفون طريقهم نحو المدونات بما تحويه من مباشرة فى التعامل مع الأحداث وبثها العفوى والصادق للأخبار من موقع الحدث الأمر الذى لا يتوافر فى وسائل الإعلام الرسمية التى تحولت إلى أبواق تدافع عن النظام وتغض الطرف عن ما يمكن أن يؤثر على سمعته فيما تبثه من أخبار .
وما يحدث الآن من ردود فعل جنونية من قبل أجهزة الأمن بإعتقالها للمعارضين من أصحاب المدونات الشخصية الذين يتفردون بكشف الفظائع الحكومية بصورة يومية موثقة بالأخبار التفصيلية والصور ومقاطع الفيديو الصوتية التى لا مجال لتكذيبها يعد بداية لنهاية عصر الإحتكار الإعلامى وتوجيه الجماهير الذى أوشك على الأفول مع بداية عصر السماوات المفتوحة .
فعصر الطوفان الإلكترونى قد بدأ مكتسحا فى طريقه كافة الوسائل التقليدية التى أصبحت من مخلفات العهود البائدة ، والذى لا سبيل إلى مقاومته والصمود أمامه ، فلن تستطيع العصى المكهربة فى أيدى قوات مكافحة الشغب تحطيم جميع أجهزة الحاسوب أو القضاء على شبكة المعلومات الدولية أو السيطرة على المدونات وإغلاقها أو إخضاع أصحابها لسطوتها ، فلم يعد أحد يملك وحده السيطرة على هذا الطوفان الإلكترونى ، ولم تعد هناك قوة فى العالم تستطيع فرض سيطرتها على شبكة الإنترنت وتوجيه آراء مستخدميها لصالحها .
لم ينتهى الطوفان الإلكترونى - بعد - من إتحافنا بكل مفاجآته ، لأنها - على حد إعتقادى - لا نهاية لها ، ولكن ما أستطيع أن أؤكده هو أن هذه المفاجآت ستكون - بشكل عام - فى مصلحتنا كأفراد وستزيد من إحساسنا بالتفرد والإستقلالية ، وستسلب تدريجيا مفاتيحنا من بين أيادى من يتحكمون بمصائرنا ، فعصر الرؤى الشمولية إلى زوال ، وهانحن نبصر بأعيننا - المجردة - مبشرات أفوله .

كريم عامر

المدونات : إعلامنا البديل

على الرغم من حداثة ظهورها فى الفضاء الإلكترونى العربى ، حيث أن عمرها لم يتجاوز بعد السنوات الأربع على أكثر تقدير ، إلا أن ظاهرة المدونات ( البلوجرز ) أثبتت تفوقا منقطع النظير على الإعلام العربى الحكومى الرسمى ، سواء من جهة تعاملها المباشر مع الواقع دون تردد أو خجل ، أو خوضها المباشر فى الأحداث الجارية وإنتزاع الأخبار المدعمة بالصور الثابتة والمتحركة من قلبها وإتاحتها للجميع دون قيود ، أو إعطائها الفرصة لشريحة عريضة من المجتمع كانت أفواهها حتى وقت قريب مكممة أن تسمع صوتها للعالم معبرة عن آرائها الخاصة بإمكانيات مادية متواضعة للغاية تقع فى متناول أيدى الكثيرين ، الأمر الذى دفع العديد من الباحثين فى المجالات الإعلامية والثقافية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية أن يضعوها نصب إهتمامهم متعاملين معها بنفس القدر من الإهتمام الذى كانوا يولونه لوسائل الإعلام الرسمية حتى وقت قريب ، فى ذات الوقت الذى وُضِعَ فيه أصحاب هذه المدونات كهدف رئيسى للحكومات القمعية وأجهزة أمنها التى لم تتورع عن التنكيل بهم وإعتقالهم كرد فعل يائس تجاه مواقفهم الصلبة التى وضعت الحكومات فى مآزق حقيقية .
وتتركز أهمية المدونات فى كونها أدوات تعبير عن أصوات كانت حتى وقت قريب مخمدة يحتكر البعض التحدث نيابة عنها دون أن يتاح لأى منها فرصة الرد أو الإعتراض على فرض هذه الرؤية الواحدة عليهم لأن وسائل الإعلام وقتها لم تكن فى متناول أيديهم ، فمن كان يمتلك وسيلة للإعلام كان له الحق فى الحديث نيابة عمن لا يملكها ولا يستطيع أن يوصل صوته من خلال وسيلة مكافئة ، ولكن إنتشار الإنترنت ثم بروز ظاهرة التدوين إلى السطح غير تماما من هذه المعادلة الجائرة لصالح الأفراد لدرجة لفتت النظر إليها من قبل المهتمين بالمجالات الإعلامية مما جعلهم يطلقون عليها إسم " صحافة المستقبل " ويعدونها إعلاما بديلا لوسائل الإعلام الرسمية التى تحتكرها الحكومات ولم تعد تمثل - فى الحقيقة - إلا بضعة أشخاص يتربعون فوق قمة هرم السلطة ! .
إن من يملك مكبرا للصوت قادر على أن يجبر آلاف الأشخاص على الإنصات إليه ، ولكن من لا يملك سوى لسانه وحنجرته لا يستطيع أن يبلغ إعتراضه على مايبث عبر هذا المكبر لكل من تلتقط آذانهم الصوت الصادر عنه ، هذا إذا لم يخمد صوته المغرد خارج السرب بقوة المتأثرين برخامة الصوت الشجى الآسر الصادر عن هذا المكبر ، ولكن عصر الحرب الغير متكافئة والمحسومة سلفا من الناحية المادية بين مالك المكبر للصوت وصاحب الحنجرة واللسان قد ولى إلى غير رجعة عندما منحتهما التكنولوجيا الحديثة فرصا متكافئة للتعبير عن آرائهما المتناقضة فى الوقت الذى سيعدم فيه الجمهور المتأثر كليا بما يبثه أحدهما ، لأنه هو الآخر سيكون له رأيه الخاص الذى سيتمكن من بثه عبر وسيلته الإلكترونية المتاحة بحرية مطلقة لا يقف شىء فى وجهها اللهم إلا قناعاته الخاصة التى لا سبيل لأحد غيره إلى تغييرها ! .
لقد وضعت ظاهرة التدوين الحكومات القمعية المتسلطة فى موقف حرج تماما ، فمن ناحية ، لا يستطيع أحد تكذيب الأخبار المدعمة بالصور ولقطات الفيديو الحية التى تبثها المدونات فاضحة الإنتهاكات الفظيعة التى ترتكبها الحكومات ممثلة فى أجهزة أمنها بحق شعوبها ، ومن ناحية أخرى ، فقد بدأ الإعلام الحكومى يفقد جمهوره كنتيجة طبيعية لفقدانه المزمن لمصداقيته عندما بدأ الناس يعرفون طريقهم نحو المدونات بما تحويه من مباشرة فى التعامل مع الأحداث وبثها العفوى والصادق للأخبار من موقع الحدث الأمر الذى لا يتوافر فى وسائل الإعلام الرسمية التى تحولت إلى أبواق تدافع عن النظام وتغض الطرف عن ما يمكن أن يؤثر على سمعته فيما تبثه من أخبار .
وما يحدث الآن من ردود فعل جنونية من قبل أجهزة الأمن بإعتقالها للمعارضين من أصحاب المدونات الشخصية الذين يتفردون بكشف الفظائع الحكومية بصورة يومية موثقة بالأخبار التفصيلية والصور ومقاطع الفيديو الصوتية التى لا مجال لتكذيبها يعد بداية لنهاية عصر الإحتكار الإعلامى وتوجيه الجماهير الذى أوشك على الأفول مع بداية عصر السماوات المفتوحة .
فعصر الطوفان الإلكترونى قد بدأ مكتسحا فى طريقه كافة الوسائل التقليدية التى أصبحت من مخلفات العهود البائدة ، والذى لا سبيل إلى مقاومته والصمود أمامه ، فلن تستطيع العصى المكهربة فى أيدى قوات مكافحة الشغب تحطيم جميع أجهزة الحاسوب أو القضاء على شبكة المعلومات الدولية أو السيطرة على المدونات وإغلاقها أو إخضاع أصحابها لسطوتها ، فلم يعد أحد يملك وحده السيطرة على هذا الطوفان الإلكترونى ، ولم تعد هناك قوة فى العالم تستطيع فرض سيطرتها على شبكة الإنترنت وتوجيه آراء مستخدميها لصالحها .
لم ينتهى الطوفان الإلكترونى - بعد - من إتحافنا بكل مفاجآته ، لأنها - على حد إعتقادى - لا نهاية لها ، ولكن ما أستطيع أن أؤكده هو أن هذه المفاجآت ستكون - بشكل عام - فى مصلحتنا كأفراد وستزيد من إحساسنا بالتفرد والإستقلالية ، وستسلب تدريجيا مفاتيحنا من بين أيادى من يتحكمون بمصائرنا ، فعصر الرؤى الشمولية إلى زوال ، وهانحن نبصر بأعيننا - المجردة - مبشرات أفوله .

كريم عامر

Thursday, May 18, 2006

أيها المصرى : إعرف عدوك

عمليات قمع المتظاهرين المتضامنين مع القضاة والمطالبين برحيل رموز النظام الحاكم فى مصر من قبل أجهزة الأمن بكافة فروعها وبتواطىء من جميع أجهزة الدولة ومع تعتيم وتزييف للحقائق من قبل الإعلام الحكومى تدفعنا إلى التفكير جديا فى تحديد من هم أعداؤنا الذين يجب أن نضعهم على القوائم السوداء ونقاطعهم وننبذهم .
لا يمكن لعاقل أن يؤمن بأن ما يفعله الأمن المصرى مع المتظاهرين والمتضامنين مع القضاة فى معركتهم المصيرية من أجلنا هو من قبيل الحفاظ على الأمن كما يروج لذالك الإعلام الحكومى ، كما لا يمكننا أن نبرىء أى عنصر من عناصر الشرطة ممن إشتركوا فى هذه الأحداث أو لم يشتركوا فيها ولم يصدر عنهم ما يدين هذه التصرفات من تهمة التواطىء مع النظام الديكتاتورى الغير شرعى الذى يحكمنا .
لا يمكننا أن نسكت عما يحدث ونغض الطرف عن هذه المهازل ، فكما يسحل شبابنا وتنتهك أعراض نسائنا فى الشوارع دون ذنب إرتكبوه أو جريرة سوى أنهم عبروا عن رأيهم بالإعتصام السلمى أو المظاهرات ، فيجب علينا فى المقابل أن نتخذ موقفا حاسما وحازما ضد كل من يشتركون فى هذه الأعمال الإجرامية بصرف النظر عن مواقعهم ورتبهم وكونهم عبيدا مأمورين أو سادة ناهين آمرين ! .
كل مجند أو موظف فى الشرطة المصرية هو مذنب فى حقنا ، سواء شارك فى دعم الطاغية بضرب وسحل وإعتقال المعارضين أم لم يشارك ! .
كل ضابط فى هذا الجهاز على إختلاف موقعه مذنب هو الآخر ، سواء تعامل مباشرة مع ما يحدث أم سمع عن ذالك ولم يتقدم بإستقالته على الفور إحتجاجا على ما يحدث !.
كل موظف مدنى يعمل فى هذا الجهاز مذنب فى حقنا هو الآخر لأن بقاءه فى وظيفته بعد كل ماحدث يعد موافقة ضمنية منه على إهانتنا وهتك أعراض نسائنا وإعتقالنا بهذه الأساليب المهينة ! .
كل من شارك حسنى مبارك وحاشيته ظلمه لنا حتى وإن كان أداة فى يده هو عدونا ... حتى وإن كان جنديا مجندا يزعم أنه لا حول له ولا قوة أو أنه عبد مأمور مسلوبة إرادته ! .
إن وزارة الداخلية هى الساعد الأيمن للنظام وهى التى تساعده على البقاء على الرغم من المعارضة الشديدة التى يواجهها بمساعدته فى ذالك بإنتهاج أساليب القمع البوليسية بحق المتظاهرين الذين خرجوا ليقولوا " لا " لرأس النظام الديكتاتورى العفن الذى عاث فسادا فى بلادنا وجعلها على حافة هاوية وخرابها يدق الأبواب .
وكل من يعمل فى هذا الجهاز حتى الآن على الرغم من كل ما رآه وسمعه من إنتهاكات وتجاوزات هو مشارك بصمته أو بتنفيذ الأوامر الصادرة إليه ، ولذا فهو يعمل ضد مصلحتنا لصالح عدونا الأكبر رأس النظام الديكتاتورى العفن .
كل من يعمل عندهم هو عدو لنا ...
كل من يتقاضى راتبه منهم هو مشارك فى ضربنا وسحلنا وإنتهاك أعراض بناتنا ...
كل من يعمل لصالحهم يعد مشاركا فى جريمة الإعتداء على عبير العسكرى ...
كل من يجلس فى مكتب يتبعهم هو مشارك فى عمليات إعتقال إخواننا الذين تتزايد أعدادهم ساعة بعد ساعة ...
كل من تربطه أى مصلحة بأى شخص يعمل معهم فهو مشارك فى جرائمهم بعدم إنكاره عليه ومقاطعته له ....
ليس هذا وقت التسامح مع أى شخص بحجة أن هذا عمله الوحيد الذى يعيل منه أطفاله .... فأولاده ليسوا بأغلى من شبابنا وبناتنا الذين سحلوا فى شوارع المحروسة ! .
كل إنسان سلبى هو عدو لدود لنا ، وكل من يراه ولا ينكر عليه سلبيته فهو مثله تماما ... ولن نقبل أى أعذار فى هذا الأمر حتى وإن إكتشفنا أن الشعب كله تحول إلى عدو لنا ! .
لم نعد نؤمن بفكرة سلب الإرادة ، فطالما كان فيك عرق ينبض فأنت قادر على مواجهة كافة الصعاب ، والوقوف فى وجه أعتى الجبابرة ، وسلب الإرادة قرين بسلب الحياة من الأجساد ...
إخواننا الذين وقفوا فى وجه الظلم وإعتقلوا ليسوا كائنات خارقة للعادة ولم يأتوا من كوكب آخر ، هم أناس عاديون مثلى ومثلُك ومثلِك ، لا يختلفون عنك فى شىء سوى أنهم قرروا أن يقفوا فى وجه هذا الظلم ويتحدوه بكل ما أوتوا من قوة وعزيمة ، فلماذا لا تكون مثلهم أو حتى تفعل أقل ما يمكنك فعله ، لماذا تعجز عن أن تكون وسطا ، لماذا تقبل أن تكون ترابا حينما تعجز عن أن تكون كوكبا ؟؟!!! .
إخوانى المصريين : إبدأوا من الآن حملة مقاطعة شاملة لكل من تعرفونهم ممن يعملون فى وزارة الداخلية ، سواء أكانوا جيرانا أم أقارب أو أصدقاء ، وسواء كانوا متورطين تورطا مباشرا فيما حدث لإخواننا وأخواتنا أم لا .
قاطعوهم يرحل حاكمكم الظالم ، فهو يعيش على مساندة هؤلاء له ، وعندما نضغط عليهم بهذه المقاطعة سيضطرون إلى الإنسحاب من العمل فى هذا الجهاز العفن ، ومع الوقت سيجد الديكتاتور أن من حوله قد إنفضوا عنه فلا يجد إلا الرحيل عنا هو وحاشيته حلا له .
فلم يعد هناك وقت لإلتماس الأعذار لأحد ...
ولم يعد لدينا مكان للسلبيين ومسلوبى الإرادة ...
فمصر فى حاجة ماسة لجهود أبنائها ....
ومن يعمل ضد مصلحتها فهو ليس منها ... وليس لدينا مشاعر تجاهه سوى مطلق الكراهية ...
إذهبوا إلى الجحيم يا أعداء الوطن ...
وأرجو أن يأخذ كل من تهمه مصلحة مصر فكرة مقاطعة العاملين فى وزارة الداخلية تلك بعين الإعتبار وأن يعمل على الدعوة اليها والترويج لها حتى تزال الغمة من فوق صدر مصر ويرحل حسنى مبارك وحاشيته إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم...
كريم عامر

