Thursday, December 22, 2005

هل من ثقافة تنقذ تلك الأمّة؟!!


بقلم د. وفاء سلطان
12/20/2005
يعتب عليّ الكثيرون من القراء والأصدقاء. لماذا؟
لأنني، وعلى حدّ تعبيرهم، لاأتفاعل مع الأحداث اليوميّة التي تقع على امتداد عالمنا العربي وأتعامل معها ببرودة دمّ وأعصاب تستدعي التساؤل. أقصد تساؤل القراء!!
يسألني قارئ عزيز عليّ: هل تتجاهلين أم تجهلين مايحدث؟!!
ويتابع آخر: هل علينا أن ننتظر أحداثا أكثر أهميّة مما يجري للأقباط في مصر أو العمليات الانتحارية شبه اليوميّة في العراق، أو ماجرى وما زال يجري على الساحة السوريّة، حتى نقرأ لك تعليقا؟!!
لماذا لاتمرّين، ولو مرور الكرام، على تلك الأحداث في محاولة لاقناع قارئك بأنك على اتصال واهتمام بالوطن الأمّ؟!!!
وتنهمر عليّ الرسائل الإلكترونيّة التي تحمل نفس السؤال دون أن تأخذهم بي رحمة!!
*************
غريب أمري، أم أمر هؤلاء؟!
مايدهشهم ويثير تساؤلهم قد يبدو بالنسبة لي، ورغم أهميّته، أمرا عاديا لايصل الحد الذي يثير قريحتي كي أكتب عنه بشكل يومي!
لقد كتبت وما زلت أكتب عن الأسباب والعوامل التي أدت، ومازالت تؤدي، إلى هذا الواقع العربي المهين. ولو يتذكّر قارئي كل ما كتبته لما سألني لماذا لاتتفاعلين مع الأحداث بشكل يومي!
أبدو أنني أختلف عن الجميع في تلك النقطة. فأنا عندما يمرّ يوم ولا أقرأ عن قتل متعمّد أو جريمة أو غزوة أو اغتصاب أو اضطهاد أو ماشابه أستغرب وأقول مالذي يجري؟ هل ملّ عالمنا العربي القتل والاضطهاد والظلم؟
ألف وأربعمائة عام ونحن نملأ برميلا بالبارود، وكلمّا امتلأ نضغطه أملاً في بقعة فراغ تسمح بدكّ المزيد من البارود!
قضيت عمري كلّه بين دفتي كتاب. كل العلوم التي نلتها أكّدت لي بأنّ الانسان ناتج تربوي وهو حصيلة مازرعه والداه ومجتمعه في حقله!
لايمكن أن يخرج قمحا إذا زرعوه شعيرا، ولا يمكن أن ينبت شوكا إذا بزروه وردا!
ولو حدث عكس ذلك لكذّبت كل كتبي ولكفرت بكلّ علومي!
في الكيمياء يقولون: عندما يتفاعل الهيدروجين مع الأوكسجين وتحت ظروف معينة سيكون الناتج ماء!
لم يصدف أن تفاعل الهيدروجين مع الاوكسجين وأعطى زيتا.
عندما يكون الماء هو الناتج لا أحد يكترث ولاأحد يعتبر الأمر حدثا غير عادي، ولو فرضنا أن عالما ما قد أنتج في مخبره زيتا من الماء والأكسجين لارتكس كل العلماء والمهتمين بعلم الكيمياء ولاعتبروا الأمر غير عادي ويستحق الكتابة عنه!
لماذا تريدون أن يفاجئني ماحدث في الاسكندرية عندما هاجم عشرة آلاف مسلم مهووس بتعاليم الرفض والقتل كنيسة مهددين بقتل روادها؟!!
هل تعتبرون قتل راهبة في كنيسة محاطة بعشرة آلاف شخص، رضع كلّ منهم القتل والارهاب مع حليب امّه، أمرا غير عادي؟
هل تعتبرون تفجير شاب لنفسه بين مجموعة من الأطفال في بغداد وقتله ثمانية وعشرين طفلا أمرا غير عادي؟
هل تعتبرون قتل الحريري أمرا غير عادي؟
هل تعتبرون موت غازي كنعان، نحرا او انتحارا، أمرا غير عادي؟
هل تعتبرون الطريقة التي تتعامل بها الحكومة السوريّة مع لجان التحقيق أمرا غير عادي؟
**************
غير العادي، حسب رأيي، أن يمارس الأقباط دينهم بحرية واحترام في مجتمع مسلم ولا يُضطَهدون أو يُقتلون!
غير العادي أن يعيش شيعي مع سني في نفس البلد أو الحيّ أو الشارع ولا ينحر بعضهما البعض الآخر!
غير العادي أن يحكم رجل مسلم لفترة زمنيّة معينة ثم يغادر كرسي الحكم بمل ارادته دون أن يُقتل!
غير العادي أن يختلف الرجال المسلمون ولا يتقاتلون فيقتلون ويقتلون!
غير العادي أن يخرج الى الحياة رجل مسالم، وهو لم يذق في حياته إلاّ حليب البغض والكراهية!
غير العادي أن يتفاعل الأوكسجين مع الهيدروجين ويكون الناتج زيتا!
غير العادي ان تزرع شعيرا وتجني قمحا!
غير العادي أن تقرأ على طفل الآية التي تقول: قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ورسوله.. فيكبر هذا الطفل ليصبح رجلا يحترم كلّ انسان سواء آمن بالله أم لم يؤمن!
*************
اسامة بن لادن حدث طبيعي. رجل مسلم مسالم وعاقل حدث غير طبيعي!
واذا اردنا ان نعكس هذا الوضع ليستعيد الانسان في اوطاننا انسانيته فيصبح من الطبيعي ان يكون مسالما وعاقلا ومن غير الطبيعي ان يتحول الى بن لادن آخر، اذا اردنا ان نحقق ذلك علينا ان نتبنى ثقافة جديدة!.
ليست لدينا ثقافة، مارضعناه ومازلنا نرضعه لأطفالنا لا يتعدى كونه مجموعة من التعاليم والعقائد التي خربت أكثر مما أصلحت.
ماذا تعني كلمة ثقافة؟
في اللغة العربية كلمة "ثقف" تعني قوّم الاعوجاج. يقال ثقف الغصن أي قوّم اعوجاجه وجعله مستقيما.
هل نحن مستقيمون؟!!
***************
عندما يصبح العادي في حياة أمّة غير عادي، عندما يصبح اسامة بن لادن حدثا طبيعيّا ووفاء سلطان حدثا غير طبيعي هل نستطيع ان نقول عن تلك الأمة بأنها أمة مستقيمة؟!!
اذا، وببساطة، عندما يعوّج كلّ شيء في حياة امّة تفقد تلك الأمّة مايمكن ان نسميّه ثقافة!!
عندما تنمو شجرة بطريقة معوجّة، نقول:
مسكينة تلك الشجرة! لقد افتقرت الى يد فلاح رحيمة لتقوم بتثقيفها وتقويمها!. وعندما تنمو امّة بكاملها بطريقة معوجّة نستطيع ان نقول:
مسكينة تلك الأمّة! لقد افتقرت الى كلّ وسيلة من وسائل تثقيف وتقويم الامم!
الانسان كالشجرة، لايمكن تقويمه الاّ عندما يكون غضّا. ومتى تجاوز سنوات غضاضته يتصلب ويفتقر الى المرونة التي نحتاج اليها لتثقيفه وتقويمه:
إنّ الغصون اذا قوّمتها اعدلت ولن تلين اذا صارت من الخشب
نفهم من ذلك بأنّ معظم مانحتاج اليه من ثقافة نتشرّبه في سنوات طفولتنا الأولى. العلوم التي نتلقاها لاحقا لا تفيدنا في شيء مالم تجد لدينا قاعدة ثقافية تستند عليها.
**************
الثقافة تساعد الانسان على استيعاب ما يتعلمه، ثمّ تطبيقه على حياته!
الانسان المعوّج، الذي افتقر الى ثقافة تقوّمه، لا يستطيع ان يستوعب ايّ علم، وبالتالي لا يستطيع أن يطبّقه!
مانفع علوم لا نقدر على استيعابها ولا على تطبيقها في حياتنا؟!
الثقافة هي الوسائل التربويّة التي تقوّم الانسان وتأهله لتطبيق مايتعلّم لاحقا!
والتربية هي الأحكام والقوانين والنظم والضوابط التي تقولب الانسان بطريقة مستقيمة، طريقة تكسبه هويّته البشرية الانسانيّة التي تميّزه عن غيره من مخلوقات الطبيعة!
انظر الى الانسان المسلم كيف يحاور.. كيف يتصرف عندما تختلف معه.. كيف يمشي.. كيف يقضب حاجبيه.. كيف يقطع الطريق.. كيف يقود السيارة في شوارع بلاده.. كيف يناطح في الأماكن المزدحمة.. كيف يرمي بالاوساخ من شرفة بيته وعلى قارعة الطريق.. كيف يغش عندما يؤتمن.. كيف يتسيّب عندما يحمل مسؤولية.. كي ينتقم عندما يبغض.. كيف يتكاثر.. كيف يعامل زوجته واهل بيته..
عندما تراقبه عن كثب تلاحظ بأنّه يعيش حياته بلا ضوابط، وبالتالي بلا ثقافة!
فالثقافة هي نظم ومثل وضوابط. بل، باختصار، هي المسطرة التي تستخدمها لرسم خط مستقيم لا عوجاج فيه!
عندما تقرأ حديث نبوي يقول: "اذا بايعتم خليفتين فاقتلوا واحدا منهم" تتساءل: عندما يكون القتل هو الضابط الوحيد ما مصير الأمّة التي تتبنى ثقافة كهذه؟!!
الطفل الذي يتشرّب ثقافة هذا الحديث كيف سيستطيع لاحقا ان يستوعب ما يتعلمه عن الضوابط والقوانين في المجتمعات الديمقراطيّة ويطبّقها على حياته ومجتمعه؟!!
قرأت مؤخرا مقابلة مع جندي امريكي في العراق، قال بالحرف الواحد: اكره حياتي هنا! شعب غريب عجيب! تطلب منه الوقوف بالدور اكثر من مائة مرّة فلا يردّ، وعندما يأتي جندي عراقي ويضربهم بالعصا يقفون جميعهم بانتظام. يبدو أنهم لا يفهمون إلاّ بهذا الاسلوب!!
لكي يفهم هذا الجندي سلوك هؤلاء البشر يجب ان يقرأ هذا الحديث النبوي!! يجب، باختصار، ان يفهم الثقافة التي انجبتهم!
***************
الأمم المتمدّنة هي أمم منضبطة، تحكمها قوانين ومبادئ ونظم، وهنا تكمن ثقافتها.
الامّة الاسلاميّة امّة تفتقر الى ثقافة، وفقرها الثقافي المدقع تسبب في انتاج انسان معوّج لم يستطع ان يستفيد من بحور العلوم التي اغرقت عالم اليوم!
مابين أيدينا لا يتعدّى كونه مجموعة اعراف وعادات وتقاليد وتعاليم شوهت ولم تقوّم، وخرّبت ولم تَبنِ!
نحتاج اليوم الى بلدوزرات لنجرف اكوام القمامة التي زخر بها تراثنا الثقافي (!!!) والتربوي!!
نحتاج الى عملية تنظيف وتطهير للعقل البشري الذي افسدته تعاليمنا!
نحتاج الى اعادة تأهيل الانسان في بلادنا تربويّا وسلوكيّا، ليكون قادرا على اخذ موقعه بين بشر اليوم!
باختصار، نحتاج الى ثقافة!!
***************
’قتل السيد جبران تويني رئيس تحرير صحيفة "النهار" اللبنانيّة بطريقة لم يقتل على غرارها انسان في بريّة من الوحوش في تاريخ البراري.
أصدر السيّد فيصل المقداد ممثّل سوريّا في الامم المتحدة عقب تلك الجريمة تصريحا وصف به السيد جبران بأنه كلب من كلاب لبنان!
هل أحد يؤمن بأنّ هناك أثرا لثقافة في البيئة التي أنجبت السيّد المقداد؟!!
هل احد يؤمن بأنّ يدا امتدت لتقوّم هذا الرجل في سنوات طفولته؟
لا استطيع ان اتصوّر ذلك! فالبيئة التي تمتلك اثرا من اثار ثقافة لا يمكن ان تنجب انسانا ينحطّ الى ذلك المستوى!!
**************
أثناء الحملة الانتخابية التي قادها بيل كلينتون ومنافسه الجمهوري بوب دول ماتت والدة السيّد كلينتون، وكان كلينتون في جنازتها عندما تهجم عليه دوول بطريقة اعتبرها المراقبون غير اخلاقيّة.
سأل احد الصحفيين السيد دول: كيف تقول عن كلينتون بأنّه كذا وكذا في الوقت الذي كان ينعي به والدته؟!!
ردّ دوول: بوب دوول لا يفعل ذلك.. بوب دوول لا يفعل ذلك.. إنّي اعتذر.. إنيّ اعتذر!!
تلك هي امريكا البلد الغضّ الذي يتّهمه العرب، مثيرين للضحك، بأنّه بلد بلا ثقافة!!
متى يعتذر الممثل السوري كي يثبت للعالم بأنّه يمثّل بلدا ذي ثقافة؟!!
**************
كنت انتظر دوري في مكتب ترجمان محلّف كي اصدّق بعض الوثائق التي احتجت اليها هنا في امريكا.
في غرفة انتظار ذلك المكتب انتصبت خزانة صغيرة تغصّ ببعض الكتب العربيّة.
مددت يدي وتناولت كتابا منها لا على التعيين، في محاولة لقتل الوقت!
عنوان الكتاب: تهذيب سيرة ابن هشام للكاتب عبد السلام هارون، وكعادتي عندما اتصفح كتابا بالصدفة، فتحت على صفحة لا على التعيين ورحت اقرأ:
عن أبي قتادة قال:
رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان، مسلما ومشركا، واذا رجل من المشركين يريد ان يعين صاحبه المشرك على المسلم، فأتيته وضربت يده فقطعتها، واعتنقني بيده الآخرى، ولولا ان الدم نزفه لقتلني، فسقط فضربته فقتلته. واجهضني عنه القتال، فمرّ به رجل من أهل مكّة فسلبه. فلما وضعت الحرب وفرغنا من القوم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه". فقلت: يارسول الله! لقد قتلت رجلا ذا سلب، فأجهضني عنه القتال فما ادري من استلبه!
فقال رجل من اهل مكّة: صدق يارسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضي عليّ بما سلبته.
فقال ابو بكر الصديق: لا والله لا يرضى عليك، أتعمد الى اسد من اسود الله يقاتل عن دين الله وتقاسمه سلبه؟!! اردد عليه سلبه!
فقال رسول الله (ص): صدق، اردد له سلبه!
فقال ابو قتادة: فأخذت منه سلبه فاشتريت به مخرفا، فإنّه لأول مال اعتقدته (أي ملكته).

*************
في امّة يكتسب فيها ابو قتادة اول مال يملكه عن طريق القتل والسلب، لايمكن ان توجد ثقافة!
في امّة تؤمن بأن قانون ابي قتادة هو قانون الهيّ، لايمكن ان تتبلور ثقافة!
في امّة تسمح بقتل انسان ببساطة لأنه لايؤمن بشريعتها، تحتاج الى ثقافة!
وايّة ثقافة؟!!
ثقافة تصنع من المخلوق البشري انسانا!
ثقافة تغسل عقل أبي قتادة وتنظّف نفسه.. ثقافة تقوّم خُلقه.. ثقافة تعلّمه كيف يبني علاقاته، كيف يقبل غيره وكيف يجمع ماله!
ان الكتب التي تروي حكايا ابي قتادة وأمثالها ليست ثقافة، بل هي معاول تهدم كلّ محاولة لتثقيفه!
هذه الكتب هي التي انجبت السيّد المقداد فجرّدته من كل اعتبار!
هذه الكتب هي التي انجبت هؤلاء العشرة آلاف متعطّش للدماء الذين أحاطوا كنيسة محرّم بك في الاسكندرية وهددوا بقتل روّادها!!
هذه الكتب هي التي اغتالت الحريري!
هذه الكتب هي التي ان أنجبت غازي كنعان وهي التي نحرته!
هذه الكتب هي التي سمحت للسلطات السوريّة بان تماطل وتتلاعب وتتهرب من مواجهة مسؤولياتها أمام المجتمع الدولي!
هذه الكتب هي وصلت بنا الى تلك الحالة المعوجّة والميؤوس من تقويمها!
هذه الكتب لم تقوّم بل عوّجت!
هذه الكتب ليست ثقافة، بل زبالة تعفّنت وعفنّت معها امّة بكاملها.
نحتاج الى حرقها.. الى طمرها في سراديب لا قرار لها!
واذا كنّا بحاجة للعالم المتمدّن فلسنا بحاجة في تلك المرحلة الاّ الى بلدوزراته، كي تجرف اكوام زبالتنا وتساعدنا على حفر سراديب كي نطمرها.
***************
براميلنا امتلأت وحريّ بنا أن ننظفها قبل أن نضع فيها شيئا جديدا ومفيدا!
عمليّة تفريغها أصعب بكثير من اعادة ملئها!
اعطني طفلا صغيرا استطيع ان اصنع منه رجلا مستقيما!
لكنّني، وعلى الأغلب، لا استطيع ان اعيد صياغة رجل مشوّه لأجعل منه مخلوقا نظيفا قابلا لأن يتعلم ويتثقّف.
لقد استطعت ان اصنع من اولادي بشرا يحترمون غيرهم ويقبلون من يختلف معهم، لأنهم لم يتربّوا داخل تلك البراميل. لكنني ابدو عاجزة عن اقناع رجل كالسيّد المقداد، الذي وللاسف يمثّلني كسوريّة في الامم المتحدة، لا استطيع ان اقنعه بان كلمة كلب لا تقال بحق انسان حتّى ولو كان عدوّه وخصوصا عندما يكون في رحاب الله!
****************
أنا لست مشغولة عن قضاياكم، لكننّي في حالة بحث دائم عن بلدوزر!!
هذا البلد الذي اعيش فيه غنيّ ببلدوزراته، كما هو غنيّ بثقافته، فلا تقلقوا عليّ وانتظروا منيّ المزيد!
*******************

هل من ثقافة تنقذ تلك الأمّة؟!!