أيها المصرى : إعرف عدوك

عمليات قمع المتظاهرين المتضامنين مع القضاة والمطالبين برحيل رموز النظام الحاكم فى مصر من قبل أجهزة الأمن بكافة فروعها وبتواطىء من جميع أجهزة الدولة ومع تعتيم وتزييف للحقائق من قبل الإعلام الحكومى تدفعنا إلى التفكير جديا فى تحديد من هم أعداؤنا الذين يجب أن نضعهم على القوائم السوداء ونقاطعهم وننبذهم .
لا يمكن لعاقل أن يؤمن بأن ما يفعله الأمن المصرى مع المتظاهرين والمتضامنين مع القضاة فى معركتهم المصيرية من أجلنا هو من قبيل الحفاظ على الأمن كما يروج لذالك الإعلام الحكومى ، كما لا يمكننا أن نبرىء أى عنصر من عناصر الشرطة ممن إشتركوا فى هذه الأحداث أو لم يشتركوا فيها ولم يصدر عنهم ما يدين هذه التصرفات من تهمة التواطىء مع النظام الديكتاتورى الغير شرعى الذى يحكمنا .
لا يمكننا أن نسكت عما يحدث ونغض الطرف عن هذه المهازل ، فكما يسحل شبابنا وتنتهك أعراض نسائنا فى الشوارع دون ذنب إرتكبوه أو جريرة سوى أنهم عبروا عن رأيهم بالإعتصام السلمى أو المظاهرات ، فيجب علينا فى المقابل أن نتخذ موقفا حاسما وحازما ضد كل من يشتركون فى هذه الأعمال الإجرامية بصرف النظر عن مواقعهم ورتبهم وكونهم عبيدا مأمورين أو سادة ناهين آمرين ! .
كل مجند أو موظف فى الشرطة المصرية هو مذنب فى حقنا ، سواء شارك فى دعم الطاغية بضرب وسحل وإعتقال المعارضين أم لم يشارك ! .
كل ضابط فى هذا الجهاز على إختلاف موقعه مذنب هو الآخر ، سواء تعامل مباشرة مع ما يحدث أم سمع عن ذالك ولم يتقدم بإستقالته على الفور إحتجاجا على ما يحدث !.
كل موظف مدنى يعمل فى هذا الجهاز مذنب فى حقنا هو الآخر لأن بقاءه فى وظيفته بعد كل ماحدث يعد موافقة ضمنية منه على إهانتنا وهتك أعراض نسائنا وإعتقالنا بهذه الأساليب المهينة ! .
كل من شارك حسنى مبارك وحاشيته ظلمه لنا حتى وإن كان أداة فى يده هو عدونا ... حتى وإن كان جنديا مجندا يزعم أنه لا حول له ولا قوة أو أنه عبد مأمور مسلوبة إرادته ! .
إن وزارة الداخلية هى الساعد الأيمن للنظام وهى التى تساعده على البقاء على الرغم من المعارضة الشديدة التى يواجهها بمساعدته فى ذالك بإنتهاج أساليب القمع البوليسية بحق المتظاهرين الذين خرجوا ليقولوا " لا " لرأس النظام الديكتاتورى العفن الذى عاث فسادا فى بلادنا وجعلها على حافة هاوية وخرابها يدق الأبواب .
وكل من يعمل فى هذا الجهاز حتى الآن على الرغم من كل ما رآه وسمعه من إنتهاكات وتجاوزات هو مشارك بصمته أو بتنفيذ الأوامر الصادرة إليه ، ولذا فهو يعمل ضد مصلحتنا لصالح عدونا الأكبر رأس النظام الديكتاتورى العفن .
كل من يعمل عندهم هو عدو لنا ...
كل من يتقاضى راتبه منهم هو مشارك فى ضربنا وسحلنا وإنتهاك أعراض بناتنا ...
كل من يعمل لصالحهم يعد مشاركا فى جريمة الإعتداء على عبير العسكرى ...
كل من يجلس فى مكتب يتبعهم هو مشارك فى عمليات إعتقال إخواننا الذين تتزايد أعدادهم ساعة بعد ساعة ...
كل من تربطه أى مصلحة بأى شخص يعمل معهم فهو مشارك فى جرائمهم بعدم إنكاره عليه ومقاطعته له ....
ليس هذا وقت التسامح مع أى شخص بحجة أن هذا عمله الوحيد الذى يعيل منه أطفاله .... فأولاده ليسوا بأغلى من شبابنا وبناتنا الذين سحلوا فى شوارع المحروسة ! .
كل إنسان سلبى هو عدو لدود لنا ، وكل من يراه ولا ينكر عليه سلبيته فهو مثله تماما ... ولن نقبل أى أعذار فى هذا الأمر حتى وإن إكتشفنا أن الشعب كله تحول إلى عدو لنا ! .
لم نعد نؤمن بفكرة سلب الإرادة ، فطالما كان فيك عرق ينبض فأنت قادر على مواجهة كافة الصعاب ، والوقوف فى وجه أعتى الجبابرة ، وسلب الإرادة قرين بسلب الحياة من الأجساد ...
إخواننا الذين وقفوا فى وجه الظلم وإعتقلوا ليسوا كائنات خارقة للعادة ولم يأتوا من كوكب آخر ، هم أناس عاديون مثلى ومثلُك ومثلِك ، لا يختلفون عنك فى شىء سوى أنهم قرروا أن يقفوا فى وجه هذا الظلم ويتحدوه بكل ما أوتوا من قوة وعزيمة ، فلماذا لا تكون مثلهم أو حتى تفعل أقل ما يمكنك فعله ، لماذا تعجز عن أن تكون وسطا ، لماذا تقبل أن تكون ترابا حينما تعجز عن أن تكون كوكبا ؟؟!!! .
إخوانى المصريين : إبدأوا من الآن حملة مقاطعة شاملة لكل من تعرفونهم ممن يعملون فى وزارة الداخلية ، سواء أكانوا جيرانا أم أقارب أو أصدقاء ، وسواء كانوا متورطين تورطا مباشرا فيما حدث لإخواننا وأخواتنا أم لا .
قاطعوهم يرحل حاكمكم الظالم ، فهو يعيش على مساندة هؤلاء له ، وعندما نضغط عليهم بهذه المقاطعة سيضطرون إلى الإنسحاب من العمل فى هذا الجهاز العفن ، ومع الوقت سيجد الديكتاتور أن من حوله قد إنفضوا عنه فلا يجد إلا الرحيل عنا هو وحاشيته حلا له .
فلم يعد هناك وقت لإلتماس الأعذار لأحد ...
ولم يعد لدينا مكان للسلبيين ومسلوبى الإرادة ...
فمصر فى حاجة ماسة لجهود أبنائها ....
ومن يعمل ضد مصلحتها فهو ليس منها ... وليس لدينا مشاعر تجاهه سوى مطلق الكراهية ...
إذهبوا إلى الجحيم يا أعداء الوطن ...
وأرجو أن يأخذ كل من تهمه مصلحة مصر فكرة مقاطعة العاملين فى وزارة الداخلية تلك بعين الإعتبار وأن يعمل على الدعوة اليها والترويج لها حتى تزال الغمة من فوق صدر مصر ويرحل حسنى مبارك وحاشيته إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم...
كريم عامر

Wednesday, May 17, 2006

إكرام الميت دفنه !

لم أكن فى موقف ضعف أو دفاع عن النفس عندما فكرت جديا فى الكتابة عما أنا بصدده الآن ، فثمة مشكلة لا يد لى فيها تكمن فى أن بعض كتاباتى قد حرف معناها وأسىء فهمها لدرجة تبعث على الإشمئزاز والنفور ، فالبعض تناقل مايردده المغرضون حول مقالاتى المنشورة بوصفها إنفعالية وتحريضية ، تطعن فى الأديان وتتهجم على الرموز الدينية والأنبياء وتسبها وتنال منها ، وهى مبالغات مجحفة وجدت لها صدى عند الكثيرين لدرجة جعلت البعض يتساهل فى إصدار الأحكام المسبقة حولى وحول ما أنشره دون محاولة عقلانية لتفهم وجهة نظرى .

وبالرغم من أننى أؤمن إيمانا تاماً بحريتى الكاملة فى التعبير عن رأيي حتى وإن خالف إجماع أهل الأرض قاطبةً ، طالما أننى لا أتعرض لذوات الأفراد بسب أو طعن ، وعلى الرغم من أننى لم أفكر يوما ما فى الكتابة لإرضاء الأذواق ومغازلتها والعبث على الأوتار العاطفية ، كما أننى لم أغيِّر قناعاتى التى إنطلقت منها إلى سبيلى - عكس التيار - فى مواجهة حادة وشرسة وضارية مع مجتمع بأكمله ، إلا وأننى نظرا لما أثير من جدل حاد - مؤخرا - حولى وحول ما أكتبه وجدتنى ملزما بتوضيح بعض الأمور التى إستشكلت على أذهان البعض مما دفعهم إلى رميي بالباطل جزافا دون محاولة هادئة لقراءة كتاباتى وتفهم وجهة نظرى بتعقل دون تعصب أو تحيز أو مسارعة بإصدار الأحكام المسبقة .

بداية ، أؤكد أننى لا أقدس فى هذه الحياة سوى الكائن الإنسانى ( الفرد ) من حيث طبيعته البشرية ، لا بإعتبار صفاته التى يكتسبها حال حياته ، أو آثاره التى يخلفها عقب وفاته ، وأعنى بذالك أننى أقدس الإنسان بإعتباره إنسانا وليس لكونه عالما أو باحثا أو أديبا أو طبيبا أو نبيا أو إلها ، ومن هذا المنطلق أتحدث عن نبى الإسلام " محمد " وأعرض بوضوح كامل وجهة نظرى التى آمل أن تقرأ بهدوء دون تعصب أو تشنج وأن لا يساء فهمها مرة أخرى كما سبق وأن حدث قبل فترة .