بقلم د. وفاء سلطان
12/20/2005
يعتب عليّ الكثيرون من القراء والأصدقاء. لماذا؟
لأنني، وعلى حدّ تعبيرهم، لاأتفاعل مع الأحداث اليوميّة التي تقع على امتداد عالمنا العربي وأتعامل معها ببرودة دمّ وأعصاب تستدعي التساؤل. أقصد تساؤل القراء!!
يسألني قارئ عزيز عليّ: هل تتجاهلين أم تجهلين مايحدث؟!!
ويتابع آخر: هل علينا أن ننتظر أحداثا أكثر أهميّة مما يجري للأقباط في مصر أو العمليات الانتحارية شبه اليوميّة في العراق، أو ماجرى وما زال يجري على الساحة السوريّة، حتى نقرأ لك تعليقا؟!!
لماذا لاتمرّين، ولو مرور الكرام، على تلك الأحداث في محاولة لاقناع قارئك بأنك على اتصال واهتمام بالوطن الأمّ؟!!!
وتنهمر عليّ الرسائل الإلكترونيّة التي تحمل نفس السؤال دون أن تأخذهم بي رحمة!!
*************
غريب أمري، أم أمر هؤلاء؟!
مايدهشهم ويثير تساؤلهم قد يبدو بالنسبة لي، ورغم أهميّته، أمرا عاديا لايصل الحد الذي يثير قريحتي كي أكتب عنه بشكل يومي!
لقد كتبت وما زلت أكتب عن الأسباب والعوامل التي أدت، ومازالت تؤدي، إلى هذا الواقع العربي المهين. ولو يتذكّر قارئي كل ما كتبته لما سألني لماذا لاتتفاعلين مع الأحداث بشكل يومي!
أبدو أنني أختلف عن الجميع في تلك النقطة. فأنا عندما يمرّ يوم ولا أقرأ عن قتل متعمّد أو جريمة أو غزوة أو اغتصاب أو اضطهاد أو ماشابه أستغرب وأقول مالذي يجري؟ هل ملّ عالمنا العربي القتل والاضطهاد والظلم؟
ألف وأربعمائة عام ونحن نملأ برميلا بالبارود، وكلمّا امتلأ نضغطه أملاً في بقعة فراغ تسمح بدكّ المزيد من البارود!
قضيت عمري كلّه بين دفتي كتاب. كل العلوم التي نلتها أكّدت لي بأنّ الانسان ناتج تربوي وهو حصيلة مازرعه والداه ومجتمعه في حقله!
لايمكن أن يخرج قمحا إذا زرعوه شعيرا، ولا يمكن أن ينبت شوكا إذا بزروه وردا!
ولو حدث عكس ذلك لكذّبت كل كتبي ولكفرت بكلّ علومي!
في الكيمياء يقولون: عندما يتفاعل الهيدروجين مع الأوكسجين وتحت ظروف معينة سيكون الناتج ماء!
لم يصدف أن تفاعل الهيدروجين مع الاوكسجين وأعطى زيتا.
عندما يكون الماء هو الناتج لا أحد يكترث ولاأحد يعتبر الأمر حدثا غير عادي، ولو فرضنا أن عالما ما قد أنتج في مخبره زيتا من الماء والأكسجين لارتكس كل العلماء والمهتمين بعلم الكيمياء ولاعتبروا الأمر غير عادي ويستحق الكتابة عنه!
لماذا تريدون أن يفاجئني ماحدث في الاسكندرية عندما هاجم عشرة آلاف مسلم مهووس بتعاليم الرفض والقتل كنيسة مهددين بقتل روادها؟!!
هل تعتبرون قتل راهبة في كنيسة محاطة بعشرة آلاف شخص، رضع كلّ منهم القتل والارهاب مع حليب امّه، أمرا غير عادي؟
هل تعتبرون تفجير شاب لنفسه بين مجموعة من الأطفال في بغداد وقتله ثمانية وعشرين طفلا أمرا غير عادي؟
هل تعتبرون قتل الحريري أمرا غير عادي؟
هل تعتبرون موت غازي كنعان، نحرا او انتحارا، أمرا غير عادي؟
هل تعتبرون الطريقة التي تتعامل بها الحكومة السوريّة مع لجان التحقيق أمرا غير عادي؟
**************
غير العادي، حسب رأيي، أن يمارس الأقباط دينهم بحرية واحترام في مجتمع مسلم ولا يُضطَهدون أو يُقتلون!
غير العادي أن يعيش شيعي مع سني في نفس البلد أو الحيّ أو الشارع ولا ينحر بعضهما البعض الآخر!
غير العادي أن يحكم رجل مسلم لفترة زمنيّة معينة ثم يغادر كرسي الحكم بمل ارادته دون أن يُقتل!
غير العادي أن يختلف الرجال المسلمون ولا يتقاتلون فيقتلون ويقتلون!
غير العادي أن يخرج الى الحياة رجل مسالم، وهو لم يذق في حياته إلاّ حليب البغض والكراهية!
غير العادي أن يتفاعل الأوكسجين مع الهيدروجين ويكون الناتج زيتا!
غير العادي ان تزرع شعيرا وتجني قمحا!
غير العادي أن تقرأ على طفل الآية التي تقول: قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ورسوله.. فيكبر هذا الطفل ليصبح رجلا يحترم كلّ انسان سواء آمن بالله أم لم يؤمن!
*************
اسامة بن لادن حدث طبيعي. رجل مسلم مسالم وعاقل حدث غير طبيعي!
واذا اردنا ان نعكس هذا الوضع ليستعيد الانسان في اوطاننا انسانيته فيصبح من الطبيعي ان يكون مسالما وعاقلا ومن غير الطبيعي ان يتحول الى بن لادن آخر، اذا اردنا ان نحقق ذلك علينا ان نتبنى ثقافة جديدة!.
ليست لدينا ثقافة، مارضعناه ومازلنا نرضعه لأطفالنا لا يتعدى كونه مجموعة من التعاليم والعقائد التي خربت أكثر مما أصلحت.
ماذا تعني كلمة ثقافة؟
في اللغة العربية كلمة "ثقف" تعني قوّم الاعوجاج. يقال ثقف الغصن أي قوّم اعوجاجه وجعله مستقيما.
هل نحن مستقيمون؟!!
***************
عندما يصبح العادي في حياة أمّة غير عادي، عندما يصبح اسامة بن لادن حدثا طبيعيّا ووفاء سلطان حدثا غير طبيعي هل نستطيع ان نقول عن تلك الأمة بأنها أمة مستقيمة؟!!
اذا، وببساطة، عندما يعوّج كلّ شيء في حياة امّة تفقد تلك الأمّة مايمكن ان نسميّه ثقافة!!
عندما تنمو شجرة بطريقة معوجّة، نقول:
مسكينة تلك الشجرة! لقد افتقرت الى يد فلاح رحيمة لتقوم بتثقيفها وتقويمها!. وعندما تنمو امّة بكاملها بطريقة معوجّة نستطيع ان نقول:
مسكينة تلك الأمّة! لقد افتقرت الى كلّ وسيلة من وسائل تثقيف وتقويم الامم!
الانسان كالشجرة، لايمكن تقويمه الاّ عندما يكون غضّا. ومتى تجاوز سنوات غضاضته يتصلب ويفتقر الى المرونة التي نحتاج اليها لتثقيفه وتقويمه:
إنّ الغصون اذا قوّمتها اعدلت ولن تلين اذا صارت من الخشب
نفهم من ذلك بأنّ معظم مانحتاج اليه من ثقافة نتشرّبه في سنوات طفولتنا الأولى. العلوم التي نتلقاها لاحقا لا تفيدنا في شيء مالم تجد لدينا قاعدة ثقافية تستند عليها.
**************
الثقافة تساعد الانسان على استيعاب ما يتعلمه، ثمّ تطبيقه على حياته!
الانسان المعوّج، الذي افتقر الى ثقافة تقوّمه، لا يستطيع ان يستوعب ايّ علم، وبالتالي لا يستطيع أن يطبّقه!
مانفع علوم لا نقدر على استيعابها ولا على تطبيقها في حياتنا؟!
الثقافة هي الوسائل التربويّة التي تقوّم الانسان وتأهله لتطبيق مايتعلّم لاحقا!
والتربية هي الأحكام والقوانين والنظم والضوابط التي تقولب الانسان بطريقة مستقيمة، طريقة تكسبه هويّته البشرية الانسانيّة التي تميّزه عن غيره من مخلوقات الطبيعة!
انظر الى الانسان المسلم كيف يحاور.. كيف يتصرف عندما تختلف معه.. كيف يمشي.. كيف يقضب حاجبيه.. كيف يقطع الطريق.. كيف يقود السيارة في شوارع بلاده.. كيف يناطح في الأماكن المزدحمة.. كيف يرمي بالاوساخ من شرفة بيته وعلى قارعة الطريق.. كيف يغش عندما يؤتمن.. كيف يتسيّب عندما يحمل مسؤولية.. كي ينتقم عندما يبغض.. كيف يتكاثر.. كيف يعامل زوجته واهل بيته..
عندما تراقبه عن كثب تلاحظ بأنّه يعيش حياته بلا ضوابط، وبالتالي بلا ثقافة!
فالثقافة هي نظم ومثل وضوابط. بل، باختصار، هي المسطرة التي تستخدمها لرسم خط مستقيم لا عوجاج فيه!
عندما تقرأ حديث نبوي يقول: "اذا بايعتم خليفتين فاقتلوا واحدا منهم" تتساءل: عندما يكون القتل هو الضابط الوحيد ما مصير الأمّة التي تتبنى ثقافة كهذه؟!!
الطفل الذي يتشرّب ثقافة هذا الحديث كيف سيستطيع لاحقا ان يستوعب ما يتعلمه عن الضوابط والقوانين في المجتمعات الديمقراطيّة ويطبّقها على حياته ومجتمعه؟!!
قرأت مؤخرا مقابلة مع جندي امريكي في العراق، قال بالحرف الواحد: اكره حياتي هنا! شعب غريب عجيب! تطلب منه الوقوف بالدور اكثر من مائة مرّة فلا يردّ، وعندما يأتي جندي عراقي ويضربهم بالعصا يقفون جميعهم بانتظام. يبدو أنهم لا يفهمون إلاّ بهذا الاسلوب!!
لكي يفهم هذا الجندي سلوك هؤلاء البشر يجب ان يقرأ هذا الحديث النبوي!! يجب، باختصار، ان يفهم الثقافة التي انجبتهم!
***************
الأمم المتمدّنة هي أمم منضبطة، تحكمها قوانين ومبادئ ونظم، وهنا تكمن ثقافتها.
الامّة الاسلاميّة امّة تفتقر الى ثقافة، وفقرها الثقافي المدقع تسبب في انتاج انسان معوّج لم يستطع ان يستفيد من بحور العلوم التي اغرقت عالم اليوم!
مابين أيدينا لا يتعدّى كونه مجموعة اعراف وعادات وتقاليد وتعاليم شوهت ولم تقوّم، وخرّبت ولم تَبنِ!
نحتاج اليوم الى بلدوزرات لنجرف اكوام القمامة التي زخر بها تراثنا الثقافي (!!!) والتربوي!!
نحتاج الى عملية تنظيف وتطهير للعقل البشري الذي افسدته تعاليمنا!
نحتاج الى اعادة تأهيل الانسان في بلادنا تربويّا وسلوكيّا، ليكون قادرا على اخذ موقعه بين بشر اليوم!
باختصار، نحتاج الى ثقافة!!
***************
’قتل السيد جبران تويني رئيس تحرير صحيفة "النهار" اللبنانيّة بطريقة لم يقتل على غرارها انسان في بريّة من الوحوش في تاريخ البراري.
أصدر السيّد فيصل المقداد ممثّل سوريّا في الامم المتحدة عقب تلك الجريمة تصريحا وصف به السيد جبران بأنه كلب من كلاب لبنان!
هل أحد يؤمن بأنّ هناك أثرا لثقافة في البيئة التي أنجبت السيّد المقداد؟!!
هل احد يؤمن بأنّ يدا امتدت لتقوّم هذا الرجل في سنوات طفولته؟
لا استطيع ان اتصوّر ذلك! فالبيئة التي تمتلك اثرا من اثار ثقافة لا يمكن ان تنجب انسانا ينحطّ الى ذلك المستوى!!
**************
أثناء الحملة الانتخابية التي قادها بيل كلينتون ومنافسه الجمهوري بوب دول ماتت والدة السيّد كلينتون، وكان كلينتون في جنازتها عندما تهجم عليه دوول بطريقة اعتبرها المراقبون غير اخلاقيّة.
سأل احد الصحفيين السيد دول: كيف تقول عن كلينتون بأنّه كذا وكذا في الوقت الذي كان ينعي به والدته؟!!
ردّ دوول: بوب دوول لا يفعل ذلك.. بوب دوول لا يفعل ذلك.. إنّي اعتذر.. إنيّ اعتذر!!
تلك هي امريكا البلد الغضّ الذي يتّهمه العرب، مثيرين للضحك، بأنّه بلد بلا ثقافة!!
متى يعتذر الممثل السوري كي يثبت للعالم بأنّه يمثّل بلدا ذي ثقافة؟!!
**************
كنت انتظر دوري في مكتب ترجمان محلّف كي اصدّق بعض الوثائق التي احتجت اليها هنا في امريكا.
في غرفة انتظار ذلك المكتب انتصبت خزانة صغيرة تغصّ ببعض الكتب العربيّة.
مددت يدي وتناولت كتابا منها لا على التعيين، في محاولة لقتل الوقت!
عنوان الكتاب: تهذيب سيرة ابن هشام للكاتب عبد السلام هارون، وكعادتي عندما اتصفح كتابا بالصدفة، فتحت على صفحة لا على التعيين ورحت اقرأ:
عن أبي قتادة قال:
رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان، مسلما ومشركا، واذا رجل من المشركين يريد ان يعين صاحبه المشرك على المسلم، فأتيته وضربت يده فقطعتها، واعتنقني بيده الآخرى، ولولا ان الدم نزفه لقتلني، فسقط فضربته فقتلته. واجهضني عنه القتال، فمرّ به رجل من أهل مكّة فسلبه. فلما وضعت الحرب وفرغنا من القوم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه". فقلت: يارسول الله! لقد قتلت رجلا ذا سلب، فأجهضني عنه القتال فما ادري من استلبه!
فقال رجل من اهل مكّة: صدق يارسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضي عليّ بما سلبته.
فقال ابو بكر الصديق: لا والله لا يرضى عليك، أتعمد الى اسد من اسود الله يقاتل عن دين الله وتقاسمه سلبه؟!! اردد عليه سلبه!
فقال رسول الله (ص): صدق، اردد له سلبه!
فقال ابو قتادة: فأخذت منه سلبه فاشتريت به مخرفا، فإنّه لأول مال اعتقدته (أي ملكته).

*************
في امّة يكتسب فيها ابو قتادة اول مال يملكه عن طريق القتل والسلب، لايمكن ان توجد ثقافة!
في امّة تؤمن بأن قانون ابي قتادة هو قانون الهيّ، لايمكن ان تتبلور ثقافة!
في امّة تسمح بقتل انسان ببساطة لأنه لايؤمن بشريعتها، تحتاج الى ثقافة!
وايّة ثقافة؟!!
ثقافة تصنع من المخلوق البشري انسانا!
ثقافة تغسل عقل أبي قتادة وتنظّف نفسه.. ثقافة تقوّم خُلقه.. ثقافة تعلّمه كيف يبني علاقاته، كيف يقبل غيره وكيف يجمع ماله!
ان الكتب التي تروي حكايا ابي قتادة وأمثالها ليست ثقافة، بل هي معاول تهدم كلّ محاولة لتثقيفه!
هذه الكتب هي التي انجبت السيّد المقداد فجرّدته من كل اعتبار!
هذه الكتب هي التي انجبت هؤلاء العشرة آلاف متعطّش للدماء الذين أحاطوا كنيسة محرّم بك في الاسكندرية وهددوا بقتل روّادها!!
هذه الكتب هي التي اغتالت الحريري!
هذه الكتب هي التي ان أنجبت غازي كنعان وهي التي نحرته!
هذه الكتب هي التي سمحت للسلطات السوريّة بان تماطل وتتلاعب وتتهرب من مواجهة مسؤولياتها أمام المجتمع الدولي!
هذه الكتب هي وصلت بنا الى تلك الحالة المعوجّة والميؤوس من تقويمها!
هذه الكتب لم تقوّم بل عوّجت!
هذه الكتب ليست ثقافة، بل زبالة تعفّنت وعفنّت معها امّة بكاملها.
نحتاج الى حرقها.. الى طمرها في سراديب لا قرار لها!
واذا كنّا بحاجة للعالم المتمدّن فلسنا بحاجة في تلك المرحلة الاّ الى بلدوزراته، كي تجرف اكوام زبالتنا وتساعدنا على حفر سراديب كي نطمرها.
***************
براميلنا امتلأت وحريّ بنا أن ننظفها قبل أن نضع فيها شيئا جديدا ومفيدا!
عمليّة تفريغها أصعب بكثير من اعادة ملئها!
اعطني طفلا صغيرا استطيع ان اصنع منه رجلا مستقيما!
لكنّني، وعلى الأغلب، لا استطيع ان اعيد صياغة رجل مشوّه لأجعل منه مخلوقا نظيفا قابلا لأن يتعلم ويتثقّف.
لقد استطعت ان اصنع من اولادي بشرا يحترمون غيرهم ويقبلون من يختلف معهم، لأنهم لم يتربّوا داخل تلك البراميل. لكنني ابدو عاجزة عن اقناع رجل كالسيّد المقداد، الذي وللاسف يمثّلني كسوريّة في الامم المتحدة، لا استطيع ان اقنعه بان كلمة كلب لا تقال بحق انسان حتّى ولو كان عدوّه وخصوصا عندما يكون في رحاب الله!
****************
أنا لست مشغولة عن قضاياكم، لكننّي في حالة بحث دائم عن بلدوزر!!
هذا البلد الذي اعيش فيه غنيّ ببلدوزراته، كما هو غنيّ بثقافته، فلا تقلقوا عليّ وانتظروا منيّ المزيد!
*******************

Monday, December 12, 2005

من الذى لوث سمعة مصر.. - د.خالد منتصر

بقلم : د.خالد منتصر
... حنان ترك أم من سمح بالختان وشجعه؟!!

فى نفس الوقت الذى كانت تبكى فيه حنان ترك من قسوة الشتائم والسباب العلنى لبعض المثقفين والصحفيين والمتعلمين فى ندوة فيلمها "دنيا " والذين إتهموها بتلويث سمعة مصر لأنها مثلت دوراً فى فيلم يهاجم الختان، كان البسطاء والفلاحون من أهل قرية أبو قرقاص البلد يحتفلون بمشروع مناهضة ختان الإناث وقرب إعلان قريتهم قرية خالية من الختان مثل سابقتها قرية بنبان بأسوان !، والمدهش أن جمهور الندوة لم يتحدث عن المستوى الفنى للفيلم الذى من الممكن أن نختلف عليه، ولكنهم للأسف ركزوا هجومهم على قضية الختان رافضين عرضه سينمائياً ومناقشته فنياً، وبالطبع إختبأ الجميع خلف سور "سمعة مصر " وكيف نلوثها ؟..وكيف ننشر غسيلنا القذر ؟؟؟...إلى آخر هذا الهراء الذى يتعامل مع الفيلم السينمائى كنشرة محافظة أو مجلة حائط مدرسية أو نشيد طابور الصباح، فهم يشاهدون الفيلم بعقلية الموظف الميرى و مخبر المباحث، ويريدون من الإبداع السينمائى أن يتحول إلى كارت بوستال مما تروجه وزارة السياحة للخواجات الأجانب وتوزعه هيئة الإستعلامات على السفارات المصرية فى الخارج، ولايريدون أن يفهموا أن السينما من المفروض أن تترجم الواقع وتفضحه وتعريه رغبة فى التغيير وتوقاً لمستقبل أفضل ونشوداً لمجتمع أرحب صدراً وأقوى فكراً، ولابد أن يتفهم الجمهور أن عصر غسيل الجاموسة قبل التصوير والذى كان يفعله المخرج محمد كريم قد إنتهى، وأن الواقعية التى بدأت بكمال سليم مروراً بصلاح أبو سيف وإنتهاء بمحمد خان وخيرى بشاره وداوود عبد السيد وغيرهم من مخرجى الواقعية الجديدة، هذه الثورة أعطت للسينما دوراً جديداً ومنحتها نفحة نقدية متمردة تصور الواقع "بعبله " ولاتزيفه، سينما تصدم ولاتخدر، توقظ ولاتزغزغ، دورها أن تقلقنا لا أن تهدهدنا وتمرجحنا، أما بالنسبة لسمعة مصر فالذى يلوثها هم من سمحوا بالختان ودافعوا عنه وشجعوه، لوثها ومرمغها فى التراب من يقبل بدم بارد أن تجر طفلة قسراً وإجباراً، ويفتح فخذاها عنوة لكى تجز السكينة لحمها، وعندما تنطلق نافورة الدماء تنطلق الزغاريد معها ويكبس الجرح الطرى بالبن، هذا المشهد الإجتماعى يقبلونه برحابة صدر أما المشهد السينمائى ف "ياى" و" أياه " و"عيب " و "سوفاج " وتلويث لسمعة مصر، وأتساءل من الذى لوث سمعة مصر ؟، هل هى حنان ترك التى تشجعت وأدت الدور المنوط بها كممثلة ترغب فى تنوير الناس وتغييرهم إلى الأفضل، أم الدعاة الذين أيدوا ختان الإناث على الفضائيات وفى الكتب بدعوى الفضيلة والطهارة ؟؟؟، والخطير أن تأييد الختان تستر برداء دينى والدين منه براء، فلايمكن للدين الإسلامى أو المسيحى أن يسمح بإنتهاك إنسانية بنى آدم لمجرد أنه خلق أنثى، الذى لوث سمعة مصر هم بعض المسئولين الذين يغضون الطرف ويطنشون عن تلك الممارسات البشعة الدراكولية التى تتم فى طول مصر وعرضها والتى تجعلها مثار إنتقاد عال!، الذى لوث سمعة مصر هم بعض المسئولين الذين يغضون الطرف ويطنشون عن تلك الممارسات البشعة الدراكولية التى تتم فى طول مصر وعرضها والتى تجعلها مثار إنتقاد عالمى لأنها مازالت من البلاد القليلة التى تمارس تلك الجريمة وتسمح بتلك المذبحة اليومية، الذى لوث سمعة مصر هم بعض الأطباء من ضعاف النفوس الذين باعوا ضميرهم لقاء ورقة بعشرين جنيه ثمن هذه الجزارة البشرية، والذين برروها بتبريرات واهية مضحكة مثل أنها عملية تجميل أو إزالة الزائد أو لتخفيف التهيج الأنثوى ...إلى آخر هذه المبررات الكوميدية التى تفضح عقليتهم المتخلفة، وتكشف تحالفهم مع طيور الظلام، هذا الهجوم الكاسح من جمهور الندوة كشف عن نظرة دونية للمرأة، وفضح إحتقار بعض من يدعون الثقافة والتنوير والفكر للمرأة، إن كلاً منهم هو سى السيد وإن إدعى أنه قاسم أمين !، والمدهش أن أهل قرقاص البلد الذين على فطرتهم يهاجمون ظاهرة الختان ويحاربونها ويشتركون مع مجلس الطفولة والأمومة الذى يحارب فى ظروف صعبة وقاسية، يشاركونهم هذه الحرب على أكثر العادات تخلفاً وقسوة فى تاريخ مصر، إن الحفاظ على سمعة مصر لن يحدث إلا بالحفاظ على بنات مصر من هذه السلخانة البشرية اليومية، ولن يحدث إلا بالحفاظ على عقولكم أنتم وإنقاذها من الحشو بالإجابات الجاهزة المفخخة التى علاها الصدأ، وشكراً لكتيبة فيلم دنيا.

khmontasser2001@yahoo.com
نقلا عن إيلاف

من الذى لوث سمعة مصر.. - د.خالد منتصر

بقلم : د.خالد منتصر
... حنان ترك أم من سمح بالختان وشجعه؟!!

فى نفس الوقت الذى كانت تبكى فيه حنان ترك من قسوة الشتائم والسباب العلنى لبعض المثقفين والصحفيين والمتعلمين فى ندوة فيلمها "دنيا " والذين إتهموها بتلويث سمعة مصر لأنها مثلت دوراً فى فيلم يهاجم الختان، كان البسطاء والفلاحون من أهل قرية أبو قرقاص البلد يحتفلون بمشروع مناهضة ختان الإناث وقرب إعلان قريتهم قرية خالية من الختان مثل سابقتها قرية بنبان بأسوان !، والمدهش أن جمهور الندوة لم يتحدث عن المستوى الفنى للفيلم الذى من الممكن أن نختلف عليه، ولكنهم للأسف ركزوا هجومهم على قضية الختان رافضين عرضه سينمائياً ومناقشته فنياً، وبالطبع إختبأ الجميع خلف سور "سمعة مصر " وكيف نلوثها ؟..وكيف ننشر غسيلنا القذر ؟؟؟...إلى آخر هذا الهراء الذى يتعامل مع الفيلم السينمائى كنشرة محافظة أو مجلة حائط مدرسية أو نشيد طابور الصباح، فهم يشاهدون الفيلم بعقلية الموظف الميرى و مخبر المباحث، ويريدون من الإبداع السينمائى أن يتحول إلى كارت بوستال مما تروجه وزارة السياحة للخواجات الأجانب وتوزعه هيئة الإستعلامات على السفارات المصرية فى الخارج، ولايريدون أن يفهموا أن السينما من المفروض أن تترجم الواقع وتفضحه وتعريه رغبة فى التغيير وتوقاً لمستقبل أفضل ونشوداً لمجتمع أرحب صدراً وأقوى فكراً، ولابد أن يتفهم الجمهور أن عصر غسيل الجاموسة قبل التصوير والذى كان يفعله المخرج محمد كريم قد إنتهى، وأن الواقعية التى بدأت بكمال سليم مروراً بصلاح أبو سيف وإنتهاء بمحمد خان وخيرى بشاره وداوود عبد السيد وغيرهم من مخرجى الواقعية الجديدة، هذه الثورة أعطت للسينما دوراً جديداً ومنحتها نفحة نقدية متمردة تصور الواقع "بعبله " ولاتزيفه، سينما تصدم ولاتخدر، توقظ ولاتزغزغ، دورها أن تقلقنا لا أن تهدهدنا وتمرجحنا، أما بالنسبة لسمعة مصر فالذى يلوثها هم من سمحوا بالختان ودافعوا عنه وشجعوه، لوثها ومرمغها فى التراب من يقبل بدم بارد أن تجر طفلة قسراً وإجباراً، ويفتح فخذاها عنوة لكى تجز السكينة لحمها، وعندما تنطلق نافورة الدماء تنطلق الزغاريد معها ويكبس الجرح الطرى بالبن، هذا المشهد الإجتماعى يقبلونه برحابة صدر أما المشهد السينمائى ف "ياى" و" أياه " و"عيب " و "سوفاج " وتلويث لسمعة مصر، وأتساءل من الذى لوث سمعة مصر ؟، هل هى حنان ترك التى تشجعت وأدت الدور المنوط بها كممثلة ترغب فى تنوير الناس وتغييرهم إلى الأفضل، أم الدعاة الذين أيدوا ختان الإناث على الفضائيات وفى الكتب بدعوى الفضيلة والطهارة ؟؟؟، والخطير أن تأييد الختان تستر برداء دينى والدين منه براء، فلايمكن للدين الإسلامى أو المسيحى أن يسمح بإنتهاك إنسانية بنى آدم لمجرد أنه خلق أنثى، الذى لوث سمعة مصر هم بعض المسئولين الذين يغضون الطرف ويطنشون عن تلك الممارسات البشعة الدراكولية التى تتم فى طول مصر وعرضها والتى تجعلها مثار إنتقاد عال!، الذى لوث سمعة مصر هم بعض المسئولين الذين يغضون الطرف ويطنشون عن تلك الممارسات البشعة الدراكولية التى تتم فى طول مصر وعرضها والتى تجعلها مثار إنتقاد عالمى لأنها مازالت من البلاد القليلة التى تمارس تلك الجريمة وتسمح بتلك المذبحة اليومية، الذى لوث سمعة مصر هم بعض الأطباء من ضعاف النفوس الذين باعوا ضميرهم لقاء ورقة بعشرين جنيه ثمن هذه الجزارة البشرية، والذين برروها بتبريرات واهية مضحكة مثل أنها عملية تجميل أو إزالة الزائد أو لتخفيف التهيج الأنثوى ...إلى آخر هذه المبررات الكوميدية التى تفضح عقليتهم المتخلفة، وتكشف تحالفهم مع طيور الظلام، هذا الهجوم الكاسح من جمهور الندوة كشف عن نظرة دونية للمرأة، وفضح إحتقار بعض من يدعون الثقافة والتنوير والفكر للمرأة، إن كلاً منهم هو سى السيد وإن إدعى أنه قاسم أمين !، والمدهش أن أهل قرقاص البلد الذين على فطرتهم يهاجمون ظاهرة الختان ويحاربونها ويشتركون مع مجلس الطفولة والأمومة الذى يحارب فى ظروف صعبة وقاسية، يشاركونهم هذه الحرب على أكثر العادات تخلفاً وقسوة فى تاريخ مصر، إن الحفاظ على سمعة مصر لن يحدث إلا بالحفاظ على بنات مصر من هذه السلخانة البشرية اليومية، ولن يحدث إلا بالحفاظ على عقولكم أنتم وإنقاذها من الحشو بالإجابات الجاهزة المفخخة التى علاها الصدأ، وشكراً لكتيبة فيلم دنيا.

khmontasser2001@yahoo.com
نقلا عن إيلاف

Wednesday, December 7, 2005

المرأة السورية وظاهرة الإبداع

بقلم : سرجون

لا شك بان الذكاء وقوة الشخصية هما سمتان تتصف بهما المرأة السورية أينما وجدت، كما أن حصولها على استقلاليتها وحريتها يضفي عليها حضورا اجتماعيا ورونقا أخاذا يجعلها محط تقدير واحترام من قبل الذين يعرفون المرأة جيدا.

لكن في المجتمعات الإسلامية التي تسيطر فيها المفاهيم الدينية الهشة على عقول رجالها والكثير من نسائها "المغلوب على أمرهن" فإنها تضعها في مصاف آلة للتفريخ وخادمة تشبع رغبات (أشباه الرجال) إذ انه من الصعب وصفهم بالرجال، لأنه في نظري كل من يحترم المرأة ويقدرها فهو رجل .

إن ما دفعني لكتابة هذا المقال هي تلك الظاهرة الفريدة في المجتمع السوري والتي أطلق عليها ظاهرة الجرأة أو (ظاهرة وفاء سلطان) التي لم تأت بجديد لكنها برزت بجرأتها في طرح المواضيع التي تثير فضول كل رجل وامرأة.. فهي مثال للمرأة السورية المستقلة والذكية والمبدعة وكل هذه الصفات غير كافية ما لم تقترن بعامل الجرأة في مواجهة الموروثات البالية والجهل العنيف (مرض اغلب المجتمعات الإسلامية)، الذي لا يسيطر فقط على عقول أشباه الرجال، بل على المرأة نفسها في مجتمع تتحول أفكاره يوما بعد يوم إلى اعتبار المرأة بحد ذاتها عورة. لذلك عمد هؤلاء الجهلة إلى تغليفها وتعليبها وطلبوا منها أن تخفض صوتها لأنها آخر من يجب أن تتحدث، وآخر من يجب أن ترفع رأسها وآخر المخلوقات البشرية.

في هذه المجتمعات التي تسيطر فيها التربية الإسلامية التي تلغي الآخر (وهذه حقيقة) صار لزاما علينا جميعا أن نثور على أنفسنا في البداية لتحريرها من التقاليد والعادات والموروثات البالية، ومن ثم ننطلق لتوعية هذا النشء قبل أن تتخمر في عقول أبنائه فكرة أن المرأة عورة وعليها أن تبقى معلبة، وننزع عنها هذا الغلاف عندما تثير شهواتنا الجنسية ونستعملها كآلة للتفريخ مثلها مثل أي كائن لا قيمة له.

يخطئ من يقول بان المرأة نصف المجتمع، أقول لهؤلاء أن المرأة والرجل مكملان لبعضهما البعض وكم من امرأة تفوقت على الرجل، فهي القوية والقادرة على تحمل متاعب الحياة أكثر من الرجل، ولو عدنا إلى أوائل التاريخ فإننا نجد بأنها كانت مسؤولة عن كل شيء والرجل كان يقضي جل وقته في الصيد لا أكثر.

ها نحن في القرن الواحد والعشرين وما زالت مجتمعاتنا تحتقر المرأة وتهينها وتعتبرها وضيعة (ناقصة عقل ودين) وتجعلها بالنسبة للرجل شرفه وعرضه. وهنا لا بد من أتوجه بسؤالي إلى أولئك الذين يهبطون بشرفهم إلى أدنى مكانة له إلى جزء لا يتجاوز غشاء البكارة والذي كم قام هؤلاء بالدفاع عنه حتى وصل بهم الأمر إلى قتل النفس البشرية حفاظا على غشاء لا قيمة له، وهذه حقيقة علمية يعرفها الطبيب والمتعلم الواعي، وان تحصر الشرف في الأعضاء الجنسية للمرأة وأنت تمارس كل يوم العهر وتبقى ذلك الرجل الشريف طالما زوجتك وأختك وأمك وابنتك تحافظن على أعضائهن التناسلية ولا تمارسهن إلا بموجب القانون الذي رسمته في ذهنك وادعيته شرفا لك! تبا لأشباه الرجال أمثال هؤلاء وما أكثرهم في مجتمعنا، فمتى كانت الأعضاء التناسلية عنوانا للعفة والطهر؟ أليس العقل هو عنوان الإنسان وشرفه وكرمه وأخلاقه!