فعندما يؤمن أحدهم بأن شخصا ما وليكن " غاندى " يعد مقدسا وينبغى أن يوضع فى مصاف الأولياء أو الآلهة أو الأنبياء لأسباب ما يرى أنه لأجلها يستحق هذا التقديس ، فإننى على الفور أعلن إحترامى لحريته فى إعلان تقديسه لـ" غاندى " ، بل وحقه فى إنشاء دور مخصصة لعبادته ، وحقه فى دعوة الآخرين للإيمان به - بالصورة التى يراها - وتقديسه ، وفى الوقت ذاته فإننى أحتفظ بحقى فى نقد فكرة تقديس " غاندى " فى حد ذاتها ، كما أننى أملك كامل الحق فى تناول أفكاره بالنقد والتفنيد وإقتراح البدائل المناسبة لها ، بل لى كامل الحق فى إتهام أفكار " غاندى " بأنها السبب وراء النكبات التى يشهدها العالم وأن أصرح أنه لولا إعتناق الناس لهذه الأفكار وتطبيقهم لها لسهل علينا حل المشاكل التى تعترض طريق البشرية ، وفى نفس الإطار ، فإنه يحظر علىَّ المساس بكل ما يتعلق بـ" غاندى " كإنسان ، فلا أمتلك الحق فى أن أهاجم أو أنقد أى فكرة أو سلوك لم يتعدى أثره حياة " غاندى " الشخصية .

وعلى هذا فإنه يحق لكل إنسان أن يوجه سهام نقده الحادة إلى أفكار ومعتقدات من يختلف معهم فى الرأى ، خاصة إذا كانت هذه الأفكار ذات أبعاد مادية ومتغيرات على محورى الزمان والمكان ، وبعيدة تماما عن الشئون الخاصة بمُصدِرِها وحياته الشخصية .

فعندما وجهت نقدى إلى نبى الإسلام " محمد " لم أفعل ذالك لأن البعض نسب إليه أنه كان مزواجا أو أنه كان يعاشر القاصرات أو أنه كان يخالف أحكام شريعته فى بعض الأمور التى تتعلق بحياته الخاصة ، كما أننى كنت أشعر بالغثيان عندما أجد البعض يستخدم حياته الخاصة وعلاقته بزوجاته ويركز عليها كمادة لنقده والعيب فى ذاته والتقليل من شأنه وشأن ما جاء به ، وإنما وجهت نقدى إلى الأفكار والتعاليم الدينية المنسوبة إليه والتى يتخذها الكثيرون من أرباب الإرهاب - المحسوبين على الإسلام - سندا قويا لما يقومون به من أعمال عنف وتخريب ودمار .

لا أستطيع ولا يستطيع أحد أن ينكر أن " محمداً " كان عظيما ، ولكنه كان كذالك بالمعايير الخاصة بعصره فقط ، فهو وإن كان قاسيا مع خصومه وسفاكا لدماء أعدائه ، إلا أنه كان أقل وحشية من حكام " فارس " و " الروم " المعاصرين له والذين ضربوا أبشع الأمثلة فى التعامل مع خصومهم وأعدائهم ، كما أنه - بمقياس عصره - كان أكثر رأفة منهم فى التعامل مع أسراه ومن يقعون تحت رحمته ، حيث كانت تتاح لهم الفرصة للنجاة إن قبلوا الدخول فى الإسلام ولو بصورة شفهية صورية فحسب ، بينما كان ترفا بالنسبة للأسرى فى الحروب التى كانت تقع فى عصره فى أماكن أخرى مجرد التفكير فى إمكانية بقائهم على قيد الحياة وإطلاق سراحهم أو تلقيهم معاملة حسنة طيبة من آسريهم ، كما أن محمدا أدخل إصلاحات واسعة - بمقاييس عصره أيضا - فى المجال الإجتماعى ، خاصة فيما يتعلق بوضع المرأة داخل المجتمع ، فقد منع وأد البنات وهى عادة كانت منتشرة على نطاق واسع بين قبائل العرب فى الجاهلية ، كما قيد تعدد الزوجات محرما على الرجل أن يجمع بين أكثر من أربع نساء كزوجات له ، وهو تطور محمود بالمقياس الخاص بالعصر الذى عاش فيه هذا الرجل .

ولكن ، إن " محمدا " العظيم هذا والذى يستحق أن نحتفل بذكراه وأن ننحنى أمام ضريحه رافعين قبعاتنا إجلالا وإحتراما وإكبارا وإعظاما هو " محمد " الذى يفترض أنه رحل عن دنيانا فى القرن السابع الميلادى ودفنت جثته وتحللت وإنقضى عصره ، وليس " محمدا " الذى أعيد إلى الحياة مرة أخرى ليُطالبَ بإسمهِ فى القرن الحادى والعشرين الميلادى بتطبيق ذات التشريعات التى جاء بها قبل أربعة عشر قرنا فى حياة الناس العامة بدعوى أنها أحكام إلهية مقدسة ! .

إن الجبابرة والطغاة من الملوك والقياصرة والأنبياء والزعماء والآلهة ينتهى عهدهم وتمحى آثار تشريعاتهم وقوانينهم - عادة - عندما يحل الموت بهم ، وربما تموت ذكراهم وتمحى من الأذهان مآثرهم قبل أن تفارق أرواحهم أجسادهم ، فعندما وقف " نيرون " يشاهد " روما " من شرفة قصره وهى تحترق ، لم تكن " روما " وحدها هى التى نشبت فيها النيران ، وإنما كل ماقد يتصل بـ" نيرون " من مآثر أو مناقب أو ذكريات حميدة وآثار طيبة قد مسته النيران أيضا وأتت عليه بصورة تامة ، ولم تحفظ لنا ذاكرة التاريخ شيئا عن هذا الطاغية سوى أنه " ذالك الملك المجنون ... الذى أشعل النار فى عاصمة بلاده ... ووقف يشاهدها من شرفة قصره وهى تحترق ..." ، فلم يكن هناك مؤرخ مجنون يمكنه المخاطرة بذكر أى شىء من شأنه الدعوة إلى الإعلاء من شأن رجل تسبب فى هذا الدمار البشع لذالك التراث الإنسانى الخالد ، فراح " نيرون " ، وراحت قبله ذكراه ولم يبق للناس ما يذكرونه به سوى الذم والقدح و ضرب الأمثال فى الظلم والبغى والقهر والجنون .

ولكن الأمر بالنسبة لـ" محمد " قد إختلف بشكل كبير ، فعلى الرغم من التعاليم الدينية المنسوبة إليه قد وجدت معارضة لا بأس بها من بعض من عاصروه وعاشوا فى عهده - وهذا شىء بديهى بالنسبة لأى فكرة - ، إلا أنها قد وجدت قبولا وإستحسانا لدى الكثيرين الذين عدوها سنة يجب أن تحتذى ويقتدى بها فى كل مسالك الحياة ، ولم يكن هذا الأمر يمثل مشكلة فى حد ذاته ، فالكثيرين من معاصرى الملوك والأنبياء والحكماء والعلماء كانوا يرون ذالك بالنسبة لأفكارهم وتعاليمهم وتشريعاتهم وأحكامهم وقوانينهم ، ولكن الخطأ الذى لا تزال آثاره عالقة بيننا هو أن هؤلاء الأتباع كانوا يرون أن هذه التعاليم والتشريعات صالحة للتطبيق فى كل زمان ، وتم توريث هذا المبدأ الذى لا يعترف بالتطور الفكرى - مع الأسف الشديد - بين الأجيال المتعاقبة ، حتى أصبح الكثيرون من المسلمين الذين يعيشون فى عصرنا الحاضر يؤمنون بضرورة تطبيق التشريعات التى كان " محمد " يحكم بها مملكته الصغيرة فى القرن السابع الميلادى ! .

لقد كانت دولة " الروم " إحدى أهم خصوم دولة " محمد " فى شبه الجزيرة العربية ، وعلى الرغم من أنها كانت - بمقاييس عصرها - أكثر تقدما فى المجالات المادية المختلفة عن دولة " محمد " بحيث عاش عرب الجزيرة لفترة طويلة عالة عليها وعلى دولة " الفرس " ، إلا أن دولة " محمد " كانت أكثر تقدما وتفوقا على دولتى " الفرس " و " الروم " فى مجال إحترام حقوق الإنسان وصون حقوقه بمقاييس عصرها .

فلقد حاول " محمد " إرساء قواعد المساواة بين البشر بقدر ما كان عصره يسمح بذالك ، خصوصا بين أتباعه من المسلمين حيث صرح بأنه لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بمقدار إيمانه بعقيدته وإخلاصه لدينه وخوفه من خالقه ، كما أنه ساوى بين البيض والملونين من أتباعه بقدر ما إستطاع ونادى بحسن معاملة الرقيق والحيوان ، كما يبدو أنه حاول بصورة أو بأخرى التدرج فى إلغاء الرق ، غير أنه من المؤسف للغاية أن حلت منيته قبل أن يستكمل جدوله الإصلاحى فى هذا المجال وغيره .

وعلى الجانب المقابل ، كان" الروم " يقسمون رعاياهم إلى عدة طبقات ، ويقيمون مباريات دامية لمصارعة العبيد تنتهى بأن يقتل أحد المتصارعين الآخر وسط جو من المرح والسعادة يسود بين سادتهم المستمتعين بمشاهدة هذه المباريات الدامية .

وبعد أن دار الزمان دورته ، ومر على هذه الأوضاع المتزامنة قرابة أربعة عشر قرنا من الزمان ، إختلفت الأمور تماما عما كان يمكن أن يتوقعه من يتابع الأحداث من بعيد دون أن يأخذ بعين الإعتبار بعض الحقائق الهامة التى قد تجعل الأمور تتغير إلى النقيض تماما عما كانت عليه .

فعندما نقارن بين العالم الغربى من جهة بإعتباره الوريث الشرعى الحديث لدولة " الروم " البائدة ، وبين العالم العربى الإسلامى من جهة أخرى بإعتباره الإمتداد الطبيعى لدولة " محمد " الصحراوية الصغيرة ، نجد أن الأوضاع قد إنقلبت تماما وتغيرت عما كانت عليه قبل أربعة عشر قرنا بصورة تبعث على التعجب والذهول !! .

فالعالم العربى الإسلامى قد تقهقر ليصبح فى ذيل قائمة الأمم فى مجالات التقدم المادى كما أن سجله فى مجال إحترام حقوق الإنسان والمساواة بين البشر قد أضحى غايةً فى السوء ، ولكن الأمر فى معظم بلاد العالم الغربى قد إختلف تماما ، حيث تحول ورثاء دولة " الروم " إلى النقيض مما كان متوقعا لدولهم التى أصبحت متقدمة فى كافة مجالات الحياة وعلى رأسها الجانب الإنسانى بوضعها إحترام حقوق الإنسان ومكافحة التمييز بين البشر فى مقدمة أولوياتها .

إن المفارقة - بالطبع - تكمن فى هذه الحلقة المهملة عن علاقة الماضى بالحاضر عند كلتا الأمتين ، فدولة " الروم " لم تكن تعد قوانينها وتشريعاتها مقدسة أو صالحة للتطبيق فى كل زمان كما كان ينسب إلى " محمد " فى وصفه لتشريعاته وأحكامه ، فقد كان عصر كل ملك من ملوك " الروم " ينتهى عندما يعتلى العرش الملك الذى يليه مصدرا تشريعات وقوانين جديدة تتفق - على حسب ما يراها - مع ظروف العهد الجديد ، ولكن عصر " محمد " لم يكن قد إنتهى عندما وقف أبو بكر يصيح بأعلى صوته فى قلب المسجد النبوى :" من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ..." ، لأن أتباعه كانوا قد آمنوا بأن تشريعاته وتعاليمه وأحكامه صالحة للتطبيق أبد الدهر ولا تؤثر فيها عوامل التعرية الزمنية ، فى الوقت الذى كان فيه رعايا دولة " الروم " يرغبون فى التخلص من حكامهم وملوكهم الجائرين وتغيير وإستبدال نظم حكمهم بأخرى يرون أنها ملائمة لظروفهم المستجدة .

إن الفرق بين العالم الغربى والعالم العربى الإسلامى يكمن فى إن إمبراطور " روما " المجنون قد مات بعدما أضرم النار فى عاصمة بلاده ، وإنتهى عهده عندما أحرقت جثته ، وبدأت " أوروبا " تطور نفسها شيئا فشيئا بعد أن أدانت " نيرون " وفضحت جرائمه وأفعاله مخصصة له مكانا ملائما فى مزبلة التاريخ ماحية من سجلاته كل ماقد يؤثر عنه من مناقب وأفعال حسنة ، ولكن العرب المسلمون وقعوا فى زلة خطيرة عندما نصبوا " محمدا " ملكا عليهم أبد الدهر ، غير مقرين بموته ، ولا معترفين بتحلل جثته وإنتهاء زمنه .