اذكر حادثة وقعت أمامي بحكمي مترجم، عندما حضر إلى مكتبي احد السوريين الإسلاميين وهو طبيب نسائي في السادسة والثلاثين من عمره تخرج من الجامعة، لا يعرف شكل غشاء البكارة ولا يعرف أين يقع رحم المرأة، ليقدم لي وثيقة كي أترجمها مكتوب عليها "عقد النكاح". فقد تزوج صاحبنا من طفلة لم تكمل بعد ستة عشر ربيعا، وذلك من اجل أن يقدمها للسلطات ليستكمل إجراءات منحها الفيزا لتنضم إلى عش الزوجية، عندها سألته هناك خطأ في تاريخ ميلادها يا صاحبي فقال لي لا انه صحيح، فقلت له أنها ما تزال طفلة فقال أن السفارة بدمشق رفضت منحها الفيزا لأنها لم تكمل بعد الستة عشر ربيعا وعلي أن انتظر ثلاثة أشهر لأحضرها إلى هنا.. وأضاف هذا هو الزواج السليم وفقني الله بأن أخذتها صغيرة لأتمكن من تربيتها كما أشاء لتكون مطيعة لي، ويكفيني فخرا بأنها عذراء.. وبعد أن أكملت الستة عشر ربيعا احضرها إلى بيته، علبها بغلاف اسود وسجنها كما تسجن النساء المسلمات في قصور أشباه الرجال وكل عام أترجم له شهادة ميلاد لطفل جديد.

حسده الكثيرون على فعلته وهو ما زال يبحث في أماكن بيوت الرفاهة الجنسية عن فتيات فقدن عذريتهن منذ الصغر ليشبع رغباته وأهوائه الجنسية وليقول للجميع وبدون خجل أن على المرأة ألا تشعر بالرعشة (ORGASM) كي لا تفكر في الخيانة.

يبدو هذا النموذج من أشباه الرجال شريفا ومحترما أمام فئة من الجهلة الذين يلتقون معه في المساجد والمقاهي والمطاعم العربية التي تفقد شهيتك عندما تحاول تناول وجبة طعام فيها، خاصة عندما تجد تلك المرأة المعلبة ترفع قليلا من غطاء رأسها الأسود والفارغ لتتناول بيدها لقمة من صحن وضع أمامها على الطاولة.

كيف تقبل هذه المرأة على نفسها أن تكون سلعة أو صفقة تجارية بين أهلها وتاجر فرض تسميته بالطبيب على مجتمع لا يعرف بأنه تاجر سلع لكنه طبيب بشري هذه المهنة المقدسة التي لا يمكن أن يحظى بها إلا أصحاب العقول النيرة. ولعل هذه الفتاة لو تمكنت من أن تقرا وفاء سلطان لما وصلت بها الحال إلى درجة السجن المؤبد.


وبالرغم مما يحدث فانه عندما اقرأ وفاء سلطان اشعر بان الأمل سيخيم على شريحة كبيرة من نسائنا ورجالنا وعلى المرأة التي احترمها واقدرها واقبل يدها عندما التقي بها وافتح لها باب سيارتي لتجلس وهي مطمئنة وأقدم لها زهرة عرفانا بالجميل واحتراما لها وتقديرا لإنسانيتها، لان هذه المرأة هي أمي وأختي وابنتي وزوجتي وبالفعل تقول لي زوجتي لماذا تحترم المرأة كثيرا؟ فقلت لها أنا لا احترم المرأة فحسب بل أحبها لأنها جميلة وجمالها يكمن في تفكيرها السليم وعقلها المنفتح على العلم والحجة المقنعة، وسأبقى من الذين يلفظون المثل الشعبي القائل (المرأة كحبة الزيتون لا تحلو إلا بالرص) أقول لمن يردد هذا المثل أن يتعرف على المرأة على السيدة الفاضلة على الإنسانة الجريئة على وفاء سلطان.. عله يحبس أنفاسه قليلا ويحاول كتمان غضبه قليلا ليعلم بان ظاهرة وفاء سلطان لن تخمد وان نساء سوريات يلحقن بها ولن تقتصر هذه الظاهرة على النساء فقط، بل ستتعداها إلى كل الرجال، أما أشباه الرجال فهم مرضى وقد تفشى بهم المرض، وستكون وفاء سلطان احد الأطباء الذين سيعالجون أمراضهم وأمراض مجتمع غارق في الجهل والغباء.

لتحيى العقول النيرة ولتحيى الجرأة، فالعلم والمعرفة غير كافيين لنشر الفكر السليم إن لم يكن مقرونا بالجرأة.

*********************
نقلا عن
الناقد

المرأة السورية وظاهرة الإبداع

بقلم : سرجون

لا شك بان الذكاء وقوة الشخصية هما سمتان تتصف بهما المرأة السورية أينما وجدت، كما أن حصولها على استقلاليتها وحريتها يضفي عليها حضورا اجتماعيا ورونقا أخاذا يجعلها محط تقدير واحترام من قبل الذين يعرفون المرأة جيدا.

لكن في المجتمعات الإسلامية التي تسيطر فيها المفاهيم الدينية الهشة على عقول رجالها والكثير من نسائها "المغلوب على أمرهن" فإنها تضعها في مصاف آلة للتفريخ وخادمة تشبع رغبات (أشباه الرجال) إذ انه من الصعب وصفهم بالرجال، لأنه في نظري كل من يحترم المرأة ويقدرها فهو رجل .

إن ما دفعني لكتابة هذا المقال هي تلك الظاهرة الفريدة في المجتمع السوري والتي أطلق عليها ظاهرة الجرأة أو (ظاهرة وفاء سلطان) التي لم تأت بجديد لكنها برزت بجرأتها في طرح المواضيع التي تثير فضول كل رجل وامرأة.. فهي مثال للمرأة السورية المستقلة والذكية والمبدعة وكل هذه الصفات غير كافية ما لم تقترن بعامل الجرأة في مواجهة الموروثات البالية والجهل العنيف (مرض اغلب المجتمعات الإسلامية)، الذي لا يسيطر فقط على عقول أشباه الرجال، بل على المرأة نفسها في مجتمع تتحول أفكاره يوما بعد يوم إلى اعتبار المرأة بحد ذاتها عورة. لذلك عمد هؤلاء الجهلة إلى تغليفها وتعليبها وطلبوا منها أن تخفض صوتها لأنها آخر من يجب أن تتحدث، وآخر من يجب أن ترفع رأسها وآخر المخلوقات البشرية.

في هذه المجتمعات التي تسيطر فيها التربية الإسلامية التي تلغي الآخر (وهذه حقيقة) صار لزاما علينا جميعا أن نثور على أنفسنا في البداية لتحريرها من التقاليد والعادات والموروثات البالية، ومن ثم ننطلق لتوعية هذا النشء قبل أن تتخمر في عقول أبنائه فكرة أن المرأة عورة وعليها أن تبقى معلبة، وننزع عنها هذا الغلاف عندما تثير شهواتنا الجنسية ونستعملها كآلة للتفريخ مثلها مثل أي كائن لا قيمة له.

يخطئ من يقول بان المرأة نصف المجتمع، أقول لهؤلاء أن المرأة والرجل مكملان لبعضهما البعض وكم من امرأة تفوقت على الرجل، فهي القوية والقادرة على تحمل متاعب الحياة أكثر من الرجل، ولو عدنا إلى أوائل التاريخ فإننا نجد بأنها كانت مسؤولة عن كل شيء والرجل كان يقضي جل وقته في الصيد لا أكثر.

ها نحن في القرن الواحد والعشرين وما زالت مجتمعاتنا تحتقر المرأة وتهينها وتعتبرها وضيعة (ناقصة عقل ودين) وتجعلها بالنسبة للرجل شرفه وعرضه. وهنا لا بد من أتوجه بسؤالي إلى أولئك الذين يهبطون بشرفهم إلى أدنى مكانة له إلى جزء لا يتجاوز غشاء البكارة والذي كم قام هؤلاء بالدفاع عنه حتى وصل بهم الأمر إلى قتل النفس البشرية حفاظا على غشاء لا قيمة له، وهذه حقيقة علمية يعرفها الطبيب والمتعلم الواعي، وان تحصر الشرف في الأعضاء الجنسية للمرأة وأنت تمارس كل يوم العهر وتبقى ذلك الرجل الشريف طالما زوجتك وأختك وأمك وابنتك تحافظن على أعضائهن التناسلية ولا تمارسهن إلا بموجب القانون الذي رسمته في ذهنك وادعيته شرفا لك! تبا لأشباه الرجال أمثال هؤلاء وما أكثرهم في مجتمعنا، فمتى كانت الأعضاء التناسلية عنوانا للعفة والطهر؟ أليس العقل هو عنوان الإنسان وشرفه وكرمه وأخلاقه!

اذكر حادثة وقعت أمامي بحكمي مترجم، عندما حضر إلى مكتبي احد السوريين الإسلاميين وهو طبيب نسائي في السادسة والثلاثين من عمره تخرج من الجامعة، لا يعرف شكل غشاء البكارة ولا يعرف أين يقع رحم المرأة، ليقدم لي وثيقة كي أترجمها مكتوب عليها "عقد النكاح". فقد تزوج صاحبنا من طفلة لم تكمل بعد ستة عشر ربيعا، وذلك من اجل أن يقدمها للسلطات ليستكمل إجراءات منحها الفيزا لتنضم إلى عش الزوجية، عندها سألته هناك خطأ في تاريخ ميلادها يا صاحبي فقال لي لا انه صحيح، فقلت له أنها ما تزال طفلة فقال أن السفارة بدمشق رفضت منحها الفيزا لأنها لم تكمل بعد الستة عشر ربيعا وعلي أن انتظر ثلاثة أشهر لأحضرها إلى هنا.. وأضاف هذا هو الزواج السليم وفقني الله بأن أخذتها صغيرة لأتمكن من تربيتها كما أشاء لتكون مطيعة لي، ويكفيني فخرا بأنها عذراء.. وبعد أن أكملت الستة عشر ربيعا احضرها إلى بيته، علبها بغلاف اسود وسجنها كما تسجن النساء المسلمات في قصور أشباه الرجال وكل عام أترجم له شهادة ميلاد لطفل جديد.

حسده الكثيرون على فعلته وهو ما زال يبحث في أماكن بيوت الرفاهة الجنسية عن فتيات فقدن عذريتهن منذ الصغر ليشبع رغباته وأهوائه الجنسية وليقول للجميع وبدون خجل أن على المرأة ألا تشعر بالرعشة (ORGASM) كي لا تفكر في الخيانة.

يبدو هذا النموذج من أشباه الرجال شريفا ومحترما أمام فئة من الجهلة الذين يلتقون معه في المساجد والمقاهي والمطاعم العربية التي تفقد شهيتك عندما تحاول تناول وجبة طعام فيها، خاصة عندما تجد تلك المرأة المعلبة ترفع قليلا من غطاء رأسها الأسود والفارغ لتتناول بيدها لقمة من صحن وضع أمامها على الطاولة.

كيف تقبل هذه المرأة على نفسها أن تكون سلعة أو صفقة تجارية بين أهلها وتاجر فرض تسميته بالطبيب على مجتمع لا يعرف بأنه تاجر سلع لكنه طبيب بشري هذه المهنة المقدسة التي لا يمكن أن يحظى بها إلا أصحاب العقول النيرة. ولعل هذه الفتاة لو تمكنت من أن تقرا وفاء سلطان لما وصلت بها الحال إلى درجة السجن المؤبد.


وبالرغم مما يحدث فانه عندما اقرأ وفاء سلطان اشعر بان الأمل سيخيم على شريحة كبيرة من نسائنا ورجالنا وعلى المرأة التي احترمها واقدرها واقبل يدها عندما التقي بها وافتح لها باب سيارتي لتجلس وهي مطمئنة وأقدم لها زهرة عرفانا بالجميل واحتراما لها وتقديرا لإنسانيتها، لان هذه المرأة هي أمي وأختي وابنتي وزوجتي وبالفعل تقول لي زوجتي لماذا تحترم المرأة كثيرا؟ فقلت لها أنا لا احترم المرأة فحسب بل أحبها لأنها جميلة وجمالها يكمن في تفكيرها السليم وعقلها المنفتح على العلم والحجة المقنعة، وسأبقى من الذين يلفظون المثل الشعبي القائل (المرأة كحبة الزيتون لا تحلو إلا بالرص) أقول لمن يردد هذا المثل أن يتعرف على المرأة على السيدة الفاضلة على الإنسانة الجريئة على وفاء سلطان.. عله يحبس أنفاسه قليلا ويحاول كتمان غضبه قليلا ليعلم بان ظاهرة وفاء سلطان لن تخمد وان نساء سوريات يلحقن بها ولن تقتصر هذه الظاهرة على النساء فقط، بل ستتعداها إلى كل الرجال، أما أشباه الرجال فهم مرضى وقد تفشى بهم المرض، وستكون وفاء سلطان احد الأطباء الذين سيعالجون أمراضهم وأمراض مجتمع غارق في الجهل والغباء.

لتحيى العقول النيرة ولتحيى الجرأة، فالعلم والمعرفة غير كافيين لنشر الفكر السليم إن لم يكن مقرونا بالجرأة.

*********************
نقلا عن
الناقد

Monday, December 5, 2005

بين التشريع المدنى .. والتردى صوب الهاوية

مع الصعود الغير مسبوق للنجم السياسى لبعض التنظيمات الراديكالية الإسلامية ، وفى ظل مخاوف شديدة من التأييد الجارف الذى بدأوا يحوزونه بين الجماهير العربية ، تطفو على السطح إحدى قضاياهم الشائكة ، والتى تعد أحد الأهداف الرئيسية التى يرمون إلى تحقيقها لدى وصولهم إلى سدة الحكم ، وهى قضية تطبيق مبادىء الشريعة الإسلامية كنظام للحكم .