لقد أحرقت " أوروبا " جثة " نيرون " فتخلصت من عاره ونتن جيفته ثم فتحت صفحة جديدة من تاريخها وأهالت التراب على جرائم " نيرون " فتقدمت وطورت نفسها فى كافة المجالات حتى بلغت ماهى عليه الآن ، بينما رفض أتباع " محمد " مواراة جثمانه الثرى رافضين فكرة رحيله عن هذه الحياة موقفين تاريخهم عند ساعة إحتضاره متخيلين أنه لا يزال حيا بين أظهرهم يقيم فيهم قوانينه ويطبق عليهم أحكامه ومر بهم الزمن وهم على هذا الحال المؤسف حتى تقهقروا وتدهور حالهم وصاروا يعيشون فى القرن الحادى والعشرين بأفكار رجل رحل عن هذه الدنيا فى القرن السابع الميلادى .

إن العالم الغربى قد أحسن صنعا عندما طبق المثل العربى : " إكرام الميت دفنه " على كل الزعماء والأباطرة والملوك والأنبياء الذين عاشوا فى العصور القديمة ، متيحا لهم التواجد داخل إطارهم التاريخى فحسب ، فأصبح الناس يذكرونهم بخير ويحمدون محاسنهم ومآثرهم طالما أن آثارها لم تخرج عن إطار العصر الذى عاشوا فيه ، ولكن العرب المسلمون قد سببوا الإهانة الشديدة لـ" محمد " عندما رفضوا مواراته الثرى متعاملين معه ومع تعاليمه وأحكامه التى ولى زمنها وتركت عوامل التعرية الزمنية آثارها عليها كفزاعة ينصبونها لكل من يحاول إصلاح حال الأمة العربية الإسلامية بوصف البديل الذى يراه مناسبا للعصر الحالى ، فتحول " محمد " - على أيديهم - من مصلح إجتماعى وسياسى ودينى عاش ومات فى القرنين السادس والسابع الميلادى إلى مجرم إرهابى شاذ يعيش فى القرن الحادى والعشرين .

إنه لم يسىء أتباع دين أو أنصار نبى إلى دينهم أو نبيهم مثلما فعل المسلمون ، فالذين ثاروا من أجل إهانة نبيهم فى بعض دول العالم الغربى هم الذين تسببوا فى صدور هذه الإهانة ، فكيف يمكن للرسام الدانمركى تخيل " محمد " بوصفه مصلحا وداعية سلام وأتباعه يعلقون جرائمهم وأفعالهم الشنيعة فى رقبته ؟؟ كيف يمكن للغرب أن يحترم " محمدا " وأتباعه يصرون على تنصيب جثته المتحللة حاكما عليهم آمرا ناهيا ؟؟ كيف يمكن للعالم أن يحترم رجلا أصر أتباعه على إعادته للحياة فى عصر ليس بعصره دون أن يتقبلوا شروط هذا العصر ويلزمونه بها ؟؟!! .

على المسلمين أن يفيقوا قبل فوات الأوان وأن يدركوا أن واجبهم تجاه نبيهم فى المرحلة الحالية هو أن يسارعوا بتكريمه ومواراة جثمانه وتشريعاته وتعاليمه الثرى ، قانعين بتاريخ حياته القصير معتذرين له عن الإساءة التى سببوها لشخصه ، وأن يبدأوا صفحة جديدة من تاريخهم بنبذهم العمل بتراث العهود القديمة وإحترام شروط العصر الذى يعيشونه حتى تنتهى معاناتهم التى بدأت منذ وفاة نبيهم ولن تنتهى إلا بمواراته الثرى .

آمل مرة أخرى أن لا يساء فهم ما أعنيه ، فليس أضر على المسلمين من داء التعصب الأعمى والبحث عن التفسيرات السطحية ، وهى الأمور التى تجعلهم يتسرعون فى إصدار الأحكام على كل من يمتلك وجهة نظر أخرى مطالبين بالتخلص منه وقتله حتى يزدادوا تخلفا فوق تخلفهم .

كريم عامر

click here to get the english translation of the text above

إكرام الميت دفنه !

لم أكن فى موقف ضعف أو دفاع عن النفس عندما فكرت جديا فى الكتابة عما أنا بصدده الآن ، فثمة مشكلة لا يد لى فيها تكمن فى أن بعض كتاباتى قد حرف معناها وأسىء فهمها لدرجة تبعث على الإشمئزاز والنفور ، فالبعض تناقل مايردده المغرضون حول مقالاتى المنشورة بوصفها إنفعالية وتحريضية ، تطعن فى الأديان وتتهجم على الرموز الدينية والأنبياء وتسبها وتنال منها ، وهى مبالغات مجحفة وجدت لها صدى عند الكثيرين لدرجة جعلت البعض يتساهل فى إصدار الأحكام المسبقة حولى وحول ما أنشره دون محاولة عقلانية لتفهم وجهة نظرى .

وبالرغم من أننى أؤمن إيمانا تاماً بحريتى الكاملة فى التعبير عن رأيي حتى وإن خالف إجماع أهل الأرض قاطبةً ، طالما أننى لا أتعرض لذوات الأفراد بسب أو طعن ، وعلى الرغم من أننى لم أفكر يوما ما فى الكتابة لإرضاء الأذواق ومغازلتها والعبث على الأوتار العاطفية ، كما أننى لم أغيِّر قناعاتى التى إنطلقت منها إلى سبيلى - عكس التيار - فى مواجهة حادة وشرسة وضارية مع مجتمع بأكمله ، إلا وأننى نظرا لما أثير من جدل حاد - مؤخرا - حولى وحول ما أكتبه وجدتنى ملزما بتوضيح بعض الأمور التى إستشكلت على أذهان البعض مما دفعهم إلى رميي بالباطل جزافا دون محاولة هادئة لقراءة كتاباتى وتفهم وجهة نظرى بتعقل دون تعصب أو تحيز أو مسارعة بإصدار الأحكام المسبقة .

بداية ، أؤكد أننى لا أقدس فى هذه الحياة سوى الكائن الإنسانى ( الفرد ) من حيث طبيعته البشرية ، لا بإعتبار صفاته التى يكتسبها حال حياته ، أو آثاره التى يخلفها عقب وفاته ، وأعنى بذالك أننى أقدس الإنسان بإعتباره إنسانا وليس لكونه عالما أو باحثا أو أديبا أو طبيبا أو نبيا أو إلها ، ومن هذا المنطلق أتحدث عن نبى الإسلام " محمد " وأعرض بوضوح كامل وجهة نظرى التى آمل أن تقرأ بهدوء دون تعصب أو تشنج وأن لا يساء فهمها مرة أخرى كما سبق وأن حدث قبل فترة .

فعندما يؤمن أحدهم بأن شخصا ما وليكن " غاندى " يعد مقدسا وينبغى أن يوضع فى مصاف الأولياء أو الآلهة أو الأنبياء لأسباب ما يرى أنه لأجلها يستحق هذا التقديس ، فإننى على الفور أعلن إحترامى لحريته فى إعلان تقديسه لـ" غاندى " ، بل وحقه فى إنشاء دور مخصصة لعبادته ، وحقه فى دعوة الآخرين للإيمان به - بالصورة التى يراها - وتقديسه ، وفى الوقت ذاته فإننى أحتفظ بحقى فى نقد فكرة تقديس " غاندى " فى حد ذاتها ، كما أننى أملك كامل الحق فى تناول أفكاره بالنقد والتفنيد وإقتراح البدائل المناسبة لها ، بل لى كامل الحق فى إتهام أفكار " غاندى " بأنها السبب وراء النكبات التى يشهدها العالم وأن أصرح أنه لولا إعتناق الناس لهذه الأفكار وتطبيقهم لها لسهل علينا حل المشاكل التى تعترض طريق البشرية ، وفى نفس الإطار ، فإنه يحظر علىَّ المساس بكل ما يتعلق بـ" غاندى " كإنسان ، فلا أمتلك الحق فى أن أهاجم أو أنقد أى فكرة أو سلوك لم يتعدى أثره حياة " غاندى " الشخصية .

وعلى هذا فإنه يحق لكل إنسان أن يوجه سهام نقده الحادة إلى أفكار ومعتقدات من يختلف معهم فى الرأى ، خاصة إذا كانت هذه الأفكار ذات أبعاد مادية ومتغيرات على محورى الزمان والمكان ، وبعيدة تماما عن الشئون الخاصة بمُصدِرِها وحياته الشخصية .

فعندما وجهت نقدى إلى نبى الإسلام " محمد " لم أفعل ذالك لأن البعض نسب إليه أنه كان مزواجا أو أنه كان يعاشر القاصرات أو أنه كان يخالف أحكام شريعته فى بعض الأمور التى تتعلق بحياته الخاصة ، كما أننى كنت أشعر بالغثيان عندما أجد البعض يستخدم حياته الخاصة وعلاقته بزوجاته ويركز عليها كمادة لنقده والعيب فى ذاته والتقليل من شأنه وشأن ما جاء به ، وإنما وجهت نقدى إلى الأفكار والتعاليم الدينية المنسوبة إليه والتى يتخذها الكثيرون من أرباب الإرهاب - المحسوبين على الإسلام - سندا قويا لما يقومون به من أعمال عنف وتخريب ودمار .

لا أستطيع ولا يستطيع أحد أن ينكر أن " محمداً " كان عظيما ، ولكنه كان كذالك بالمعايير الخاصة بعصره فقط ، فهو وإن كان قاسيا مع خصومه وسفاكا لدماء أعدائه ، إلا أنه كان أقل وحشية من حكام " فارس " و " الروم " المعاصرين له والذين ضربوا أبشع الأمثلة فى التعامل مع خصومهم وأعدائهم ، كما أنه - بمقياس عصره - كان أكثر رأفة منهم فى التعامل مع أسراه ومن يقعون تحت رحمته ، حيث كانت تتاح لهم الفرصة للنجاة إن قبلوا الدخول فى الإسلام ولو بصورة شفهية صورية فحسب ، بينما كان ترفا بالنسبة للأسرى فى الحروب التى كانت تقع فى عصره فى أماكن أخرى مجرد التفكير فى إمكانية بقائهم على قيد الحياة وإطلاق سراحهم أو تلقيهم معاملة حسنة طيبة من آسريهم ، كما أن محمدا أدخل إصلاحات واسعة - بمقاييس عصره أيضا - فى المجال الإجتماعى ، خاصة فيما يتعلق بوضع المرأة داخل المجتمع ، فقد منع وأد البنات وهى عادة كانت منتشرة على نطاق واسع بين قبائل العرب فى الجاهلية ، كما قيد تعدد الزوجات محرما على الرجل أن يجمع بين أكثر من أربع نساء كزوجات له ، وهو تطور محمود بالمقياس الخاص بالعصر الذى عاش فيه هذا الرجل .

ولكن ، إن " محمدا " العظيم هذا والذى يستحق أن نحتفل بذكراه وأن ننحنى أمام ضريحه رافعين قبعاتنا إجلالا وإحتراما وإكبارا وإعظاما هو " محمد " الذى يفترض أنه رحل عن دنيانا فى القرن السابع الميلادى ودفنت جثته وتحللت وإنقضى عصره ، وليس " محمدا " الذى أعيد إلى الحياة مرة أخرى ليُطالبَ بإسمهِ فى القرن الحادى والعشرين الميلادى بتطبيق ذات التشريعات التى جاء بها قبل أربعة عشر قرنا فى حياة الناس العامة بدعوى أنها أحكام إلهية مقدسة ! .

إن الجبابرة والطغاة من الملوك والقياصرة والأنبياء والزعماء والآلهة ينتهى عهدهم وتمحى آثار تشريعاتهم وقوانينهم - عادة - عندما يحل الموت بهم ، وربما تموت ذكراهم وتمحى من الأذهان مآثرهم قبل أن تفارق أرواحهم أجسادهم ، فعندما وقف " نيرون " يشاهد " روما " من شرفة قصره وهى تحترق ، لم تكن " روما " وحدها هى التى نشبت فيها النيران ، وإنما كل ماقد يتصل بـ" نيرون " من مآثر أو مناقب أو ذكريات حميدة وآثار طيبة قد مسته النيران أيضا وأتت عليه بصورة تامة ، ولم تحفظ لنا ذاكرة التاريخ شيئا عن هذا الطاغية سوى أنه " ذالك الملك المجنون ... الذى أشعل النار فى عاصمة بلاده ... ووقف يشاهدها من شرفة قصره وهى تحترق ..." ، فلم يكن هناك مؤرخ مجنون يمكنه المخاطرة بذكر أى شىء من شأنه الدعوة إلى الإعلاء من شأن رجل تسبب فى هذا الدمار البشع لذالك التراث الإنسانى الخالد ، فراح " نيرون " ، وراحت قبله ذكراه ولم يبق للناس ما يذكرونه به سوى الذم والقدح و ضرب الأمثال فى الظلم والبغى والقهر والجنون .