وعلى الرغم من إتساع مفهوم هذا التطبيق عند بعض المفكرين الإسلاميين ، إلا أنه يختزل فى أذهان الكثرين من العامة وبعض رجال الدين وأمراء التنظيمات المتطرفة - على حد سواء - فى تطبيق العقوبات الإسلامية ، والتى تندرج فى مؤلفات الفقه الإسلامى تحت مفهوم " الحدود " .
وعلى الرغم من أن القوانين المدنية الحديثة قد قررت العقوبات التى تتناسب مع الجرائم المرتكبة ، والتى تعمل - أساسا - على إعادة تأهيل الإنسان المجرم إجتماعيا ، إلا أن هذا الهدف لم يكن له أدنى وجود لدى واضعى تصورات الحدود الإسلامية ، والتى تركز بؤرة إهتمامها على الإنتقام من الشخص المجرم والعمل على منعه - عن طريق الإيلام البدنى أو إزهاق الروح - من إتيان الفعل الإجرامى مرة أخرى ، ولذا فإن المطالبين بتطبيق الحدود الإسلامية يبررونها بالزعم أن العقوبات الوضعية ليست رادعة ، وبأن عقوبات الشريعة الإسلامية ستساهم فى ردع هؤلاء المجرمين وثنيهم عن الإقدام على إرتكاب جرائمهم مرة أخرى نظرا لقسوتها الشديدة وإيلامها العنيف !! .
وقد لا يكون من المثير فى الأمر هذا الحرص الأعمى على تطبيق هذه العقوبات المخالفة لكافة الأعراف والمواثيق الإنسانية ، وقد لا يكون من المثير أيضا هذا الإصرار اللامتناهى على تطبيق عقوبات وضعت قبل أربعة عشر قرنا فى زمن كان من المألوف فيه معاقبة الجناة - أوالمشتبه بهم - بقطع رؤوسهم أو بفقأ عيونهم أو بجدع أنوفهم وآذانهم أو ببتر أياديهم وأقدامهم .. أو بصلبهم والتمثيل بجثثهم ، وإنما الذى يدعو للدهشة والعجب هو محاولتهم الدؤوبة تبرير هذا الأمر تبريرا عقلانيا بالزعم أن الضرورة وراء هذا التطبيق هى ردع المجرمين وثنيهم عن إتيان الفعل الإجرامى مرة أخرى !! .
ولكن الحقيقة التى تدحض تبريراتهم السقيمة تلك هى أن هذه العقوبات ربما تكون مانعة من إتيان الفعل الإجرامى مرة أخرى ولكنها ليست رادعة بالمفهوم الإجتماعى للعقوبة ، فالسارق الذى تقطع يده لن يقدم على سلب ممتلكات الغير مرة أخرى بسبب العجز الذى أصيب به فى العضو الذى يستخدم فى السرقة وليس لأنه قد زجر وإرتدع عن فعل هذا الأمر ، وبالمثل ، فقاطع الطريق لن يفعل ذالك مرة أخرى عندما يقتل أو تقطع يده ورجله من خلاف للسبب سالف الذكر أيضا .
وعندما نتناول أهداف العقوبة فى القوانين المدنية نجد فى مقدمتها العمل على إعادة تأهيل الإنسان المجرم ودفعه إلى الإنخراط فى مجتمعه ، فعلم العقاب يتعامل مع المجرم بإعتباره إنسانا يفتقر إلى التأهيل الإجتماعى ، ولذا فإن العقوبة التى يقررها المشرع المدنى تسلبه حريته مؤقتا وتفصله خلال هذه المدة عن مجتمعه ليتم تأهيله حتى يكون مستعدا للعودة إلى المجتمع والإنخراط فيه بعد إنقضاء مدة العقوبة ( نظريا .. على الأقل ) ، بينما الشريعة الإسلامية تتعامل مع المجرم بوصفه عضوا مسرطنا يلزم بتره بأسرع مايمكن حتى لا ينقل العدوى للآخرين !! ، وهى نظرة وحشية وقاصرة فى ذات الوقت ، فهى تهمل الأسباب والدوافع وراء إرتكاب الجريمة وتتعامل مع الإنسان المجرم على أنه قد ولد ليصبح مجرما مهملة كافة الظروف والعوامل التى ساعدت على تقوية النزعات الإجرامية لديه على حساب النزعات الإجتماعية والإنسانية ، فبصرف النظر عن البيئة التى نشأ فيها المجرم وبغض النظر عن حالته الإقتصادية ووضعه الإجتماعى والظروف التى دفعته لإرتكاب الجريمة ، تتعامل معه الشريعة الإسلامية منذ البداية بمنطقها المريض : " أول الدواء الكى !! " ، وتقوم إما بإزهاق روحه ، أو ببتر يده أو قدمه ، أو جلده أو رجمه ، إلى آخر تلك العقوبات الشنيعة التى ينادى بعودتها خفافيش الظلام الدمويون الرجعيون الذين يهيبون بنا التردى بمعيتهم فى غياهب العصور الإسلامية المظلمة .
إن العقوبات فى الشريعة الإسلامية لا تمثل ضرورة إجتماعية بقدر ماهى نزعة إنتقامية ، فالشريعة الإسلامية تقوم - على سبيل المثال - بإزهاق روح القاتل العمد ( إن لم يكن والدا للقتيل !! ) فى تطبيق صريح لقواعد الثأر والإنتقام الموروثة عن عادات وتقاليد القبائل البدوية الصحراوية ، بينما نظم العقوبات الحديثة والتى ترى فى العقوبة ضرورة إجتماعية توصلت إلى أن المجتمع لم يهب الإنسان الحياة حتى يكون من حقه سلبه إياها ، وهى - أى الحياة - على خلاف الحرية ، إن سلبت من شخص يستحيل إعادتها إليه إن ثبتت براءته فيما بعد ، وبالتالى فهى تتعامل مع القاتل ( على حسب حالته ) بإعتباره إنسانا يفتقر إلى التأهيل الإجتماعى الذى يعود بعد حصوله عليه عضوا نافعا وفعالا فى مجتمعه .
وبالنظر إلى أثر العقوبات الإسلامية على الأفراد داخل المجتمع ، نجدها تربى لديهم بذور الخوف والرعب ، وتجعل السلبية ومجاورة الحائط طريقتهم المثلى فى الحياة ، وتجعلهم يخشون تطبيق هذه العقوبات على أنفسهم وذويهم حتى وإن كانوا - طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية - يستحقونها ، ففى ظل إعلان تطبيق هذه العقوبات تسود بين الناس عادة التستر على الجناة ، ويصير من رابع المستحيلات قيام أحد ذويهم بإبلاغ السلطات المختصة عنهم لإدراكهم التام أن هذه العقوبة ستضر بهم أكثر مما تفيدهم ، ولذا فهم يتحملون عبء وجود إنسان مجرم غير مؤهل إجتماعيا بينهم على أن يسلموه للسلطات المختصة التى سوف تعامله بكل قسوة ووحشية وستحوله فى نهاية المطاف إلى جثة هامدة أو إلى هيكل بشرى عاجز بدنيا أو مريض نفسيا ، الأمر الذى يؤدى الى تعطيل تطبيق أحكام القانون ، ويجعل الحياة السرية الشاذة للأفراد داخل المجتمع تنمو وتذدهر على حساب الحياة الطبيعية السوية وإحترام القانون والنظام العام .
ولكن الأمر يختلف عند النظم العقابية الحديثة لإختلاف الهدف المرجو من العقوبة ( الإنتقام الأعمى فى الشريعة الإسلامية .. فى مقابل إعادة تأهيل الإنسان المجرم فى القوانين العلمانية ) ، فجميع المحيطين بالمجرم يعلمون جيدا أن الهدف من العقوبة هو إصلاح حاله وإعادة تأهيله ، كما أنهم يدركون جيدا أن مصلحتهم تكمن فى إبلاغ السلطات عنه كى يأمنوا شره فى ذات الوقت الذى يدركون فيه أن من مصلحة المجرم ( على المدى البعيد ) إعادة تأهيله بتوقيع العقوبة القانونية المقررة عليه حسب نوع الجريمة المرتكبة ، كما أن العقوبات البدنية وعقوبة الإعدام قد بدأت تختفى من معظم القوانين المدنية ، مما ينفى وجود أية مخاوف بخصوص السلامة البدنية والنفسية للإنسان المجرم الأمر الذى يجعل التجاوب مع القوانين المطبقة هى السمة السائدة عند أفراد المجتمع .
أضف إلى ذالك أن الشريعة الإسلامية - فى حد ذاتها - تخنق حرية الفرد وتتدخل فى أشد أموره خصوصية ، فهى تمنعه من إعتناق العقيدة التى يقتنع بها إن كانت مخالفة للإسلام وتعاقبه على ذالك بالقتل ، وفى ذات الوقت فإنها تضع قيودا على أمور كثيرة تدخل فى نطاق حرية الفرد ، فتعاقبه على تناول الخمر حتى وإن لم يصل إلى درجة السكر بالجلد ، وتصنف الممارسة الجنسية الإرادية بين فردين خارج النطاق المعترف به دينيا على أنه جريمة ( زنا - لواط - سحاق ) وتعاقب الأفراد على ذالك بالجلد أو بعقوبة أخرى أشد بشاعة هى الرجم ، كل ماسبق وأمور أخرى تعمل على تضييق الخناق على بنى البشر ، الأمر الذى يساعد على تفشى الأمراض النفسية المستعصية فيما بينهم ويعمل على طمس هوية الإنسان الفردية وتحويله إلى مسخٍ شاذٍ بشعٍ ومشوهٍ يصبح وبالا على مجتمعه وعالة على أهله .
إن التمسك بالتشريعات الدينية كنظام للحكم لن يجلب لمجتمعاتنا سوى الإنهيار والتفكك ، وعلى النقيض من ذالك نجد أن التمسك بالقوانين المدنية العلمانية القائمة على العدل والحرية وإحترام حقوق الإنسان هو السبيل الأمثل للخروج من النفق المظلم الذى نتخبط فى غياباته ، ولنا فى أوروبا الحديثة أسوة حسنة فى ذالك عندما تخلت عن سلطة رجال الدين وتمسكت بالقوانين المدنية فصارت بالنسبة إلينا كالنجوم فى السماء .. نتمناها ولا نصل إليها لأننا لا نمتلك الشجاعة الكافية للتخلى عن الإرث الدينى الثقيل الذى وضعنا فى ذيل قائمة الأمم ، وحولنا إلى فئة مستهلكة ، نتغذى على فتات موائد الأمم الحرة المتقدمة ، فلم يبق لنا فى مثل هذا التوقيت الحرج سوى الإقتراع على أحد خيارين ، فإما أن نهمش الدين تماما من حياتنا ونقصر دوره على الجانب الروحى منها داخل دور العبادة الأمر الذى سيجعلنا نخطو خطوات واسعة وجريئة نحو الأمام ، وإما أن نزداد به تمسكا ونستسلم معه لجاذبية الهبوط نحو هاويته السحيقة .. إلى أسفل .. إلى أسفل .. بلا قرار .. بلا قرار .. بلا قرار!! .
عبدالكريم نبيل سليمان
5 / 12 / 2005
الإسكندرية / مصر

بين التشريع المدنى .. والتردى صوب الهاوية

مع الصعود الغير مسبوق للنجم السياسى لبعض التنظيمات الراديكالية الإسلامية ، وفى ظل مخاوف شديدة من التأييد الجارف الذى بدأوا يحوزونه بين الجماهير العربية ، تطفو على السطح إحدى قضاياهم الشائكة ، والتى تعد أحد الأهداف الرئيسية التى يرمون إلى تحقيقها لدى وصولهم إلى سدة الحكم ، وهى قضية تطبيق مبادىء الشريعة الإسلامية كنظام للحكم .


وعلى الرغم من إتساع مفهوم هذا التطبيق عند بعض المفكرين الإسلاميين ، إلا أنه يختزل فى أذهان الكثرين من العامة وبعض رجال الدين وأمراء التنظيمات المتطرفة - على حد سواء - فى تطبيق العقوبات الإسلامية ، والتى تندرج فى مؤلفات الفقه الإسلامى تحت مفهوم " الحدود " .
وعلى الرغم من أن القوانين المدنية الحديثة قد قررت العقوبات التى تتناسب مع الجرائم المرتكبة ، والتى تعمل - أساسا - على إعادة تأهيل الإنسان المجرم إجتماعيا ، إلا أن هذا الهدف لم يكن له أدنى وجود لدى واضعى تصورات الحدود الإسلامية ، والتى تركز بؤرة إهتمامها على الإنتقام من الشخص المجرم والعمل على منعه - عن طريق الإيلام البدنى أو إزهاق الروح - من إتيان الفعل الإجرامى مرة أخرى ، ولذا فإن المطالبين بتطبيق الحدود الإسلامية يبررونها بالزعم أن العقوبات الوضعية ليست رادعة ، وبأن عقوبات الشريعة الإسلامية ستساهم فى ردع هؤلاء المجرمين وثنيهم عن الإقدام على إرتكاب جرائمهم مرة أخرى نظرا لقسوتها الشديدة وإيلامها العنيف !! .
وقد لا يكون من المثير فى الأمر هذا الحرص الأعمى على تطبيق هذه العقوبات المخالفة لكافة الأعراف والمواثيق الإنسانية ، وقد لا يكون من المثير أيضا هذا الإصرار اللامتناهى على تطبيق عقوبات وضعت قبل أربعة عشر قرنا فى زمن كان من المألوف فيه معاقبة الجناة - أوالمشتبه بهم - بقطع رؤوسهم أو بفقأ عيونهم أو بجدع أنوفهم وآذانهم أو ببتر أياديهم وأقدامهم .. أو بصلبهم والتمثيل بجثثهم ، وإنما الذى يدعو للدهشة والعجب هو محاولتهم الدؤوبة تبرير هذا الأمر تبريرا عقلانيا بالزعم أن الضرورة وراء هذا التطبيق هى ردع المجرمين وثنيهم عن إتيان الفعل الإجرامى مرة أخرى !! .
ولكن الحقيقة التى تدحض تبريراتهم السقيمة تلك هى أن هذه العقوبات ربما تكون مانعة من إتيان الفعل الإجرامى مرة أخرى ولكنها ليست رادعة بالمفهوم الإجتماعى للعقوبة ، فالسارق الذى تقطع يده لن يقدم على سلب ممتلكات الغير مرة أخرى بسبب العجز الذى أصيب به فى العضو الذى يستخدم فى السرقة وليس لأنه قد زجر وإرتدع عن فعل هذا الأمر ، وبالمثل ، فقاطع الطريق لن يفعل ذالك مرة أخرى عندما يقتل أو تقطع يده ورجله من خلاف للسبب سالف الذكر أيضا .
وعندما نتناول أهداف العقوبة فى القوانين المدنية نجد فى مقدمتها العمل على إعادة تأهيل الإنسان المجرم ودفعه إلى الإنخراط فى مجتمعه ، فعلم العقاب يتعامل مع المجرم بإعتباره إنسانا يفتقر إلى التأهيل الإجتماعى ، ولذا فإن العقوبة التى يقررها المشرع المدنى تسلبه حريته مؤقتا وتفصله خلال هذه المدة عن مجتمعه ليتم تأهيله حتى يكون مستعدا للعودة إلى المجتمع والإنخراط فيه بعد إنقضاء مدة العقوبة ( نظريا .. على الأقل ) ، بينما الشريعة الإسلامية تتعامل مع المجرم بوصفه عضوا مسرطنا يلزم بتره بأسرع مايمكن حتى لا ينقل العدوى للآخرين !! ، وهى نظرة وحشية وقاصرة فى ذات الوقت ، فهى تهمل الأسباب والدوافع وراء إرتكاب الجريمة وتتعامل مع الإنسان المجرم على أنه قد ولد ليصبح مجرما مهملة كافة الظروف والعوامل التى ساعدت على تقوية النزعات الإجرامية لديه على حساب النزعات الإجتماعية والإنسانية ، فبصرف النظر عن البيئة التى نشأ فيها المجرم وبغض النظر عن حالته الإقتصادية ووضعه الإجتماعى والظروف التى دفعته لإرتكاب الجريمة ، تتعامل معه الشريعة الإسلامية منذ البداية بمنطقها المريض : " أول الدواء الكى !! " ، وتقوم إما بإزهاق روحه ، أو ببتر يده أو قدمه ، أو جلده أو رجمه ، إلى آخر تلك العقوبات الشنيعة التى ينادى بعودتها خفافيش الظلام الدمويون الرجعيون الذين يهيبون بنا التردى بمعيتهم فى غياهب العصور الإسلامية المظلمة .
إن العقوبات فى الشريعة الإسلامية لا تمثل ضرورة إجتماعية بقدر ماهى نزعة إنتقامية ، فالشريعة الإسلامية تقوم - على سبيل المثال - بإزهاق روح القاتل العمد ( إن لم يكن والدا للقتيل !! ) فى تطبيق صريح لقواعد الثأر والإنتقام الموروثة عن عادات وتقاليد القبائل البدوية الصحراوية ، بينما نظم العقوبات الحديثة والتى ترى فى العقوبة ضرورة إجتماعية توصلت إلى أن المجتمع لم يهب الإنسان الحياة حتى يكون من حقه سلبه إياها ، وهى - أى الحياة - على خلاف الحرية ، إن سلبت من شخص يستحيل إعادتها إليه إن ثبتت براءته فيما بعد ، وبالتالى فهى تتعامل مع القاتل ( على حسب حالته ) بإعتباره إنسانا يفتقر إلى التأهيل الإجتماعى الذى يعود بعد حصوله عليه عضوا نافعا وفعالا فى مجتمعه .
وبالنظر إلى أثر العقوبات الإسلامية على الأفراد داخل المجتمع ، نجدها تربى لديهم بذور الخوف والرعب ، وتجعل السلبية ومجاورة الحائط طريقتهم المثلى فى الحياة ، وتجعلهم يخشون تطبيق هذه العقوبات على أنفسهم وذويهم حتى وإن كانوا - طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية - يستحقونها ، ففى ظل إعلان تطبيق هذه العقوبات تسود بين الناس عادة التستر على الجناة ، ويصير من رابع المستحيلات قيام أحد ذويهم بإبلاغ السلطات المختصة عنهم لإدراكهم التام أن هذه العقوبة ستضر بهم أكثر مما تفيدهم ، ولذا فهم يتحملون عبء وجود إنسان مجرم غير مؤهل إجتماعيا بينهم على أن يسلموه للسلطات المختصة التى سوف تعامله بكل قسوة ووحشية وستحوله فى نهاية المطاف إلى جثة هامدة أو إلى هيكل بشرى عاجز بدنيا أو مريض نفسيا ، الأمر الذى يؤدى الى تعطيل تطبيق أحكام القانون ، ويجعل الحياة السرية الشاذة للأفراد داخل المجتمع تنمو وتذدهر على حساب الحياة الطبيعية السوية وإحترام القانون والنظام العام .
ولكن الأمر يختلف عند النظم العقابية الحديثة لإختلاف الهدف المرجو من العقوبة ( الإنتقام الأعمى فى الشريعة الإسلامية .. فى مقابل إعادة تأهيل الإنسان المجرم فى القوانين العلمانية ) ، فجميع المحيطين بالمجرم يعلمون جيدا أن الهدف من العقوبة هو إصلاح حاله وإعادة تأهيله ، كما أنهم يدركون جيدا أن مصلحتهم تكمن فى إبلاغ السلطات عنه كى يأمنوا شره فى ذات الوقت الذى يدركون فيه أن من مصلحة المجرم ( على المدى البعيد ) إعادة تأهيله بتوقيع العقوبة القانونية المقررة عليه حسب نوع الجريمة المرتكبة ، كما أن العقوبات البدنية وعقوبة الإعدام قد بدأت تختفى من معظم القوانين المدنية ، مما ينفى وجود أية مخاوف بخصوص السلامة البدنية والنفسية للإنسان المجرم الأمر الذى يجعل التجاوب مع القوانين المطبقة هى السمة السائدة عند أفراد المجتمع .
أضف إلى ذالك أن الشريعة الإسلامية - فى حد ذاتها - تخنق حرية الفرد وتتدخل فى أشد أموره خصوصية ، فهى تمنعه من إعتناق العقيدة التى يقتنع بها إن كانت مخالفة للإسلام وتعاقبه على ذالك بالقتل ، وفى ذات الوقت فإنها تضع قيودا على أمور كثيرة تدخل فى نطاق حرية الفرد ، فتعاقبه على تناول الخمر حتى وإن لم يصل إلى درجة السكر بالجلد ، وتصنف الممارسة الجنسية الإرادية بين فردين خارج النطاق المعترف به دينيا على أنه جريمة ( زنا - لواط - سحاق ) وتعاقب الأفراد على ذالك بالجلد أو بعقوبة أخرى أشد بشاعة هى الرجم ، كل ماسبق وأمور أخرى تعمل على تضييق الخناق على بنى البشر ، الأمر الذى يساعد على تفشى الأمراض النفسية المستعصية فيما بينهم ويعمل على طمس هوية الإنسان الفردية وتحويله إلى مسخٍ شاذٍ بشعٍ ومشوهٍ يصبح وبالا على مجتمعه وعالة على أهله .
إن التمسك بالتشريعات الدينية كنظام للحكم لن يجلب لمجتمعاتنا سوى الإنهيار والتفكك ، وعلى النقيض من ذالك نجد أن التمسك بالقوانين المدنية العلمانية القائمة على العدل والحرية وإحترام حقوق الإنسان هو السبيل الأمثل للخروج من النفق المظلم الذى نتخبط فى غياباته ، ولنا فى أوروبا الحديثة أسوة حسنة فى ذالك عندما تخلت عن سلطة رجال الدين وتمسكت بالقوانين المدنية فصارت بالنسبة إلينا كالنجوم فى السماء .. نتمناها ولا نصل إليها لأننا لا نمتلك الشجاعة الكافية للتخلى عن الإرث الدينى الثقيل الذى وضعنا فى ذيل قائمة الأمم ، وحولنا إلى فئة مستهلكة ، نتغذى على فتات موائد الأمم الحرة المتقدمة ، فلم يبق لنا فى مثل هذا التوقيت الحرج سوى الإقتراع على أحد خيارين ، فإما أن نهمش الدين تماما من حياتنا ونقصر دوره على الجانب الروحى منها داخل دور العبادة الأمر الذى سيجعلنا نخطو خطوات واسعة وجريئة نحو الأمام ، وإما أن نزداد به تمسكا ونستسلم معه لجاذبية الهبوط نحو هاويته السحيقة .. إلى أسفل .. إلى أسفل .. بلا قرار .. بلا قرار .. بلا قرار!! .
عبدالكريم نبيل سليمان
5 / 12 / 2005
الإسكندرية / مصر

Thursday, December 1, 2005

المستجير من رمضاء الحزب الوطنى بنار الإخوان المسلمين!