ولكن الأمر بالنسبة لـ" محمد " قد إختلف بشكل كبير ، فعلى الرغم من التعاليم الدينية المنسوبة إليه قد وجدت معارضة لا بأس بها من بعض من عاصروه وعاشوا فى عهده - وهذا شىء بديهى بالنسبة لأى فكرة - ، إلا أنها قد وجدت قبولا وإستحسانا لدى الكثيرين الذين عدوها سنة يجب أن تحتذى ويقتدى بها فى كل مسالك الحياة ، ولم يكن هذا الأمر يمثل مشكلة فى حد ذاته ، فالكثيرين من معاصرى الملوك والأنبياء والحكماء والعلماء كانوا يرون ذالك بالنسبة لأفكارهم وتعاليمهم وتشريعاتهم وأحكامهم وقوانينهم ، ولكن الخطأ الذى لا تزال آثاره عالقة بيننا هو أن هؤلاء الأتباع كانوا يرون أن هذه التعاليم والتشريعات صالحة للتطبيق فى كل زمان ، وتم توريث هذا المبدأ الذى لا يعترف بالتطور الفكرى - مع الأسف الشديد - بين الأجيال المتعاقبة ، حتى أصبح الكثيرون من المسلمين الذين يعيشون فى عصرنا الحاضر يؤمنون بضرورة تطبيق التشريعات التى كان " محمد " يحكم بها مملكته الصغيرة فى القرن السابع الميلادى ! .

لقد كانت دولة " الروم " إحدى أهم خصوم دولة " محمد " فى شبه الجزيرة العربية ، وعلى الرغم من أنها كانت - بمقاييس عصرها - أكثر تقدما فى المجالات المادية المختلفة عن دولة " محمد " بحيث عاش عرب الجزيرة لفترة طويلة عالة عليها وعلى دولة " الفرس " ، إلا أن دولة " محمد " كانت أكثر تقدما وتفوقا على دولتى " الفرس " و " الروم " فى مجال إحترام حقوق الإنسان وصون حقوقه بمقاييس عصرها .

فلقد حاول " محمد " إرساء قواعد المساواة بين البشر بقدر ما كان عصره يسمح بذالك ، خصوصا بين أتباعه من المسلمين حيث صرح بأنه لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بمقدار إيمانه بعقيدته وإخلاصه لدينه وخوفه من خالقه ، كما أنه ساوى بين البيض والملونين من أتباعه بقدر ما إستطاع ونادى بحسن معاملة الرقيق والحيوان ، كما يبدو أنه حاول بصورة أو بأخرى التدرج فى إلغاء الرق ، غير أنه من المؤسف للغاية أن حلت منيته قبل أن يستكمل جدوله الإصلاحى فى هذا المجال وغيره .

وعلى الجانب المقابل ، كان" الروم " يقسمون رعاياهم إلى عدة طبقات ، ويقيمون مباريات دامية لمصارعة العبيد تنتهى بأن يقتل أحد المتصارعين الآخر وسط جو من المرح والسعادة يسود بين سادتهم المستمتعين بمشاهدة هذه المباريات الدامية .

وبعد أن دار الزمان دورته ، ومر على هذه الأوضاع المتزامنة قرابة أربعة عشر قرنا من الزمان ، إختلفت الأمور تماما عما كان يمكن أن يتوقعه من يتابع الأحداث من بعيد دون أن يأخذ بعين الإعتبار بعض الحقائق الهامة التى قد تجعل الأمور تتغير إلى النقيض تماما عما كانت عليه .

فعندما نقارن بين العالم الغربى من جهة بإعتباره الوريث الشرعى الحديث لدولة " الروم " البائدة ، وبين العالم العربى الإسلامى من جهة أخرى بإعتباره الإمتداد الطبيعى لدولة " محمد " الصحراوية الصغيرة ، نجد أن الأوضاع قد إنقلبت تماما وتغيرت عما كانت عليه قبل أربعة عشر قرنا بصورة تبعث على التعجب والذهول !! .

فالعالم العربى الإسلامى قد تقهقر ليصبح فى ذيل قائمة الأمم فى مجالات التقدم المادى كما أن سجله فى مجال إحترام حقوق الإنسان والمساواة بين البشر قد أضحى غايةً فى السوء ، ولكن الأمر فى معظم بلاد العالم الغربى قد إختلف تماما ، حيث تحول ورثاء دولة " الروم " إلى النقيض مما كان متوقعا لدولهم التى أصبحت متقدمة فى كافة مجالات الحياة وعلى رأسها الجانب الإنسانى بوضعها إحترام حقوق الإنسان ومكافحة التمييز بين البشر فى مقدمة أولوياتها .

إن المفارقة - بالطبع - تكمن فى هذه الحلقة المهملة عن علاقة الماضى بالحاضر عند كلتا الأمتين ، فدولة " الروم " لم تكن تعد قوانينها وتشريعاتها مقدسة أو صالحة للتطبيق فى كل زمان كما كان ينسب إلى " محمد " فى وصفه لتشريعاته وأحكامه ، فقد كان عصر كل ملك من ملوك " الروم " ينتهى عندما يعتلى العرش الملك الذى يليه مصدرا تشريعات وقوانين جديدة تتفق - على حسب ما يراها - مع ظروف العهد الجديد ، ولكن عصر " محمد " لم يكن قد إنتهى عندما وقف أبو بكر يصيح بأعلى صوته فى قلب المسجد النبوى :" من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ..." ، لأن أتباعه كانوا قد آمنوا بأن تشريعاته وتعاليمه وأحكامه صالحة للتطبيق أبد الدهر ولا تؤثر فيها عوامل التعرية الزمنية ، فى الوقت الذى كان فيه رعايا دولة " الروم " يرغبون فى التخلص من حكامهم وملوكهم الجائرين وتغيير وإستبدال نظم حكمهم بأخرى يرون أنها ملائمة لظروفهم المستجدة .

إن الفرق بين العالم الغربى والعالم العربى الإسلامى يكمن فى إن إمبراطور " روما " المجنون قد مات بعدما أضرم النار فى عاصمة بلاده ، وإنتهى عهده عندما أحرقت جثته ، وبدأت " أوروبا " تطور نفسها شيئا فشيئا بعد أن أدانت " نيرون " وفضحت جرائمه وأفعاله مخصصة له مكانا ملائما فى مزبلة التاريخ ماحية من سجلاته كل ماقد يؤثر عنه من مناقب وأفعال حسنة ، ولكن العرب المسلمون وقعوا فى زلة خطيرة عندما نصبوا " محمدا " ملكا عليهم أبد الدهر ، غير مقرين بموته ، ولا معترفين بتحلل جثته وإنتهاء زمنه .

لقد أحرقت " أوروبا " جثة " نيرون " فتخلصت من عاره ونتن جيفته ثم فتحت صفحة جديدة من تاريخها وأهالت التراب على جرائم " نيرون " فتقدمت وطورت نفسها فى كافة المجالات حتى بلغت ماهى عليه الآن ، بينما رفض أتباع " محمد " مواراة جثمانه الثرى رافضين فكرة رحيله عن هذه الحياة موقفين تاريخهم عند ساعة إحتضاره متخيلين أنه لا يزال حيا بين أظهرهم يقيم فيهم قوانينه ويطبق عليهم أحكامه ومر بهم الزمن وهم على هذا الحال المؤسف حتى تقهقروا وتدهور حالهم وصاروا يعيشون فى القرن الحادى والعشرين بأفكار رجل رحل عن هذه الدنيا فى القرن السابع الميلادى .

إن العالم الغربى قد أحسن صنعا عندما طبق المثل العربى : " إكرام الميت دفنه " على كل الزعماء والأباطرة والملوك والأنبياء الذين عاشوا فى العصور القديمة ، متيحا لهم التواجد داخل إطارهم التاريخى فحسب ، فأصبح الناس يذكرونهم بخير ويحمدون محاسنهم ومآثرهم طالما أن آثارها لم تخرج عن إطار العصر الذى عاشوا فيه ، ولكن العرب المسلمون قد سببوا الإهانة الشديدة لـ" محمد " عندما رفضوا مواراته الثرى متعاملين معه ومع تعاليمه وأحكامه التى ولى زمنها وتركت عوامل التعرية الزمنية آثارها عليها كفزاعة ينصبونها لكل من يحاول إصلاح حال الأمة العربية الإسلامية بوصف البديل الذى يراه مناسبا للعصر الحالى ، فتحول " محمد " - على أيديهم - من مصلح إجتماعى وسياسى ودينى عاش ومات فى القرنين السادس والسابع الميلادى إلى مجرم إرهابى شاذ يعيش فى القرن الحادى والعشرين .

إنه لم يسىء أتباع دين أو أنصار نبى إلى دينهم أو نبيهم مثلما فعل المسلمون ، فالذين ثاروا من أجل إهانة نبيهم فى بعض دول العالم الغربى هم الذين تسببوا فى صدور هذه الإهانة ، فكيف يمكن للرسام الدانمركى تخيل " محمد " بوصفه مصلحا وداعية سلام وأتباعه يعلقون جرائمهم وأفعالهم الشنيعة فى رقبته ؟؟ كيف يمكن للغرب أن يحترم " محمدا " وأتباعه يصرون على تنصيب جثته المتحللة حاكما عليهم آمرا ناهيا ؟؟ كيف يمكن للعالم أن يحترم رجلا أصر أتباعه على إعادته للحياة فى عصر ليس بعصره دون أن يتقبلوا شروط هذا العصر ويلزمونه بها ؟؟!! .

على المسلمين أن يفيقوا قبل فوات الأوان وأن يدركوا أن واجبهم تجاه نبيهم فى المرحلة الحالية هو أن يسارعوا بتكريمه ومواراة جثمانه وتشريعاته وتعاليمه الثرى ، قانعين بتاريخ حياته القصير معتذرين له عن الإساءة التى سببوها لشخصه ، وأن يبدأوا صفحة جديدة من تاريخهم بنبذهم العمل بتراث العهود القديمة وإحترام شروط العصر الذى يعيشونه حتى تنتهى معاناتهم التى بدأت منذ وفاة نبيهم ولن تنتهى إلا بمواراته الثرى .

آمل مرة أخرى أن لا يساء فهم ما أعنيه ، فليس أضر على المسلمين من داء التعصب الأعمى والبحث عن التفسيرات السطحية ، وهى الأمور التى تجعلهم يتسرعون فى إصدار الأحكام على كل من يمتلك وجهة نظر أخرى مطالبين بالتخلص منه وقتله حتى يزدادوا تخلفا فوق تخلفهم .

كريم عامر

click here to get the english translation of the text above

Thursday, May 11, 2006

رسالة لن تصل ... إلى عبد شاكر ...