بقلم : د. خالد منتصر


أثبتت الإنتخابات البرلمانية الأخيرة بما لايدع مجالاً للشك أن أكبر قوة سياسية فى مصر هى حزب الأغلبية الصامتة أو حزب الطناش لا أرى.. لا أسمع. لاأتكلم. لا أنتخب!، وهم يمثلون 90 % من الشعب المصرى، وأن كل ماعداها من قوى سياسية تلعب فى نسبة العشرة فى المائة الباقية، والأخطر هو إثباتها أن الإخوان المسلمين هى القوة الثانية فى الشارع السياسى المصرى، والخطر هنا هو أن بديل الحزب الوطنى ألعن منه، ودوبليره أقبح منه، وأصبح لزاماً علينا أن نتبع المأثور العربى الفصيح الذى يقول كالمستجير من الرمضاء بالنار، أو المثل الشعبى العامى ماأنيل من ستى إلا سيدى!، فالحزب الوطنى رائد البلطجة السياسية، والإخوان المسلمين رواد البلطجة الفكرية، والحزب الوطنى صدر إلى الشعب المصرى الفساد بشعاره الكاذب الإستقرار، والإخوان صدروا إليهم الغيبوبة بشعارهم الخادع المراوغ "الإسلام هو الحل"، والكارثة أن المعارضة الحقيقية الواعية التى تستحق دخول البرلمان خرجت صفر اليدين من المعركة الإنتخابية ليستقر على فتات الكراسى الباقية التى سمح بها الحزب الوطنى أعضاء الإخوان المسلمين، إن منير فخرى عبد النور ومنى مكرم عبيد والبدرى فرغلى وأحمد عبد الله رزه وأبو العز الحريرى هم الإمتداد الطبيعى للمرحوم ممتاز نصار والقاضى وحلمى مراد... إلى آخر هذه القائمة من المعارضين الذين يبعثون فى البرلمان الحيوية بمناقشتهم للقضايا الحقيقية المهموم بها الناس من أهل المحروسة، فالسيناريو المتوقع بدخول بعض الإخوانجية هو حشد الحشود وتجييش الجيوش من أجل قضايا هامشية، فمن الممكن أن يحرك مظاهراتهم كتف عارى لممثلة فى أفيش، ومن الطبيعى والمتوقع أن تكون إستجواباتهم عن فيديو كليب فى فضائية أو قصيدة فى مجلة أو تمثال فى ميدان... إلى آخر هذه التفاهات التى هى شغلهم الشاغل وقضاياهم الوطنية الأثيرة، ولمناقشة هذا الأمر والتدليل عليه بالوقائع، ولإثبات أن مايفعله الإخوان المسلمين ومايقدمونه من وعود هو مجرد تكتيك إنتخابى ولايمثل إستراتيجية فكرية راسخة عند الجماعة،
فهم على سبيل المثال يدعون فى هذه الإنتخابات تسامحهم مع الأقباط ومع المرأة، وهو تسامح تكتيكى إنتهازى لايستطيع إخفاء الوجه القبيح المختفى تحت قناع البراءة، وسأستخدم وثائق وأدبيات جماعة الإخوان لفضح هذا التكتيك ونزع هذا القناع الزائف، فبالنسبة للأقباط ينطلق الإخوان من مبدأ المسيحى الذمى وليس المسيحى المواطن ولأننى كتبت فى هذا الموضوع تفصيلاً فى العدد الماضى سأعرض رأيين للإخوان نستطيع بدون جهد أن نستشف منهما كيف سيتعامل الإخوان مع الأقباط لو تسلموا مقاليد الحكم، الرأى الأول والذى يلخص فلسفة تعامل الإخوان مع الأقباط يتمثل فى الفتوى التى نشرتها مجلة الدعوة فى عدد ديسمبر 1980 بالنسبة لتنظيم بناء الكنائس وكان صاحبها هو الشيخ عبد الله الخطيب عضو مكتب الإرشاد حتى الآن، الفتوى تقول صراحة " البلاد التى فتحها المسلمون عنوة تهدم فيها الكنائس مثل الإسكندرية، والبلاد التى إستحدثها المسلمون مثل العاشر من رمضان والمدن الجديدة عموماً لايجوز فيها بناء كنائس على الإطلاق"!!، أما الرأى الثانى فهو رأى شهير للمرشد السابق مصطفى مشهور نشرته الأهرام ويكلى فى أبريل 1997وهو فتوى بإستبعاد الأقباط من الجيش بشرط دفع الجزية!!.
والموقف من الأقباط لم يستطع الإخوان أن يداروه ويخفوه بإنتهازية سياسية بأن يرشحوا أقباط مثلاً على قائمتهم، لأنها كانت ستصبح كوميديا سوداء لن يصدقها أحد، أما بالنسبة لموقفهم من المرأة فإستطاعوا إرتداء القناع الواقى وعمل نيولوك إخوانجى وقاموا بترشيح نساء على قائمتهم الإنتخابية، ولكن هل هذا موقف تكتيكى أم إستراتيجى؟ نستطيع بسهولة الإجابة على هذا السؤال بالرجوع لأدبيات الإخوان ومجلاتهم وأقوال المرشد العام حسن البنا التى تلخص نظرتهم الدونية للمرأة التى يتعاملون معها كمفرخة لفقس الأطفال وماكينة للتناسل فقط، لنقرأ ونحكم:


• "يعتبر منح المرأة حق الإنتخاب ثورة على الإسلام وثورة على الإنسانية، وكذلك يعتبر إنتخاب المرأة ثورة على الإنسانية بنوعيها لمناقضته لما يجب أن تكون عليه المرأة بحسب تكوينها ومرتبتها فى الوجود، فإنتخاب المرأة سبة فى النساء ونقص ترمى به الأنوثة " مجلة الإخوان المسلمون 5 يوليو 1947.

• "إباحة عضوية البرلمان مطلقاً يتنافى مع خطر الخلوة والإختلاط بالأجانب على النساء، ويتنافى كذلك مع تحريم النظر، ويؤدى إلى كثير من المفاسد... المرأة لاتكون وزيرة ولاعضواً فى البرلمان بحال، فإن من مقتضى إسناد هذه الأعمال إليها الخلوة مع غير ذى المحرم، بل ربما إقتضى ذلك الخلوة مع غير المسلم" حسن البنا فى العدد 19 من مجلة النذير.

• "مايريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الإنتخاب والإشتغال بالمحاماة مردود عليهم بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين " حسن البنا فى حديث الثلاثاء ص 370.

• حين طلب عميد كلية التجارة حمدى بك تعيين أربع طالبات فى وظائف الدولة، إستنكرت مجلتهم النذير وإستعملت الإيحاءات الجنسية فى ردها فقالت فى العدد 20 بتاريخ 15 جمادى الأولى 1358 ص 23 " إن كل واحدة من هؤلاء المتخرجات إذا لم تعثر على الجليل فهى فى وظيفتها لن تعدم الخليل "!!.

• يعقب حسن البنا على طلب الآنسة نعيمة الأيوبى للعمل كمحامية وفاطمه فهمى للتقدم لمدرسة الهندسة بقوله " للمرأة وظيفة فى الحياة وهى المنزل، وليس من النافع أن تشارك الرجال فيما يقومون به من الأعمال " مجلة أفخوان المسلمون العدد 8 ص 19

• "ليست المرأة فى حاجة إلى التبحر فى اللغات المختلفة، وليست فى حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولاً وأخيراً، وليست المرأة فى حاجة إلى التبحر فى دراسة الحقوق والقوانين" حسن البنا كتاب المرأة المسلمة - دار الكتب السلفية.

• يعقب حسن البنا على مشروع دخول البنات جامعة الأزهر بقوله "لايجيز الدين للمرأة ان تكون بين طلبة الأزهر، بل لابد من الفصل بين المتعلمات والمتعلمين فصلاً لايمكن كلا الصنفين من الإتصال بالآخر، حتى ولا فى حدائق المعاهد وأفنيتها".

• يؤكد حسن البنا على أن النقاب هو الأساس فى الإسلام وهاجم شيخ الأزهر الذى أباح كشف الوجه والكفين فقال "كشف وجه المرأة ويديها حرام إلا إذا أمنت الفتنة" حديث الثلاثاء 369.

• يشجع حسن البنا تعدد الزوجات ويقول أنه يقضى على الفقر!!ويستشهد فى حديث الثلاثاء ص 375 بالحديث القائل "جاء رجل إلى النبى صلعم يشكو الفقر فقال له تزوج فتزوج، ثم جاء إليه ثانية يشكو الفقر فقال له تزوج فتزوج، ثم جاء إليه ثالثة يشكو إليه الفقر فقال له تزوج فتزوج، ثم جاء إليه رابعة يشكو الفقر فقال له تزوج فتزوج الرابعة وكانت تحسن الغزل، فعلمت ثلاث النسوة صنع الغزل والنسيج فإنفرجت بذلك ضائقة الرجل وصار من الأغنياء لأنه أصبح مدير مصنع تعمل فيه زوجاته" حسب تعليق البنا، وفى مجلة الإخوان المسلمون العدد 13 لسنة 1944 يقدم مبرراً مدهشاً وعجيباً فيقول "إن خيراً للمرأة وأقرب إلى العدالة الإجتماعية والإنصاف فى المجتمع أن تستمتع كل زوجة بربع رجل أو ثلثه أونصفه من أن تستمتع زوجة واحدة برجل كامل وإلى جانبها واحدة أو إثنتان أو ثلاث لايجدن شيئاً!!.

عندما وجد حسن البنا أن المرأة ستبدأ فى الحصول على بعض المكاسب الإجتماعية، تحدث إلى مجلة النذير العدد 19 بتاريخ 8 جمادى الأولى 1358 هجرية غاضباً وقال "إسمع يامحرر النذير، أحب أن ألفت نظرك ونظر قرائك إلى هذه الأحاديث النبوية الكريمة والنصائح المحمدية الغالية فإن فيها تبصرة وذكرى :1- ماتركت بعدى فتنة هى أضر على الرجال من النساء، 2- الخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، 3- إتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت من النساء ،4- المرأة عورة، فإذا خرجت إستشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها فى قعر بيتها".

**أعتقد أننا بعد قراءة هذا المانيفستو الإخوانى لابد أن نصرخ كما صرخ طارق بن زياد لجنوده "الحزب الوطنى من أمامكم ، والإخوان من وراءكم"، ولنا الله فقد
كتب علينا أن نختار بين نار الحزب الوطنى وجحيم الإخوان.

نقلا عن إيلاف

المستجير من رمضاء الحزب الوطنى بنار الإخوان المسلمين!



بقلم : د. خالد منتصر


أثبتت الإنتخابات البرلمانية الأخيرة بما لايدع مجالاً للشك أن أكبر قوة سياسية فى مصر هى حزب الأغلبية الصامتة أو حزب الطناش لا أرى.. لا أسمع. لاأتكلم. لا أنتخب!، وهم يمثلون 90 % من الشعب المصرى، وأن كل ماعداها من قوى سياسية تلعب فى نسبة العشرة فى المائة الباقية، والأخطر هو إثباتها أن الإخوان المسلمين هى القوة الثانية فى الشارع السياسى المصرى، والخطر هنا هو أن بديل الحزب الوطنى ألعن منه، ودوبليره أقبح منه، وأصبح لزاماً علينا أن نتبع المأثور العربى الفصيح الذى يقول كالمستجير من الرمضاء بالنار، أو المثل الشعبى العامى ماأنيل من ستى إلا سيدى!، فالحزب الوطنى رائد البلطجة السياسية، والإخوان المسلمين رواد البلطجة الفكرية، والحزب الوطنى صدر إلى الشعب المصرى الفساد بشعاره الكاذب الإستقرار، والإخوان صدروا إليهم الغيبوبة بشعارهم الخادع المراوغ "الإسلام هو الحل"، والكارثة أن المعارضة الحقيقية الواعية التى تستحق دخول البرلمان خرجت صفر اليدين من المعركة الإنتخابية ليستقر على فتات الكراسى الباقية التى سمح بها الحزب الوطنى أعضاء الإخوان المسلمين، إن منير فخرى عبد النور ومنى مكرم عبيد والبدرى فرغلى وأحمد عبد الله رزه وأبو العز الحريرى هم الإمتداد الطبيعى للمرحوم ممتاز نصار والقاضى وحلمى مراد... إلى آخر هذه القائمة من المعارضين الذين يبعثون فى البرلمان الحيوية بمناقشتهم للقضايا الحقيقية المهموم بها الناس من أهل المحروسة، فالسيناريو المتوقع بدخول بعض الإخوانجية هو حشد الحشود وتجييش الجيوش من أجل قضايا هامشية، فمن الممكن أن يحرك مظاهراتهم كتف عارى لممثلة فى أفيش، ومن الطبيعى والمتوقع أن تكون إستجواباتهم عن فيديو كليب فى فضائية أو قصيدة فى مجلة أو تمثال فى ميدان... إلى آخر هذه التفاهات التى هى شغلهم الشاغل وقضاياهم الوطنية الأثيرة، ولمناقشة هذا الأمر والتدليل عليه بالوقائع، ولإثبات أن مايفعله الإخوان المسلمين ومايقدمونه من وعود هو مجرد تكتيك إنتخابى ولايمثل إستراتيجية فكرية راسخة عند الجماعة،
فهم على سبيل المثال يدعون فى هذه الإنتخابات تسامحهم مع الأقباط ومع المرأة، وهو تسامح تكتيكى إنتهازى لايستطيع إخفاء الوجه القبيح المختفى تحت قناع البراءة، وسأستخدم وثائق وأدبيات جماعة الإخوان لفضح هذا التكتيك ونزع هذا القناع الزائف، فبالنسبة للأقباط ينطلق الإخوان من مبدأ المسيحى الذمى وليس المسيحى المواطن ولأننى كتبت فى هذا الموضوع تفصيلاً فى العدد الماضى سأعرض رأيين للإخوان نستطيع بدون جهد أن نستشف منهما كيف سيتعامل الإخوان مع الأقباط لو تسلموا مقاليد الحكم، الرأى الأول والذى يلخص فلسفة تعامل الإخوان مع الأقباط يتمثل فى الفتوى التى نشرتها مجلة الدعوة فى عدد ديسمبر 1980 بالنسبة لتنظيم بناء الكنائس وكان صاحبها هو الشيخ عبد الله الخطيب عضو مكتب الإرشاد حتى الآن، الفتوى تقول صراحة " البلاد التى فتحها المسلمون عنوة تهدم فيها الكنائس مثل الإسكندرية، والبلاد التى إستحدثها المسلمون مثل العاشر من رمضان والمدن الجديدة عموماً لايجوز فيها بناء كنائس على الإطلاق"!!، أما الرأى الثانى فهو رأى شهير للمرشد السابق مصطفى مشهور نشرته الأهرام ويكلى فى أبريل 1997وهو فتوى بإستبعاد الأقباط من الجيش بشرط دفع الجزية!!.
والموقف من الأقباط لم يستطع الإخوان أن يداروه ويخفوه بإنتهازية سياسية بأن يرشحوا أقباط مثلاً على قائمتهم، لأنها كانت ستصبح كوميديا سوداء لن يصدقها أحد، أما بالنسبة لموقفهم من المرأة فإستطاعوا إرتداء القناع الواقى وعمل نيولوك إخوانجى وقاموا بترشيح نساء على قائمتهم الإنتخابية، ولكن هل هذا موقف تكتيكى أم إستراتيجى؟ نستطيع بسهولة الإجابة على هذا السؤال بالرجوع لأدبيات الإخوان ومجلاتهم وأقوال المرشد العام حسن البنا التى تلخص نظرتهم الدونية للمرأة التى يتعاملون معها كمفرخة لفقس الأطفال وماكينة للتناسل فقط، لنقرأ ونحكم:


• "يعتبر منح المرأة حق الإنتخاب ثورة على الإسلام وثورة على الإنسانية، وكذلك يعتبر إنتخاب المرأة ثورة على الإنسانية بنوعيها لمناقضته لما يجب أن تكون عليه المرأة بحسب تكوينها ومرتبتها فى الوجود، فإنتخاب المرأة سبة فى النساء ونقص ترمى به الأنوثة " مجلة الإخوان المسلمون 5 يوليو 1947.

• "إباحة عضوية البرلمان مطلقاً يتنافى مع خطر الخلوة والإختلاط بالأجانب على النساء، ويتنافى كذلك مع تحريم النظر، ويؤدى إلى كثير من المفاسد... المرأة لاتكون وزيرة ولاعضواً فى البرلمان بحال، فإن من مقتضى إسناد هذه الأعمال إليها الخلوة مع غير ذى المحرم، بل ربما إقتضى ذلك الخلوة مع غير المسلم" حسن البنا فى العدد 19 من مجلة النذير.

• "مايريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الإنتخاب والإشتغال بالمحاماة مردود عليهم بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين " حسن البنا فى حديث الثلاثاء ص 370.

• حين طلب عميد كلية التجارة حمدى بك تعيين أربع طالبات فى وظائف الدولة، إستنكرت مجلتهم النذير وإستعملت الإيحاءات الجنسية فى ردها فقالت فى العدد 20 بتاريخ 15 جمادى الأولى 1358 ص 23 " إن كل واحدة من هؤلاء المتخرجات إذا لم تعثر على الجليل فهى فى وظيفتها لن تعدم الخليل "!!.

• يعقب حسن البنا على طلب الآنسة نعيمة الأيوبى للعمل كمحامية وفاطمه فهمى للتقدم لمدرسة الهندسة بقوله " للمرأة وظيفة فى الحياة وهى المنزل، وليس من النافع أن تشارك الرجال فيما يقومون به من الأعمال " مجلة أفخوان المسلمون العدد 8 ص 19

• "ليست المرأة فى حاجة إلى التبحر فى اللغات المختلفة، وليست فى حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولاً وأخيراً، وليست المرأة فى حاجة إلى التبحر فى دراسة الحقوق والقوانين" حسن البنا كتاب المرأة المسلمة - دار الكتب السلفية.

• يعقب حسن البنا على مشروع دخول البنات جامعة الأزهر بقوله "لايجيز الدين للمرأة ان تكون بين طلبة الأزهر، بل لابد من الفصل بين المتعلمات والمتعلمين فصلاً لايمكن كلا الصنفين من الإتصال بالآخر، حتى ولا فى حدائق المعاهد وأفنيتها".

• يؤكد حسن البنا على أن النقاب هو الأساس فى الإسلام وهاجم شيخ الأزهر الذى أباح كشف الوجه والكفين فقال "كشف وجه المرأة ويديها حرام إلا إذا أمنت الفتنة" حديث الثلاثاء 369.

• يشجع حسن البنا تعدد الزوجات ويقول أنه يقضى على الفقر!!ويستشهد فى حديث الثلاثاء ص 375 بالحديث القائل "جاء رجل إلى النبى صلعم يشكو الفقر فقال له تزوج فتزوج، ثم جاء إليه ثانية يشكو الفقر فقال له تزوج فتزوج، ثم جاء إليه ثالثة يشكو إليه الفقر فقال له تزوج فتزوج، ثم جاء إليه رابعة يشكو الفقر فقال له تزوج فتزوج الرابعة وكانت تحسن الغزل، فعلمت ثلاث النسوة صنع الغزل والنسيج فإنفرجت بذلك ضائقة الرجل وصار من الأغنياء لأنه أصبح مدير مصنع تعمل فيه زوجاته" حسب تعليق البنا، وفى مجلة الإخوان المسلمون العدد 13 لسنة 1944 يقدم مبرراً مدهشاً وعجيباً فيقول "إن خيراً للمرأة وأقرب إلى العدالة الإجتماعية والإنصاف فى المجتمع أن تستمتع كل زوجة بربع رجل أو ثلثه أونصفه من أن تستمتع زوجة واحدة برجل كامل وإلى جانبها واحدة أو إثنتان أو ثلاث لايجدن شيئاً!!.

عندما وجد حسن البنا أن المرأة ستبدأ فى الحصول على بعض المكاسب الإجتماعية، تحدث إلى مجلة النذير العدد 19 بتاريخ 8 جمادى الأولى 1358 هجرية غاضباً وقال "إسمع يامحرر النذير، أحب أن ألفت نظرك ونظر قرائك إلى هذه الأحاديث النبوية الكريمة والنصائح المحمدية الغالية فإن فيها تبصرة وذكرى :1- ماتركت بعدى فتنة هى أضر على الرجال من النساء، 2- الخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، 3- إتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت من النساء ،4- المرأة عورة، فإذا خرجت إستشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها فى قعر بيتها".

**أعتقد أننا بعد قراءة هذا المانيفستو الإخوانى لابد أن نصرخ كما صرخ طارق بن زياد لجنوده "الحزب الوطنى من أمامكم ، والإخوان من وراءكم"، ولنا الله فقد
كتب علينا أن نختار بين نار الحزب الوطنى وجحيم الإخوان.

نقلا عن إيلاف

Wednesday, November 23, 2005

كلمة د. وفاء سلطان في مؤتمر الأقباط

الإخوة الأقباط المشرفون على المؤتمر
السادة الحضور،
أسعد الله أوقاتكم
في البداية اسمحوا لي أن أتقدم بالشكر والامتنان للذين جهدوا لعقد هذا المؤتمر الذي نعلق عليه جل آمالنا والذين شرّفوني بدعوتهم واصرارهم على تواجدي اليوم معهم. وثانيا بالشكر والامتنان لهذا البلد العظيم الذي استضافنا وأحسن الضيافة. واسمحوا لي أن أتقدم بتحية اكبار واجلال لكل جندي أمريكي ولكلّ مواطن عراقي بذل ويبذل دمه ليزرع أول بذرة للحرية والديمقراطية في شرقنا الحبيب.
أيها السادة الحضور
أتساءل وأنا أقف امامكم في هذا المؤتمر وعلى هذه الأرض المقدسة، المقدسة لأنها مهبط حقوق الانسان وليست لأنها مهبط الأنبياء، أتساءل لماذا نحن اليوم هنا؟!!
نحن اليوم هنا لننبش رؤوسنا من الرمال ولنواجه ضوء الحقيقة بعد أن أعمى زيفُ الخرافات والجهل بصيرتنا وعلى مدى أربعة عشر قرنا من الزمن!
لاحريّة مع الجهل ولا عدالة في ظل الخرافات!
عندما يكون الدين مقياسا لإنسانية الانسان، يحدّد حقوقه ويرسم مدى حريّته، لامهرب لك، ستصطدم مع هذا الدين عندما تحاول أن تحلق بعيدا في سماء انسانيّتك وعندما تطالب بحقوقك وبالاستمتاع بحريّتك.
هذا هو حالنا في الشرق الأوسط!
واذا رفضنا أن نواجه تلك الحقيقة في هذا المؤتمر فإننا لن نخرج بنتيجة أفضل من النتائج التي آلت اليها كلّ المؤتمرات.
في شرقنا الأوسط لم تكن ديكتاتوريّة الحاكم اصل المشكلة، بل كانت ديكتاتورية الدين، ولم تزل، اصل كلّ مشكلة. ولا يمكن أن تنبت للحرية بذرة في وسط مازال الدين فيه السيّد المطلق!
عندما اناقش تلك الفكرة مع أيّ مواطن امريكي ينتفض بسرعة البرق ويتراجع رافضا فكرتي، بحجة أن حريّة الدين من ابسط حقوق الانسان ولا يحق لي ان اتطاول على هذا الحق!!
أنا والأمريكي لسنا مختلفين على احترام حرية الدين، ولكن أنا أعرف بأن مفهوم الدين في بلادي يختلف عن مفهوم الدين في بلاده بينما هو لا يعرف.
هو يفهم الدين على أنه مجموعة العقائد التي تنظم العلاقة بين الانسان وربه ولا تتجاوز حدود تلك العلاقة. أما في بلادنا فللدين قرص في كل عرس.
اذا الأزمة اليوم بين الاسلام من جهة والعالم كلّه من جهة هو الاختلاف في مفهومهما للدين. وعلى الجانبين ـ وفي محاولة للقضاء على الارهاب كأكبر مشاكل العصر أن يتفقا ـ على وضع تعريف جديد للدين!
عندما يتفق المسلم وغير المسلم على تعريف الدين سيبدأ المسلم بالتراجع لاعادة النظر في عقائده وتعاليمه.
الاسلام ليس دينا وحسب، بل هو دين ودولة!
في الوقت الذي نطالب فيه باحترام الاسلام كدين، نرفضه وبشدّة كدولة!
لايمكن أن نقيم دولتنا في ظلّ تعاليم تصر على عدم قبول الأخر بل وقتله. الدولة التي ننشدها في شرقنا الأوسط دولة للجميع لا تفرق بين مواطن وآخر إلاّ بمقدار ولائه لوطنه ولإنسانيته!
عندما يتطاول الدين ليبرمج العلاقة بين الانسان واخيه الانسان ضمن اطر صلبة لاتقبل التغيير، لن يكون للانسان ايّ حق ولن يستمتع باية حرية.
في ظلّ أيّة دولة تتبنى العقيدة القائلة: قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ورسوله.. لا يمكن أن تُحترم حقوق الانسان ولا أن تُصان حريّته، لأن تلك العقيدة انتهكت منذ البداية حقّه في أن لا يؤمن بالله! ناهيك عن حقّه في أن لا يؤمن برسوله!
عندما يخرج علينا السيّد جورج بوش بقوله: الاسلام دين تسامح، هو ينطلق من مفهومه للدين بشكل عام وليس من المامه ومعرفته بالتعاليم الاسلاميّة. أنا أعرف بأنّ موقفه كسياسيّ يتطلب منه بعض الدبلوماسية، لكن تكرار تعابير كهذه ومن قائد لأعظم بلد في العالم يقوّض مصداقيّتنا نحن الذين خرجنا على تعاليمنا بعد أن اكتشفنا آثارها السلبيّة على حياتنا وحياة أجيالنا القادمة. هو عندما يفعل ذلك يخرب في لحظة واحدة ما نبنيه نحن العلمانيون في سنين.
أيها السادة الحضور
تعيش الطبقة العلمانيّة والاقليات في الشرق الأوسط اليوم حالة خوف كبير، والطامة الكبرى بأنها تخاف من الديمقراطية نفسها. ظنا منها بأن الديمقراطية تعني حكم الأغلبية والأغلبية تؤمن بشرعيّة القوانين الاسلامية. مسؤوليتنا نحن الذين نعيش في بلدان ديمقراطية ومن وحي تجاربنا الذاتيّة أن نصحح هذا المفهوم القاصر ونطمئن الذين يخافون من الديمقراطيّة بأن الديمقراطيّة فعلا تعني حكم الاغلبيّة، ولكن في ظلّ الديمقراطيّة لاتستطيع ايّة اغلبيّة أن تنتزع من الانسان ايّ حقّ من حقوقه.
في ظل الديمقراطية عندما أكون وامتي على طرفيّ نقيضي، انني أمتلك الحق في أن اغيّرها بنفس المقدار الذي تمتلك فيه الحق بأنّ تغيّرني. وسيكون البقاء حكما للاقوى والاصلح!
في ظلّ الديمقراطيّة أمّة على باطل لاتستطيع أن تغلب امرأة على حقّ.
السيّدة الأمريكيّة روزا باركس التي ودّعها الشعب الأمريكي حزينا باكيا منذ اسبوعين وهي في طريقها الى الله كانت يوما على حقّ وكانت امريكا على باطل.
وقفت في زمن كان السود فيه مواطنين من الدرجة الثانية وصاحت بالرجل الابيض أنا الذي احصل على حقيّ ولا أنتظرك كي تمنحني هذا الحق، رافضة ان تترك له مقعدها في باص للنقل الداخلي.
ذاقت الأمرين اثر تصرّفها هذا، لكنّها في النهاية اعادت رسم خارطة امريكا لتدخل التاريخ من بابه العريض مضيفة الى سجّل ابطاله المدافعين عن حقوق الانسان وحريته اسما جديدا.
للاخوة الاقباط تاريخ طويل من الظلم والاضّطهاد، وعليهم قبل غيرهم أن يدركوا تلك الحقيقة. حقيقة بأن الحق يؤخذ ولا يعطى!
وهذا المؤتمر ان دلّ على شيء انّما يدل على حسن استيعابهم لتلك الحقيقة!
صاحب السلطة لن يتنازل بسهولة عن سلطته. والذي يعاني من ظلم تلك السلطة هو المعني قبل غيره بالنضال لرفع هذا الظلم!
علينا نحن المجتمعين في هذا المؤتمر أن نمتلك الجرأة الكافية لكي نفتح في تاريخنا سجلا جديدا نكتب فيه اسماء المدافعين عن حقوق الانسان وحريته في بلادنا التي ماعرفت يوما تلك الحقوق ولا استمتع انسانها بتلك الحريّة. نحن المعنيّون بتغيير خارطة تلك البلاد.
الأجيال القادمة امانة في أعناقنا، لا نريد أن نورّثها ماورثناه من أحقاد وضغينة رحمة بها وبالعالم أجمع!
الأقليّات، وكما قلت، بما فيهم طبقة العلمانيّين تخاف من الديمقراطيّة وقد نبرر لهم مخاوفهم عندما نسمع الأصوليين الاسلاميين انفسهم اليوم يطالبون بها.
تلك هي اللعبة التي بدأوا يلعبونها اليوم.
لا ضير من ذلك! ليس المهم من يبدأ اللعبة، بل المهم من ينهيها.
هم بدأوها بالديمقراطية التي يظنّون بأنها ستصل بهم الى سدّة الحكم. وعلينا أن ننهي تلك اللعبة، ليس بالاحجام عن الديمقراطيّة، بل بمزيد من الديمقراطية لنسدّ عليهم الطريق للتفرّد بالحكم!
نعم قد تجلب علينا الديمقراطية مشاكلَ، لكنّنا لا نستطيع أن نعالج تلك المشاكل الاّ بالاصرار على المزيد من الديمقراطيّة.
تلك هي قواعد اللعبة، وعلينا أن نجيدها!
أيها السادة الحضور:
لا أستطيع كإمرأة ولدت مسلمة، عاشت وتربّت في بيئة مسلمة الا ان اتطرق في سياق الحديث عن حقوق الانسان وحريّته الى حقوق المرأة وحريتها التي تعتبر المدخل الى كلّ حق آخر.
عندما تحرر المرأة يتحرر الوطن بأكمله.
للحريّة اشكال كثيرة، والشكل الذي يعنيني هنا أكثر من غيره باعتباره بالنسبة اليّ كإمرأة الأهم. هو ان نحررها من المفهوم التي وصمها به الدين كناقصة عقل وحظ وايمان!
لقد وقعت رهينة ذلك المفهوم فصارت تمجّده حتى غدا بالنسبة لها طريقة حياة.
أبشع أنواع العبودية عندما يظنّ العبد نفسه حرا!
المرأة في بلادنا تستنشق من عبوديّتها نسيم حريّتها.
لقد انقلبت عندها المفاهيم وصارت عبوديّتها أعزّ حرياتها!
تصحيح تلك المفاهيم لا يتمّ الا من خلال حكم يفصل بين الدولة والدين ويتبنى مناهج تعليميّة يحدّد صحتها ويبرهن على جودتها العلم وليس الدين.
لا يمكن أن تحرر امرأة جاهلة. العلم هو الطريق الأسلم لتحريرها.
عندما تتعلم بأنهّا قيمة انسانيّة غير ناقصة ستسعى بكلّ جهدها لاثبات تلك القيمة!
كيف ستحرر امرأة تدافع حتى الموت عن حق زوجها في أن يضربها عندما ترفض أن تذهب معه الى الفراش، قبل أن تعلّمها آداب ذلك الفراش والحد الفاصل بين حقه وحقّها؟!!
عندما تتعلم المرأة بأنها قيمة انسانية ستسعى للدفاع عن تلك القيمة. لكن مادامت تسلّم بأنّ الله صنّفها مع الغائط من حيث درجة تدنيسها للرجل بعد اغتساله تهيؤا للصلاة لن تستطيع أن تتجاوز حدود ذلك التصنيف!
عندما نظرت الى السيّدة ساجدة الريشاوي التي كان من المقرر ان تفجّر نفسها مع زوجها داخل فندق راديسون في عمّان، عندما نظرت اليها خفّ غضبي وتنامى لدي احساس بالشفقة. مخلوقة احطت بها تعاليمها الى مستوى البهيمة او ربّما أدنى.
قالوا لها طيعي زوجك كما تطيعين ربّك، وكل ما فعلته لم يخرج عن نطاق تلك الطاعة.
لف زوجها حول خصرها حزاما ناسفا وقال لها اتبعيني، وانا على ثقة لن يصلوا في تحقيقاتهم مع هذه السيدة الى ابعد من ذلك لأنها لاتعرف ابعد من ذلك.
في سياق التحقيقات الاولية قالت لهم: ركبنا سيارة بيضاء من العراق الى الاردن. هذا كل ما اسفر عنه التحقيق الاوليّ ولا أعتقد انّه سيسفر لاحقا عن شيء أهم. غنمة يقودها راعي الى المذبح وهي تتبعه باخلاص وولاء. جاءت لتمارس مع زوجها الارهابي ارهابه بعد أن تأكدت من سلامة غطاء رأسها الذي بموجبه ستدخل جنّة الخلد!
والسؤال كيف سنعيد لتلك المخلوقات انسانيتها، كيف سنعيد لها ملكاتها العقليّة والفكريّة؟
مسؤوليتنا أن نحرر المرأة ليس من عبوديتها وحسب، بل من قناعاتها بأنها حرّة!
مسؤوليتنا اعادة تأهيلها عقليّا وفكريّا واعادة خلقها تربويّا!
اعادة التأهيل لاتتم الا من خلال الكلمة والكتاب.
نحتاج الى نظام تعليمي تربوي لا علاقة لرجل الدين به. نريد استئصال الدين من كلّ كتب التعليم ماقبل الجامعي.
نريد ان نبني عقولا حرّة، عقولا لا تشوّهها خرابيش أكل الزمن عليها وشرب.
نريد ان نبني نفوسا نظيفة، لا مكان للحقد والضغينة فيها.
أيها السادة الحضور.
في دفاعي المستميت عن المرأة لم أعانِ من الرجل كما عانيت من المرأة.
كانت الأسبق الى شتمي وتكفيري والدعاء لقتلي!
ومع هذا يعزّ عليّ أن أتخذ موقفا معاديا لها. هي قضيّتي.. هي صليبي الذي أحمله على ظهري.
لن أعاديها وسأظل خلفها حتى تعي مقدار قيمتها، ولتعلم كلّ النساء في وطني عندما يقف الله ضدّ المرأة سأقف ضدّ الله!
نحن العلمانيون، وكل مخلص لتلك القضية التي نحارب من أجلها اليوم، لسنا قادرين على أن نخوض تلك الحرب الضروس وحدنا. على العالم المتمدّن الحر ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكيّة أن يقف الى جانبنا ويدعمنا بكل قواه كي نصل الى حقوقنا المشروعة والاّ لن يكون النصر حليفنا.
العالم اليوم قرية صغيرة ولا يستطيع الأمريكي أن يكون آمنا في بيته في فلوريدا مالم يكن المصري آمنا في قريته في الصعيد!
لا أمن في بلاد لا تحترم حقّ كلّ انسان بغض النظر عن دينه وعرقه ووطنه!
أمريكا كدولة عظمى معنيّة بمساعدتنا، وأنا كامريكيّة من اصل سوريّ اؤمن حق الايمان بقدرة امريكا وحسن نواياها حيال تلك المهمة!
أشكر مرّة اخرى القائمين على ادارة وإنجاح هذا المؤتمر.
أشكر امريكا البلد المضيف والمضياف.
اشكر السادة الحضور
والنصر لقضايانا!
*******************
نقلا عن موقع : الناقد