لم أكن أتصور أن يأتى يوم أقرأ فيه إسمك ضمن عنوان يعلن رحيلك عن هذه الحياة ... فى هذه الأيام بالذات ....
فلم أكن قد تعرفت إليك بصورة كبيرة ... كما أننى لا أعرف عنك الكثير ...
لا أعرف عنك شيئا سوى أنك إنسان تحاول الهرب من جحيم الحياة المادى بخلق عالمك الخاص ... عالم من كلمات ...
أفزعنى رحيلك يا أخى !!.
هل كانت مصادفة أن يجهزوا عليك فى ذات اليوم الذى إستطعت أن أنقذ فيه نفسى من بين أيادىِّ من حاولوا أن يغتالونى بدمنهور ؟؟!!...
هل إستبدلوك بى ؟؟!!!
ترى .... هل كان لأصابع القدر - التى لا أؤمن بوجودها - دور فى تغيير هدفهم فى اللحظات الأخيرة ؟؟!!!..
لن أنس رسالتك الأولى التى كنت تلومنى فيها على تشاؤمى وقلقى مما يحدث ....
رسالتك التى ليتك ما أرسلتها ... لكى لا تدع هذا الجرح الذى سببه ما حدث لك بعدها بأقل من شهر يتوغل فى قلبى ممزقا له بقسوة لا يمكن مقاومتها ....
وقبل كل هذا ... كلماتك التى سطرتها عندما كنت معتقلا فى سجن النظام المصرى لأننى إمتلكت قلما يكتب ما يمليه علىَّ عقلى ....
كلماتك التى قرأتها ضمن نصوص كثيرة كتبت عنى .... وشعرت بأنها نابعة من قلب إنسان يتألم لألم الآخرين ... دون أن يراهم أو يعرفهم ....
مالذى يدفعنى إلى الكتابة عنك ... وأنا لا أعرفك ... ولم أراك ... ولا أدرى عنك شيئا سوى أنك ... رجل من كلمات !! .
لا أعرف ... إن كنت شابا عشرينيا مثلى ... او كهلا خمسينيا فى عمر أبى ... أم شيخا هرما .... أنا فى عمر حفيده ...
لا أعرف ... إن كنت أعزباً ... أم متزوجاً ... أم مطلقاً ... أم عاشقاً ... أم أرملاً ...
لا أعرف عنك سوى إسمك ... ولقب عائلتك الذى لم يتسنى لى معرفته سوى بعد رحيلك فى الخبر الذى أعلنوا فيه ذالك ...
فقد كان إسمك الذى أعرفه هو الذى توقع به كتاباتك .... عبد شاكر ...
الدليمى ... لقب عائلتك الذى قرأته فى نبأ مصرعك .....
تخيفنى برحيلك المفاجىء ... على حين غرة ...
وتجعلنى أهاب أن يجعلونى هدفهم القادم ....
هل يمكنهم أن يفعلوا هذا بى هنا ... فى مصر ....
ربما ! ......
أخدع نفسى دائما بأن لبلادك ظروف خاصة .... وأن مصر لا يمكن أن تمر بمثل ما تمر بها ....
تسكرنى هذه الخديعة الذاتية إلى حد أن أنسى تماما أن حياتى قد تكون مستهدفة من قبل من يتخذون الكلمة الحرة الجريئة عدوا لدودا لهم !! ...
تنسينى هذه الخديعة أننا نعيش فوق رماد قابل للإشتعال فى أى لحظة من اللحظات ... كما حدث عندكم ....
لن أنس ما كتبته عنى ... فهو وسام أحمله على صدرى وأباهى الجميع به ...
مقالك الرائع الذى تدين فيه عملية إعتقالى وتدعو إلى الديمقراطية والحرية .....:-
((((( اعتقال الكاتب عبد الكريم نبيل سليمان .. أطلاق رصاصة الرحمة على رأس النظام المصري .. تعتبر عملية أعتقال الكاتب , هي اعلى مراحل السقوط والهمجيه , وستؤكد بما لايقبل الشك , حقيقة هذا النظام الدكتاتوري القمعي , المتسلط على مقدرات وكرامة الشعب المصري , لربع قرن , اعادت مصر الى عصر استعماري غبي .. وقد ثبتت التهمة الواضحة على كل ما قيل وسيقال , عن هذا التسلط الارعن , ومعاداة المفكرين والعلماء ( ليس الاسلاموين ) هو من ديدن هذا النظام السفاح ماذا فعل هذا الشاب العشريني , انه يحمل قلما , وليس بندقيه , يناضل بفكره , الذي لايتعدى , النقد الموضوعي واسداء النصح لكم ياساده , انه لو لم يكن يقل الحقيقة لما كنتم قد اعتقلتموه , أم انكم تخشون أن يكبر بعمره وفكره , هل من يناصر المرأه ويوجه النقد لبعض السياسات الخاطئه في مجالات الحياة الفكريه والسياسيه يتعرض للاعتقال ؟ في بلد يدعي الحريه والديمقراطيه .. انه الرأي الآخر ياساده ! أين هي اذن التعدديه وحرية الفكر ووووو..؟ كان جل همه , ان يحظى شعبه بهامش كم الحرية والرفاهية والعدالة الاجتماعية .. وأن يأخذ المواطن المصري حقه في الحياة ظل قيادة وطنية ! وليست عميلة ! نتساءل : ماهو الجرم الذي أرتكبه ؟ هل لانه قال : لانريد حكما وراثيا ؟ ولانريد حكام مستبدين مرتبطين بأمريكا ؟ ولايخونوا شعبهم وتاريخه ؟ هل لانه خرج في تظاهرة سلميه كانت ترفض تجديد ولاية السلطان للمرة الخامسة والعشرين ؟ انها الساعة الخامسة والعشرون ! ام لانه كشف حقيقة مايجري في الازهر ؟ وحقيقة التحالفات المشبوهة مع الاسلاميين ؟ ام لانه قال ان المرأة مهمشة في مجتمع , تشكل فيه نسبة 60 بالمائة من الشعب , ولم تزل تخدم سي السيد .. ولم ترتقي الى مستوى انسانيتها ؟ أود ان اتساءل هنا : هل قام بواجباتهما السيدين - البابا شنوده ومحمد سيد طنطاوي - في الانتخابات المهزلة .. الم يكن ذلك التحالف هو مصادرة لرأي الشعب المصري واستغلال رجال الدين الذي يسعون وراء مكاسبهم في امور السياسة والديمقراطية ؟ هل اعترض الامراء السعوديون - خدام امريكا - على كتاباته عن الحركة الوهابية وأمراؤها .. وامروا بأعتقاله ؟ حتى لايرفعوا أيديهم عنك , ويقولوا لبوش ان الرئيس , يعمل وفق ما تتطلبه السياسة ( الامريك - اسرائيلية ) .. انا أقول هنا صراحة .. لقد فضح النظام البائس في مصر العروبة , كل الاعيبه الخبيثه .. بأعتقاله لهذا الشاب اليافع ! الذي نزهو ونفخر به ايما فخر .. لقد قلدتموه وساما رفيعا .. ولااعتقد ان اي من شرفاء مصر من الجنسين رجال ونساء خصوصا طلبة وطالبات الجامعات المصريه لايشاركني هذا التقليد .. هذا العمل الاجرامي الذي يتنافى مع كل القوانين والاعراف الانسانيه والاخلاقيه , سوف يرد لكم .. بأن تقف مصر كلها , خلف الشاعر والكاتب .. وهنيئا لك يا ( كريم عامر ) أسرك هذا .. وتحيا مصر رمزا للحرية .. )))))
كلمات قليلة ... ولكنى سأحملها ككنز لا يقدر بثمن ....
عندما ذكر إسمى ضمن المهددين بالقتل فى القائمة التى لم يضار من المذكورين بها أحد حتى الآن ... أعددت نفسى للذهاب الى النهاية ...
فى اليوم الذى كان من المفترض أن تنتهى المهلة التى أعطوها لنا لكى نعلن رضانا بالقيود على كواهلنا ... كنت أشاهد فيلما عن المناضلة الألمانية الشابة صوفيا شول ....
تخيلت نفسى أننى هذه الفتاة أو أحد أصدقائها ... وهم يضعون أعناقهم تحت المقصلة جزاءا لطلبهم للحرية ...
شعرت بأنهم سعداء بمصيرهم .... وخرجت من القاعة التى عرض فيها هذا الفيلم ولسانى يكاد يصرخ ... إقتلونى إن شئتم !!....
تراك كنت سعيدا مثل صوفيا وهانز شول ... وكريستوف بروبست عندما هوى أعوان هتلر بالمقصلة فوق رقابهم ؟؟!!....
لقد تركتَ أثرا عميقا علىَّ ... وجعلتنى أؤمن أن الحياة لا تزال بخير ... وأنها على الرغم من بؤسها وقساوتها ... تحمل الأمل ...
عندما أخبرتك بنبأ فصلى من الجامعة ... أرسلت إلى تعزينى بمثال شقيقك الكاتب فلاح شاكر ...وتقول :-
(((( الاستاذ عبد الكريم

تحياتي وارجو ان تكون بخير

شكرا للتواصل .. لايهم إن لم تواصل الدراسة , رغم أهميتها .. أخي فلاح شاكر الكاتب المسرحي المعروف .. فصلوه من جامعة بغداد - قسم الفلسفة - لمجرد انه نقد بعض كتابات أستاذ المادة في الصحف .. وها هو - الكاتب المسرحي العربي الوحيد الذي تترجم اعماله الى خمس لغات .. ويواصل ..

قلبي معك ومع كل شرفاء مصر العروبة .. آمل أن لا توقف قلمك كل تلك ( المعرقلات) وأنا هنا رغم المحنة - مستعد لتقديم اية دعم تحتاج - لك محبتي وتقديري .. سيدي
)))) ....
منحتنى كلماتك فيضا من الأمل ... ولكنك سلبته عندما قررت الرحيل قبل أن تقرأ ردى - الذى لم أسطره حتى الآن - على رسالتك أو تتحدث معى مرة أخرى ...
أذكر أنك أضفتنى على حسابك فى برنامج الياهو مسينجر منذ حوالى أسبوعين فقط ... وكانت ظروفى لا تسمح لى بالتواصل المباشر معك من خلاله ....
ووجدتك تترك لى بعض الرسائل وانا غير موجود تطلب منى أن أحدد الوقت المناسب للحديث معك ...
ولكن من إغتالوك تعمدوا أن يمنعونى من فرصة لقائك ... ولو إفتراضيا ... تبا لهم ! .
مسافة كبيرة تفصل بين البصرة ... ودمنهور .. حيث قتلت أنت ... وكدت أن الحق بك لولا أننى جبنت وهربت ...
ومسافة أكبر .. بين الفالوجة .. والإسكندرية ... حيث تعيش أنت ... وأقيم أنا ...
ولكن ... لا مسافة تفصل بين روحينا المرفرفتان معا فى سماء الحرية ... دون أن تستطيع طلقة رصاص أو ضربة سيف أن تفصلهما أو تقدر قذيفة مضادة لكل من يطير ... أن تسقطهما ...
تبا لمن قتلوك .... قتلوا الكلمة لأنها تخيفهم أكثر مما يخيفهم سيف الحاكم و سوط الجلاد ...
قتلوا الكلمة الحرة ... لأنهم يدركون أن آثارها أكثر شدة من إنفجار قنبلة ذرية ...
قتلوا عبد شاكر ... لأنه رفض أن يكون عبدا ... وسعى أن يغير إسمه ليكون حرا ....
أرادوه أن يبقى مدى حياته عبدا ... ورفض أن يجيب طلبهم ... لأنه يعشق إمرأة من لا مادة ... تدعى الحرية ...
حر الدليمى ...هو إسمك الجديد الذى إخترته لك دون إرادتك ... سامحنى على ذالك ! ....
أعجز عن انهى هذه الأسطر ... وأجد فى ذالك خيانة لإنسان تضامن معى دون أن يرانى أو أن أراه ...
رجل من كلمات وحروف ...
لا يمكن أن أنساه ...
سامحنى إن كان هذا السطر هوالأخير فى هذه المرثية التى أتمنى أن تكون الأخيرة التى أكتبها عن عزيز علىَّ ... يرحل عن هذه الحياة ...

رسالة لن تصل ... إلى عبد شاكر ...

لم أكن أتصور أن يأتى يوم أقرأ فيه إسمك ضمن عنوان يعلن رحيلك عن هذه الحياة ... فى هذه الأيام بالذات ....
فلم أكن قد تعرفت إليك بصورة كبيرة ... كما أننى لا أعرف عنك الكثير ...
لا أعرف عنك شيئا سوى أنك إنسان تحاول الهرب من جحيم الحياة المادى بخلق عالمك الخاص ... عالم من كلمات ...
أفزعنى رحيلك يا أخى !!.
هل كانت مصادفة أن يجهزوا عليك فى ذات اليوم الذى إستطعت أن أنقذ فيه نفسى من بين أيادىِّ من حاولوا أن يغتالونى بدمنهور ؟؟!!...
هل إستبدلوك بى ؟؟!!!
ترى .... هل كان لأصابع القدر - التى لا أؤمن بوجودها - دور فى تغيير هدفهم فى اللحظات الأخيرة ؟؟!!!..
لن أنس رسالتك الأولى التى كنت تلومنى فيها على تشاؤمى وقلقى مما يحدث ....
رسالتك التى ليتك ما أرسلتها ... لكى لا تدع هذا الجرح الذى سببه ما حدث لك بعدها بأقل من شهر يتوغل فى قلبى ممزقا له بقسوة لا يمكن مقاومتها ....
وقبل كل هذا ... كلماتك التى سطرتها عندما كنت معتقلا فى سجن النظام المصرى لأننى إمتلكت قلما يكتب ما يمليه علىَّ عقلى ....
كلماتك التى قرأتها ضمن نصوص كثيرة كتبت عنى .... وشعرت بأنها نابعة من قلب إنسان يتألم لألم الآخرين ... دون أن يراهم أو يعرفهم ....
مالذى يدفعنى إلى الكتابة عنك ... وأنا لا أعرفك ... ولم أراك ... ولا أدرى عنك شيئا سوى أنك ... رجل من كلمات !! .
لا أعرف ... إن كنت شابا عشرينيا مثلى ... او كهلا خمسينيا فى عمر أبى ... أم شيخا هرما .... أنا فى عمر حفيده ...
لا أعرف ... إن كنت أعزباً ... أم متزوجاً ... أم مطلقاً ... أم عاشقاً ... أم أرملاً ...
لا أعرف عنك سوى إسمك ... ولقب عائلتك الذى لم يتسنى لى معرفته سوى بعد رحيلك فى الخبر الذى أعلنوا فيه ذالك ...
فقد كان إسمك الذى أعرفه هو الذى توقع به كتاباتك .... عبد شاكر ...
الدليمى ... لقب عائلتك الذى قرأته فى نبأ مصرعك .....
تخيفنى برحيلك المفاجىء ... على حين غرة ...
وتجعلنى أهاب أن يجعلونى هدفهم القادم ....
هل يمكنهم أن يفعلوا هذا بى هنا ... فى مصر ....
ربما ! ......
أخدع نفسى دائما بأن لبلادك ظروف خاصة .... وأن مصر لا يمكن أن تمر بمثل ما تمر بها ....
تسكرنى هذه الخديعة الذاتية إلى حد أن أنسى تماما أن حياتى قد تكون مستهدفة من قبل من يتخذون الكلمة الحرة الجريئة عدوا لدودا لهم !! ...
تنسينى هذه الخديعة أننا نعيش فوق رماد قابل للإشتعال فى أى لحظة من اللحظات ... كما حدث عندكم ....
لن أنس ما كتبته عنى ... فهو وسام أحمله على صدرى وأباهى الجميع به ...
مقالك الرائع الذى تدين فيه عملية إعتقالى وتدعو إلى الديمقراطية والحرية .....:-
((((( اعتقال الكاتب عبد الكريم نبيل سليمان .. أطلاق رصاصة الرحمة على رأس النظام المصري .. تعتبر عملية أعتقال الكاتب , هي اعلى مراحل السقوط والهمجيه , وستؤكد بما لايقبل الشك , حقيقة هذا النظام الدكتاتوري القمعي , المتسلط على مقدرات وكرامة الشعب المصري , لربع قرن , اعادت مصر الى عصر استعماري غبي .. وقد ثبتت التهمة الواضحة على كل ما قيل وسيقال , عن هذا التسلط الارعن , ومعاداة المفكرين والعلماء ( ليس الاسلاموين ) هو من ديدن هذا النظام السفاح ماذا فعل هذا الشاب العشريني , انه يحمل قلما , وليس بندقيه , يناضل بفكره , الذي لايتعدى , النقد الموضوعي واسداء النصح لكم ياساده , انه لو لم يكن يقل الحقيقة لما كنتم قد اعتقلتموه , أم انكم تخشون أن يكبر بعمره وفكره , هل من يناصر المرأه ويوجه النقد لبعض السياسات الخاطئه في مجالات الحياة الفكريه والسياسيه يتعرض للاعتقال ؟ في بلد يدعي الحريه والديمقراطيه .. انه الرأي الآخر ياساده ! أين هي اذن التعدديه وحرية الفكر ووووو..؟ كان جل همه , ان يحظى شعبه بهامش كم الحرية والرفاهية والعدالة الاجتماعية .. وأن يأخذ المواطن المصري حقه في الحياة ظل قيادة وطنية ! وليست عميلة ! نتساءل : ماهو الجرم الذي أرتكبه ؟ هل لانه قال : لانريد حكما وراثيا ؟ ولانريد حكام مستبدين مرتبطين بأمريكا ؟ ولايخونوا شعبهم وتاريخه ؟ هل لانه خرج في تظاهرة سلميه كانت ترفض تجديد ولاية السلطان للمرة الخامسة والعشرين ؟ انها الساعة الخامسة والعشرون ! ام لانه كشف حقيقة مايجري في الازهر ؟ وحقيقة التحالفات المشبوهة مع الاسلاميين ؟ ام لانه قال ان المرأة مهمشة في مجتمع , تشكل فيه نسبة 60 بالمائة من الشعب , ولم تزل تخدم سي السيد .. ولم ترتقي الى مستوى انسانيتها ؟ أود ان اتساءل هنا : هل قام بواجباتهما السيدين - البابا شنوده ومحمد سيد طنطاوي - في الانتخابات المهزلة .. الم يكن ذلك التحالف هو مصادرة لرأي الشعب المصري واستغلال رجال الدين الذي يسعون وراء مكاسبهم في امور السياسة والديمقراطية ؟ هل اعترض الامراء السعوديون - خدام امريكا - على كتاباته عن الحركة الوهابية وأمراؤها .. وامروا بأعتقاله ؟ حتى لايرفعوا أيديهم عنك , ويقولوا لبوش ان الرئيس , يعمل وفق ما تتطلبه السياسة ( الامريك - اسرائيلية ) .. انا أقول هنا صراحة .. لقد فضح النظام البائس في مصر العروبة , كل الاعيبه الخبيثه .. بأعتقاله لهذا الشاب اليافع ! الذي نزهو ونفخر به ايما فخر .. لقد قلدتموه وساما رفيعا .. ولااعتقد ان اي من شرفاء مصر من الجنسين رجال ونساء خصوصا طلبة وطالبات الجامعات المصريه لايشاركني هذا التقليد .. هذا العمل الاجرامي الذي يتنافى مع كل القوانين والاعراف الانسانيه والاخلاقيه , سوف يرد لكم .. بأن تقف مصر كلها , خلف الشاعر والكاتب .. وهنيئا لك يا ( كريم عامر ) أسرك هذا .. وتحيا مصر رمزا للحرية .. )))))
كلمات قليلة ... ولكنى سأحملها ككنز لا يقدر بثمن ....
عندما ذكر إسمى ضمن المهددين بالقتل فى القائمة التى لم يضار من المذكورين بها أحد حتى الآن ... أعددت نفسى للذهاب الى النهاية ...
فى اليوم الذى كان من المفترض أن تنتهى المهلة التى أعطوها لنا لكى نعلن رضانا بالقيود على كواهلنا ... كنت أشاهد فيلما عن المناضلة الألمانية الشابة صوفيا شول ....
تخيلت نفسى أننى هذه الفتاة أو أحد أصدقائها ... وهم يضعون أعناقهم تحت المقصلة جزاءا لطلبهم للحرية ...
شعرت بأنهم سعداء بمصيرهم .... وخرجت من القاعة التى عرض فيها هذا الفيلم ولسانى يكاد يصرخ ... إقتلونى إن شئتم !!....
تراك كنت سعيدا مثل صوفيا وهانز شول ... وكريستوف بروبست عندما هوى أعوان هتلر بالمقصلة فوق رقابهم ؟؟!!....
لقد تركتَ أثرا عميقا علىَّ ... وجعلتنى أؤمن أن الحياة لا تزال بخير ... وأنها على الرغم من بؤسها وقساوتها ... تحمل الأمل ...
عندما أخبرتك بنبأ فصلى من الجامعة ... أرسلت إلى تعزينى بمثال شقيقك الكاتب فلاح شاكر ...وتقول :-
(((( الاستاذ عبد الكريم

تحياتي وارجو ان تكون بخير

شكرا للتواصل .. لايهم إن لم تواصل الدراسة , رغم أهميتها .. أخي فلاح شاكر الكاتب المسرحي المعروف .. فصلوه من جامعة بغداد - قسم الفلسفة - لمجرد انه نقد بعض كتابات أستاذ المادة في الصحف .. وها هو - الكاتب المسرحي العربي الوحيد الذي تترجم اعماله الى خمس لغات .. ويواصل ..

قلبي معك ومع كل شرفاء مصر العروبة .. آمل أن لا توقف قلمك كل تلك ( المعرقلات) وأنا هنا رغم المحنة - مستعد لتقديم اية دعم تحتاج - لك محبتي وتقديري .. سيدي
)))) ....
منحتنى كلماتك فيضا من الأمل ... ولكنك سلبته عندما قررت الرحيل قبل أن تقرأ ردى - الذى لم أسطره حتى الآن - على رسالتك أو تتحدث معى مرة أخرى ...
أذكر أنك أضفتنى على حسابك فى برنامج الياهو مسينجر منذ حوالى أسبوعين فقط ... وكانت ظروفى لا تسمح لى بالتواصل المباشر معك من خلاله ....
ووجدتك تترك لى بعض الرسائل وانا غير موجود تطلب منى أن أحدد الوقت المناسب للحديث معك ...
ولكن من إغتالوك تعمدوا أن يمنعونى من فرصة لقائك ... ولو إفتراضيا ... تبا لهم ! .
مسافة كبيرة تفصل بين البصرة ... ودمنهور .. حيث قتلت أنت ... وكدت أن الحق بك لولا أننى جبنت وهربت ...
ومسافة أكبر .. بين الفالوجة .. والإسكندرية ... حيث تعيش أنت ... وأقيم أنا ...
ولكن ... لا مسافة تفصل بين روحينا المرفرفتان معا فى سماء الحرية ... دون أن تستطيع طلقة رصاص أو ضربة سيف أن تفصلهما أو تقدر قذيفة مضادة لكل من يطير ... أن تسقطهما ...
تبا لمن قتلوك .... قتلوا الكلمة لأنها تخيفهم أكثر مما يخيفهم سيف الحاكم و سوط الجلاد ...
قتلوا الكلمة الحرة ... لأنهم يدركون أن آثارها أكثر شدة من إنفجار قنبلة ذرية ...
قتلوا عبد شاكر ... لأنه رفض أن يكون عبدا ... وسعى أن يغير إسمه ليكون حرا ....
أرادوه أن يبقى مدى حياته عبدا ... ورفض أن يجيب طلبهم ... لأنه يعشق إمرأة من لا مادة ... تدعى الحرية ...
حر الدليمى ...هو إسمك الجديد الذى إخترته لك دون إرادتك ... سامحنى على ذالك ! ....
أعجز عن انهى هذه الأسطر ... وأجد فى ذالك خيانة لإنسان تضامن معى دون أن يرانى أو أن أراه ...
رجل من كلمات وحروف ...
لا يمكن أن أنساه ...
سامحنى إن كان هذا السطر هوالأخير فى هذه المرثية التى أتمنى أن تكون الأخيرة التى أكتبها عن عزيز علىَّ ... يرحل عن هذه الحياة ...

Sunday, May 7, 2006

جامعة الإرهاب .. وتواطؤ أمنى مفضوح

لم أستغرب عندما أعلنت بعض الجهات الأمنية أن أحد منفذى تفجيرات سيناء الأخيرة طالب بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر ، وذالك لأننى أدرك جيدا أن هذه الجامعة هى إحدى مفارخ الإرهاب الهامة فى مصر من خلال مناهجها الدراسية التى تحشو بها عقول الطلاب حشوا وتحولهم من خلالها إلى وحوش آدمية لا تتورع عن إيذاء من يعلن إختلافه معهم لأن مناهجهم - بكل بساطة - علمتهم أن المختلف لا مكان له فى هذه الحياة .
وقد كنت حتى وقت قريب أعتقد ذالك بصورة نظرية بحتة ، دون أن أدخل فى غمار تجربة عملية مع طلاب أو أساتذة الجامعة فى مجال الإرهاب المادى ، ولم أكن حتى قبل كتابة هذه السطور بساعات قليلة أتوقع أن أواجه عملية إرهابية عنيفة ممن يدرسون بهذه الجامعة على أساس أن التعميم ضار فى جميع الأحوال ، وكما أن الخبيث موجود فإن الطيب موجود ولو بصورة شبه ضئيلة ، وإستمرت هذه الغيبوبة تنتابنى حتى صباح هذا اليوم عندما توجهت لسحب أوراقى من الكلية بعد أن فصلت منها بقرار من مجلس التأديب قبل حوالى شهرين لأننى عبرت عن رأيي بحرية ، ومنذ أن ولجت من الباب وأنا أستشعر نظرات التشفى والإنتقام فى عيون كل من رأونى وتعرفوا على ، وعندما ذهبت إلى مكتب شئون الطلاب لأطلب منهم أوراقى طلبوا منى التريث قليلا لأن الموظف المسؤل عن ذالك سيحضر بعد قليل ، وفى حمى إنتظارى قررت أن آخذ جولة فى الكلية علها تكون الأخيرة أودع بها هذا العش الخرب الذى ذقت الويلات خلال سنين دراستى به ، وما إن مررت أمام الباب ولمحنى أحد أمناء الشرطة التابعين لحرس الكلية حتى بعث خلفى بعض العساكر الذين طلبوا منى التوجه إلى كابينة الأمن للأهمية ، فذهبت معهم وفوجئت بأن أمين الشرطة المذكور يطلب منى مغادرة الكلية لأننى ممنوع من دخولها ، وذهلت من هذا الطلب وقلت له أننى لم آتى إلى هنا وأضع حزاما ناسفا حول وسطى لأفجر هذا المكان ، وإنما أتيت لسحب أوراقى لأننى مفصول ، فقال لى أن الموظف المختص لم يحضر اليوم ، بينما كنت قد أخبرت من قبل بعض موظفى شئون الطلاب أن الموظف المعنى بذالك سيأتى بعد قليل ، وأثناء جدالنا كان يقف فى هذه الحجرة بعض العناصر الأمنية وأحدهم كان يرتدى زيّأ مدنيا ، ووجدت بعض الطلاب يتجمهرون أمام الباب ويرمقوننى بعيونهم كأنهم عثروا على تحفة أثرية نادرة ، ووجدت أحدهم يصيح بى قائلا : هل أنت الذى كتبت ما نسب اليك ،بأسلوب عصبى مبالغ فيه ، فطلبت منه الإبتعاد عنى لأننى لست فى وضع يسمح لى بالمناقشة ، وبعدما أجرى أمين الشرطة بعض إتصالاته بداخل الكلية أخبرنى أن ملفى لدى الشئون القانونية بالقاهرة للبت فى قرار فصلى ، وأن على أن أتصل بالكلية من آن لآخر قبل حضورى حتى أعرف ما إذا كان قد عاد الى مقر الكلية أم لا ، فأخذت منه رقم هاتف الكلية وإنصرفت خارجا من الباب المخصص للطلاب .
لم يكن قد بدأ الفصل العنيف من هذه المهزلة الجامعية الأزهرية عندما لمحت عنصر الأمن الذى كان متواجدا بالداخل يتجه نحوى وبيده عصا إسطوانية الشكل ، فى البداية أخذ يدى تحت أحد ذراعيه وطلب منى أن أجلس معه فى مكان ما لأنه يريد أن يتناقش معى ، فأدركت خطورة الموقف ونزعت يدى من تحت ذراعه وأخبرته أننى على عجلة من أمرى وأنه يجب أن أسرع للعودة الى المنزل ، فوجدته يجذبنى بعنف من ملابسى فأطلقت ساقىَّ للريح بإتجاه الباب الخلفى للكلية الذى خرجت منه ، وما إن لمحنى أحد عناصر الحرس الجامعى حتى طلب منى الإبتعاد لأننى ممنوع من الدخول ، وعندما سألته : هل تعرف مالذى كان سيحدث لى ؟؟ قال لى بالحرف الواحد : عارف .. بس ما شُفتش !!!( أعرف ... ولكننى لم أرى شيئا ) ... عندها تشبثت بالباب وطلبت منهم أن يحضروا لى سيارة أجرة ( تاكسى ) لأننى لا أستطيع أن أغادر فى مثل هذه الظروف ، وإستمر إنتظارى لبعض الوقت حتى إستجاب أمين الشرطة وذهبت معه حتى الشارع العام لأنتظر معه أية سبارة أجرة لأستقلها إلى موقف أوتوبيس غرب الدلتا ومنه الى الإسكندرية ، ولكن أمين الشرطة طلب منى أن أستقل أية مواصلة أخرى فرفضت لأننى لا أضمن ما يمكن أن يحدث داخله ، وعندها قال لى : إحنا مش شغالين عند أهلك وتركنى أمام الباب .
لم يدم إنتظارى طويلا حتى لمحت سيارة أجرة تأتى ناحيتى فأوقفتها وطلبت من السائق أن يوصلنى إلى الموقف ، ولكن أحد الطلاب سبقنى ليجلس بجوار السائق فإضطررت للجلوس بالمقعد الخلفى للسيارة ، وما إن إبتعد السائق قليلا عن باب الكلية حتى وجدت مايقرب من عشرين طالبا قد أحاطوا بالسيارة من جميع الجهات ومعهم هذا العنصر الأمنى المرتدى للثياب المدنية ، ولمحت بيدهم أسلحة بيضاء وأحزمة جلدية وعصى وقاموا بفتح الأبواب الخلفية بعدما أجبروا السائق على التوقف وحاولوا إخراجى عنوة من السيارة إلا أننى تشبثت بمقعدى بقوة وكانوا يتوعدوننى بالقتل بطريقة لم أكن أتوقعها من طلاب يفترض أنهم يتلقون دراستهم فى الجامعة ، وعندها غادر الطالب الآخر السيارة وإستطاع السائق النفاذ من بينهم بصعوبة قبل أن يطلب منى مغادرة السيارة بعد أن تركهم بمسافة كبيرة .
تركت السيارة وعدوت بما فيه الكفاية لأبتعد عن مصدر الخطر الذى كاد أن يتكفل بإزهاق روحى قبل ثوان معدودة ، ثم ركبت تاكسى آخر أوصلنى الى مبتغاى ، وعدت سالما إلا من بعض الخدوش البسيطة وكدمات فى قدمى نتيجة لما حدث معى ، ولكنى وجدت نفسى أتسائل .. مالذى جنيته لأتعرض لمثل هذه الإعتداءات ؟؟ ، هل مجرد إختلافى مع الأفكار السائدة أمر يستوجب الإعتداء على ومحاولة قتلى ؟؟!!! .
أمر يدعو للحزن عندما أجد هؤلاء الشباب قد غسلت عقولهم بهذه الصورة ليتحولوا إلى إيذاء الغير لمجرد إختلافهم معهم فى بعض وجهات النظر !.
أمر يدعو للرثاء أن نجد إحدى جامعاتنا تتحول إلى مؤسسة لتخريج الإرهابيين بكل أنواعهم ! .
أمر يبكى ويحزن ويصيب بالإحباط أن نجد أنفسنا مهددين بالقتل .. لا لأننا نقتل .. لا لأننا نسلب أموال الآخرين .. لا لأننا نتعدى حدود حريتنا ... ولكن لأننا نفكر ! .
جامعة الأزهر لا تحرك ساكنا عندما يفجر أحد طلابها نفسه أو يندفع لقتل الأبرياء العزل ... ولكن قيامتها تقوم عندما يكون لدى أحد طلابها رأيا حرا جريئا مستقلا ! .
اليوم .. واليوم فقط ... أدركت حقيقة التواطؤ الأمنى مع التطرف الدينى فى مصر ، وعرفت جيدا كيف أن النظام يعيش على هذا الإرهاب ووجوده قائم على وجود الجماعات المتطرفة والجامعة المتطرفة أيضا ( الأزهر )... وزواله بالضرورة قرين بزوالهما .
كريم عامر

جامعة الإرهاب .. وتواطؤ أمنى مفضوح

لم أستغرب عندما أعلنت بعض الجهات الأمنية أن أحد منفذى تفجيرات سيناء الأخيرة طالب بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر ، وذالك لأننى أدرك جيدا أن هذه الجامعة هى إحدى مفارخ الإرهاب الهامة فى مصر من خلال مناهجها الدراسية التى تحشو بها عقول الطلاب حشوا وتحولهم من خلالها إلى وحوش آدمية لا تتورع عن إيذاء من يعلن إختلافه معهم لأن مناهجهم - بكل بساطة - علمتهم أن المختلف لا مكان له فى هذه الحياة .
وقد كنت حتى وقت قريب أعتقد ذالك بصورة نظرية بحتة ، دون أن أدخل فى غمار تجربة عملية مع طلاب أو أساتذة الجامعة فى مجال الإرهاب المادى ، ولم أكن حتى قبل كتابة هذه السطور بساعات قليلة أتوقع أن أواجه عملية إرهابية عنيفة ممن يدرسون بهذه الجامعة على أساس أن التعميم ضار فى جميع الأحوال ، وكما أن الخبيث موجود فإن الطيب موجود ولو بصورة شبه ضئيلة ، وإستمرت هذه الغيبوبة تنتابنى حتى صباح هذا اليوم عندما توجهت لسحب أوراقى من الكلية بعد أن فصلت منها بقرار من مجلس التأديب قبل حوالى شهرين لأننى عبرت عن رأيي بحرية ، ومنذ أن ولجت من الباب وأنا أستشعر نظرات التشفى والإنتقام فى عيون كل من رأونى وتعرفوا على ، وعندما ذهبت إلى مكتب شئون الطلاب لأطلب منهم أوراقى طلبوا منى التريث قليلا لأن الموظف المسؤل عن ذالك سيحضر بعد قليل ، وفى حمى إنتظارى قررت أن آخذ جولة فى الكلية علها تكون الأخيرة أودع بها هذا العش الخرب الذى ذقت الويلات خلال سنين دراستى به ، وما إن مررت أمام الباب ولمحنى أحد أمناء الشرطة التابعين لحرس الكلية حتى بعث خلفى بعض العساكر الذين طلبوا منى التوجه إلى كابينة الأمن للأهمية ، فذهبت معهم وفوجئت بأن أمين الشرطة المذكور يطلب منى مغادرة الكلية لأننى ممنوع من دخولها ، وذهلت من هذا الطلب وقلت له أننى لم آتى إلى هنا وأضع حزاما ناسفا حول وسطى لأفجر هذا المكان ، وإنما أتيت لسحب أوراقى لأننى مفصول ، فقال لى أن الموظف المختص لم يحضر اليوم ، بينما كنت قد أخبرت من قبل بعض موظفى شئون الطلاب أن الموظف المعنى بذالك سيأتى بعد قليل ، وأثناء جدالنا كان يقف فى هذه الحجرة بعض العناصر الأمنية وأحدهم كان يرتدى زيّأ مدنيا ، ووجدت بعض الطلاب يتجمهرون أمام الباب ويرمقوننى بعيونهم كأنهم عثروا على تحفة أثرية نادرة ، ووجدت أحدهم يصيح بى قائلا : هل أنت الذى كتبت ما نسب اليك ،بأسلوب عصبى مبالغ فيه ، فطلبت منه الإبتعاد عنى لأننى لست فى وضع يسمح لى بالمناقشة ، وبعدما أجرى أمين الشرطة بعض إتصالاته بداخل الكلية أخبرنى أن ملفى لدى الشئون القانونية بالقاهرة للبت فى قرار فصلى ، وأن على أن أتصل بالكلية من آن لآخر قبل حضورى حتى أعرف ما إذا كان قد عاد الى مقر الكلية أم لا ، فأخذت منه رقم هاتف الكلية وإنصرفت خارجا من الباب المخصص للطلاب .
لم يكن قد بدأ الفصل العنيف من هذه المهزلة الجامعية الأزهرية عندما لمحت عنصر الأمن الذى كان متواجدا بالداخل يتجه نحوى وبيده عصا إسطوانية الشكل ، فى البداية أخذ يدى تحت أحد ذراعيه وطلب منى أن أجلس معه فى مكان ما لأنه يريد أن يتناقش معى ، فأدركت خطورة الموقف ونزعت يدى من تحت ذراعه وأخبرته أننى على عجلة من أمرى وأنه يجب أن أسرع للعودة الى المنزل ، فوجدته يجذبنى بعنف من ملابسى فأطلقت ساقىَّ للريح بإتجاه الباب الخلفى للكلية الذى خرجت منه ، وما إن لمحنى أحد عناصر الحرس الجامعى حتى طلب منى الإبتعاد لأننى ممنوع من الدخول ، وعندما سألته : هل تعرف مالذى كان سيحدث لى ؟؟ قال لى بالحرف الواحد : عارف .. بس ما شُفتش !!!( أعرف ... ولكننى لم أرى شيئا ) ... عندها تشبثت بالباب وطلبت منهم أن يحضروا لى سيارة أجرة ( تاكسى ) لأننى لا أستطيع أن أغادر فى مثل هذه الظروف ، وإستمر إنتظارى لبعض الوقت حتى إستجاب أمين الشرطة وذهبت معه حتى الشارع العام لأنتظر معه أية سبارة أجرة لأستقلها إلى موقف أوتوبيس غرب الدلتا ومنه الى الإسكندرية ، ولكن أمين الشرطة طلب منى أن أستقل أية مواصلة أخرى فرفضت لأننى لا أضمن ما يمكن أن يحدث داخله ، وعندها قال لى : إحنا مش شغالين عند أهلك وتركنى أمام الباب .
لم يدم إنتظارى طويلا حتى لمحت سيارة أجرة تأتى ناحيتى فأوقفتها وطلبت من السائق أن يوصلنى إلى الموقف ، ولكن أحد الطلاب سبقنى ليجلس بجوار السائق فإضطررت للجلوس بالمقعد الخلفى للسيارة ، وما إن إبتعد السائق قليلا عن باب الكلية حتى وجدت مايقرب من عشرين طالبا قد أحاطوا بالسيارة من جميع الجهات ومعهم هذا العنصر الأمنى المرتدى للثياب المدنية ، ولمحت بيدهم أسلحة بيضاء وأحزمة جلدية وعصى وقاموا بفتح الأبواب الخلفية بعدما أجبروا السائق على التوقف وحاولوا إخراجى عنوة من السيارة إلا أننى تشبثت بمقعدى بقوة وكانوا يتوعدوننى بالقتل بطريقة لم أكن أتوقعها من طلاب يفترض أنهم يتلقون دراستهم فى الجامعة ، وعندها غادر الطالب الآخر السيارة وإستطاع السائق النفاذ من بينهم بصعوبة قبل أن يطلب منى مغادرة السيارة بعد أن تركهم بمسافة كبيرة .
تركت السيارة وعدوت بما فيه الكفاية لأبتعد عن مصدر الخطر الذى كاد أن يتكفل بإزهاق روحى قبل ثوان معدودة ، ثم ركبت تاكسى آخر أوصلنى الى مبتغاى ، وعدت سالما إلا من بعض الخدوش البسيطة وكدمات فى قدمى نتيجة لما حدث معى ، ولكنى وجدت نفسى أتسائل .. مالذى جنيته لأتعرض لمثل هذه الإعتداءات ؟؟ ، هل مجرد إختلافى مع الأفكار السائدة أمر يستوجب الإعتداء على ومحاولة قتلى ؟؟!!! .
أمر يدعو للحزن عندما أجد هؤلاء الشباب قد غسلت عقولهم بهذه الصورة ليتحولوا إلى إيذاء الغير لمجرد إختلافهم معهم فى بعض وجهات النظر !.
أمر يدعو للرثاء أن نجد إحدى جامعاتنا تتحول إلى مؤسسة لتخريج الإرهابيين بكل أنواعهم ! .
أمر يبكى ويحزن ويصيب بالإحباط أن نجد أنفسنا مهددين بالقتل .. لا لأننا نقتل .. لا لأننا نسلب أموال الآخرين .. لا لأننا نتعدى حدود حريتنا ... ولكن لأننا نفكر ! .
جامعة الأزهر لا تحرك ساكنا عندما يفجر أحد طلابها نفسه أو يندفع لقتل الأبرياء العزل ... ولكن قيامتها تقوم عندما يكون لدى أحد طلابها رأيا حرا جريئا مستقلا ! .
اليوم .. واليوم فقط ... أدركت حقيقة التواطؤ الأمنى مع التطرف الدينى فى مصر ، وعرفت جيدا كيف أن النظام يعيش على هذا الإرهاب ووجوده قائم على وجود الجماعات المتطرفة والجامعة المتطرفة أيضا ( الأزهر )... وزواله بالضرورة قرين بزوالهما .
كريم عامر