لمشاهدة الدكتورة وفاء سلطان وهى تلقى كلمتها فى المؤتمر .. إضغط هنا

كلمة د. وفاء سلطان في مؤتمر الأقباط

الإخوة الأقباط المشرفون على المؤتمر
السادة الحضور،
أسعد الله أوقاتكم
في البداية اسمحوا لي أن أتقدم بالشكر والامتنان للذين جهدوا لعقد هذا المؤتمر الذي نعلق عليه جل آمالنا والذين شرّفوني بدعوتهم واصرارهم على تواجدي اليوم معهم. وثانيا بالشكر والامتنان لهذا البلد العظيم الذي استضافنا وأحسن الضيافة. واسمحوا لي أن أتقدم بتحية اكبار واجلال لكل جندي أمريكي ولكلّ مواطن عراقي بذل ويبذل دمه ليزرع أول بذرة للحرية والديمقراطية في شرقنا الحبيب.
أيها السادة الحضور
أتساءل وأنا أقف امامكم في هذا المؤتمر وعلى هذه الأرض المقدسة، المقدسة لأنها مهبط حقوق الانسان وليست لأنها مهبط الأنبياء، أتساءل لماذا نحن اليوم هنا؟!!
نحن اليوم هنا لننبش رؤوسنا من الرمال ولنواجه ضوء الحقيقة بعد أن أعمى زيفُ الخرافات والجهل بصيرتنا وعلى مدى أربعة عشر قرنا من الزمن!
لاحريّة مع الجهل ولا عدالة في ظل الخرافات!
عندما يكون الدين مقياسا لإنسانية الانسان، يحدّد حقوقه ويرسم مدى حريّته، لامهرب لك، ستصطدم مع هذا الدين عندما تحاول أن تحلق بعيدا في سماء انسانيّتك وعندما تطالب بحقوقك وبالاستمتاع بحريّتك.
هذا هو حالنا في الشرق الأوسط!
واذا رفضنا أن نواجه تلك الحقيقة في هذا المؤتمر فإننا لن نخرج بنتيجة أفضل من النتائج التي آلت اليها كلّ المؤتمرات.
في شرقنا الأوسط لم تكن ديكتاتوريّة الحاكم اصل المشكلة، بل كانت ديكتاتورية الدين، ولم تزل، اصل كلّ مشكلة. ولا يمكن أن تنبت للحرية بذرة في وسط مازال الدين فيه السيّد المطلق!
عندما اناقش تلك الفكرة مع أيّ مواطن امريكي ينتفض بسرعة البرق ويتراجع رافضا فكرتي، بحجة أن حريّة الدين من ابسط حقوق الانسان ولا يحق لي ان اتطاول على هذا الحق!!
أنا والأمريكي لسنا مختلفين على احترام حرية الدين، ولكن أنا أعرف بأن مفهوم الدين في بلادي يختلف عن مفهوم الدين في بلاده بينما هو لا يعرف.
هو يفهم الدين على أنه مجموعة العقائد التي تنظم العلاقة بين الانسان وربه ولا تتجاوز حدود تلك العلاقة. أما في بلادنا فللدين قرص في كل عرس.
اذا الأزمة اليوم بين الاسلام من جهة والعالم كلّه من جهة هو الاختلاف في مفهومهما للدين. وعلى الجانبين ـ وفي محاولة للقضاء على الارهاب كأكبر مشاكل العصر أن يتفقا ـ على وضع تعريف جديد للدين!
عندما يتفق المسلم وغير المسلم على تعريف الدين سيبدأ المسلم بالتراجع لاعادة النظر في عقائده وتعاليمه.
الاسلام ليس دينا وحسب، بل هو دين ودولة!
في الوقت الذي نطالب فيه باحترام الاسلام كدين، نرفضه وبشدّة كدولة!
لايمكن أن نقيم دولتنا في ظلّ تعاليم تصر على عدم قبول الأخر بل وقتله. الدولة التي ننشدها في شرقنا الأوسط دولة للجميع لا تفرق بين مواطن وآخر إلاّ بمقدار ولائه لوطنه ولإنسانيته!
عندما يتطاول الدين ليبرمج العلاقة بين الانسان واخيه الانسان ضمن اطر صلبة لاتقبل التغيير، لن يكون للانسان ايّ حق ولن يستمتع باية حرية.
في ظلّ أيّة دولة تتبنى العقيدة القائلة: قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ورسوله.. لا يمكن أن تُحترم حقوق الانسان ولا أن تُصان حريّته، لأن تلك العقيدة انتهكت منذ البداية حقّه في أن لا يؤمن بالله! ناهيك عن حقّه في أن لا يؤمن برسوله!
عندما يخرج علينا السيّد جورج بوش بقوله: الاسلام دين تسامح، هو ينطلق من مفهومه للدين بشكل عام وليس من المامه ومعرفته بالتعاليم الاسلاميّة. أنا أعرف بأنّ موقفه كسياسيّ يتطلب منه بعض الدبلوماسية، لكن تكرار تعابير كهذه ومن قائد لأعظم بلد في العالم يقوّض مصداقيّتنا نحن الذين خرجنا على تعاليمنا بعد أن اكتشفنا آثارها السلبيّة على حياتنا وحياة أجيالنا القادمة. هو عندما يفعل ذلك يخرب في لحظة واحدة ما نبنيه نحن العلمانيون في سنين.
أيها السادة الحضور
تعيش الطبقة العلمانيّة والاقليات في الشرق الأوسط اليوم حالة خوف كبير، والطامة الكبرى بأنها تخاف من الديمقراطية نفسها. ظنا منها بأن الديمقراطية تعني حكم الأغلبية والأغلبية تؤمن بشرعيّة القوانين الاسلامية. مسؤوليتنا نحن الذين نعيش في بلدان ديمقراطية ومن وحي تجاربنا الذاتيّة أن نصحح هذا المفهوم القاصر ونطمئن الذين يخافون من الديمقراطيّة بأن الديمقراطيّة فعلا تعني حكم الاغلبيّة، ولكن في ظلّ الديمقراطيّة لاتستطيع ايّة اغلبيّة أن تنتزع من الانسان ايّ حقّ من حقوقه.
في ظل الديمقراطية عندما أكون وامتي على طرفيّ نقيضي، انني أمتلك الحق في أن اغيّرها بنفس المقدار الذي تمتلك فيه الحق بأنّ تغيّرني. وسيكون البقاء حكما للاقوى والاصلح!
في ظلّ الديمقراطيّة أمّة على باطل لاتستطيع أن تغلب امرأة على حقّ.
السيّدة الأمريكيّة روزا باركس التي ودّعها الشعب الأمريكي حزينا باكيا منذ اسبوعين وهي في طريقها الى الله كانت يوما على حقّ وكانت امريكا على باطل.
وقفت في زمن كان السود فيه مواطنين من الدرجة الثانية وصاحت بالرجل الابيض أنا الذي احصل على حقيّ ولا أنتظرك كي تمنحني هذا الحق، رافضة ان تترك له مقعدها في باص للنقل الداخلي.
ذاقت الأمرين اثر تصرّفها هذا، لكنّها في النهاية اعادت رسم خارطة امريكا لتدخل التاريخ من بابه العريض مضيفة الى سجّل ابطاله المدافعين عن حقوق الانسان وحريته اسما جديدا.
للاخوة الاقباط تاريخ طويل من الظلم والاضّطهاد، وعليهم قبل غيرهم أن يدركوا تلك الحقيقة. حقيقة بأن الحق يؤخذ ولا يعطى!
وهذا المؤتمر ان دلّ على شيء انّما يدل على حسن استيعابهم لتلك الحقيقة!
صاحب السلطة لن يتنازل بسهولة عن سلطته. والذي يعاني من ظلم تلك السلطة هو المعني قبل غيره بالنضال لرفع هذا الظلم!
علينا نحن المجتمعين في هذا المؤتمر أن نمتلك الجرأة الكافية لكي نفتح في تاريخنا سجلا جديدا نكتب فيه اسماء المدافعين عن حقوق الانسان وحريته في بلادنا التي ماعرفت يوما تلك الحقوق ولا استمتع انسانها بتلك الحريّة. نحن المعنيّون بتغيير خارطة تلك البلاد.
الأجيال القادمة امانة في أعناقنا، لا نريد أن نورّثها ماورثناه من أحقاد وضغينة رحمة بها وبالعالم أجمع!
الأقليّات، وكما قلت، بما فيهم طبقة العلمانيّين تخاف من الديمقراطيّة وقد نبرر لهم مخاوفهم عندما نسمع الأصوليين الاسلاميين انفسهم اليوم يطالبون بها.
تلك هي اللعبة التي بدأوا يلعبونها اليوم.
لا ضير من ذلك! ليس المهم من يبدأ اللعبة، بل المهم من ينهيها.
هم بدأوها بالديمقراطية التي يظنّون بأنها ستصل بهم الى سدّة الحكم. وعلينا أن ننهي تلك اللعبة، ليس بالاحجام عن الديمقراطيّة، بل بمزيد من الديمقراطية لنسدّ عليهم الطريق للتفرّد بالحكم!
نعم قد تجلب علينا الديمقراطية مشاكلَ، لكنّنا لا نستطيع أن نعالج تلك المشاكل الاّ بالاصرار على المزيد من الديمقراطيّة.
تلك هي قواعد اللعبة، وعلينا أن نجيدها!
أيها السادة الحضور:
لا أستطيع كإمرأة ولدت مسلمة، عاشت وتربّت في بيئة مسلمة الا ان اتطرق في سياق الحديث عن حقوق الانسان وحريّته الى حقوق المرأة وحريتها التي تعتبر المدخل الى كلّ حق آخر.
عندما تحرر المرأة يتحرر الوطن بأكمله.
للحريّة اشكال كثيرة، والشكل الذي يعنيني هنا أكثر من غيره باعتباره بالنسبة اليّ كإمرأة الأهم. هو ان نحررها من المفهوم التي وصمها به الدين كناقصة عقل وحظ وايمان!
لقد وقعت رهينة ذلك المفهوم فصارت تمجّده حتى غدا بالنسبة لها طريقة حياة.
أبشع أنواع العبودية عندما يظنّ العبد نفسه حرا!
المرأة في بلادنا تستنشق من عبوديّتها نسيم حريّتها.
لقد انقلبت عندها المفاهيم وصارت عبوديّتها أعزّ حرياتها!
تصحيح تلك المفاهيم لا يتمّ الا من خلال حكم يفصل بين الدولة والدين ويتبنى مناهج تعليميّة يحدّد صحتها ويبرهن على جودتها العلم وليس الدين.
لا يمكن أن تحرر امرأة جاهلة. العلم هو الطريق الأسلم لتحريرها.
عندما تتعلم بأنهّا قيمة انسانيّة غير ناقصة ستسعى بكلّ جهدها لاثبات تلك القيمة!
كيف ستحرر امرأة تدافع حتى الموت عن حق زوجها في أن يضربها عندما ترفض أن تذهب معه الى الفراش، قبل أن تعلّمها آداب ذلك الفراش والحد الفاصل بين حقه وحقّها؟!!
عندما تتعلم المرأة بأنها قيمة انسانية ستسعى للدفاع عن تلك القيمة. لكن مادامت تسلّم بأنّ الله صنّفها مع الغائط من حيث درجة تدنيسها للرجل بعد اغتساله تهيؤا للصلاة لن تستطيع أن تتجاوز حدود ذلك التصنيف!
عندما نظرت الى السيّدة ساجدة الريشاوي التي كان من المقرر ان تفجّر نفسها مع زوجها داخل فندق راديسون في عمّان، عندما نظرت اليها خفّ غضبي وتنامى لدي احساس بالشفقة. مخلوقة احطت بها تعاليمها الى مستوى البهيمة او ربّما أدنى.
قالوا لها طيعي زوجك كما تطيعين ربّك، وكل ما فعلته لم يخرج عن نطاق تلك الطاعة.
لف زوجها حول خصرها حزاما ناسفا وقال لها اتبعيني، وانا على ثقة لن يصلوا في تحقيقاتهم مع هذه السيدة الى ابعد من ذلك لأنها لاتعرف ابعد من ذلك.
في سياق التحقيقات الاولية قالت لهم: ركبنا سيارة بيضاء من العراق الى الاردن. هذا كل ما اسفر عنه التحقيق الاوليّ ولا أعتقد انّه سيسفر لاحقا عن شيء أهم. غنمة يقودها راعي الى المذبح وهي تتبعه باخلاص وولاء. جاءت لتمارس مع زوجها الارهابي ارهابه بعد أن تأكدت من سلامة غطاء رأسها الذي بموجبه ستدخل جنّة الخلد!
والسؤال كيف سنعيد لتلك المخلوقات انسانيتها، كيف سنعيد لها ملكاتها العقليّة والفكريّة؟
مسؤوليتنا أن نحرر المرأة ليس من عبوديتها وحسب، بل من قناعاتها بأنها حرّة!
مسؤوليتنا اعادة تأهيلها عقليّا وفكريّا واعادة خلقها تربويّا!
اعادة التأهيل لاتتم الا من خلال الكلمة والكتاب.
نحتاج الى نظام تعليمي تربوي لا علاقة لرجل الدين به. نريد استئصال الدين من كلّ كتب التعليم ماقبل الجامعي.
نريد ان نبني عقولا حرّة، عقولا لا تشوّهها خرابيش أكل الزمن عليها وشرب.
نريد ان نبني نفوسا نظيفة، لا مكان للحقد والضغينة فيها.
أيها السادة الحضور.
في دفاعي المستميت عن المرأة لم أعانِ من الرجل كما عانيت من المرأة.
كانت الأسبق الى شتمي وتكفيري والدعاء لقتلي!
ومع هذا يعزّ عليّ أن أتخذ موقفا معاديا لها. هي قضيّتي.. هي صليبي الذي أحمله على ظهري.
لن أعاديها وسأظل خلفها حتى تعي مقدار قيمتها، ولتعلم كلّ النساء في وطني عندما يقف الله ضدّ المرأة سأقف ضدّ الله!
نحن العلمانيون، وكل مخلص لتلك القضية التي نحارب من أجلها اليوم، لسنا قادرين على أن نخوض تلك الحرب الضروس وحدنا. على العالم المتمدّن الحر ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكيّة أن يقف الى جانبنا ويدعمنا بكل قواه كي نصل الى حقوقنا المشروعة والاّ لن يكون النصر حليفنا.
العالم اليوم قرية صغيرة ولا يستطيع الأمريكي أن يكون آمنا في بيته في فلوريدا مالم يكن المصري آمنا في قريته في الصعيد!
لا أمن في بلاد لا تحترم حقّ كلّ انسان بغض النظر عن دينه وعرقه ووطنه!
أمريكا كدولة عظمى معنيّة بمساعدتنا، وأنا كامريكيّة من اصل سوريّ اؤمن حق الايمان بقدرة امريكا وحسن نواياها حيال تلك المهمة!
أشكر مرّة اخرى القائمين على ادارة وإنجاح هذا المؤتمر.
أشكر امريكا البلد المضيف والمضياف.
اشكر السادة الحضور
والنصر لقضايانا!
*******************
نقلا عن موقع : الناقد

لمشاهدة الدكتورة وفاء سلطان وهى تلقى كلمتها فى المؤتمر .. إضغط هنا

Sunday, November 20, 2005

وإجتزت الإمتحان ... بنجاح


جزى الله الشدائد كل خير ..
وإن جرعننى غصصا بريقى .
وما مدحى لها حبا ولكن ..
عرفت بها
عدوى من صديقى ! .
تمر المصائب والمحن على الإنسان ، فإما أن تضعفه وتلين من قناته ، وإما أن تدعمه وتذيد من صلابة ذاته ، وفى كل الأحوال تضعه أمام إختبار قاس وعسير ، إما أن ينجح فى إجتيازه ، وإما أن يخفق ويمنى فى ذالك بذريع الفشل ، وهى فى ذات الوقت تضع من حوله أمام إختبار آخر يصنفون - بالنسبة اليه - بعد إجتيازه الى عدو أو صديق .
ولقد ساعدتنى المحنة التى جابهتها أخيرا على أن أفتح عينى على حقائق جديدة لم أكن أدركها قبل ذالك ، دعمت من موقفى ، وشدت من أزرى ، وجعلتنى أشد ثقة فى نفسى ، وأشد صلابة فى الدفاع عن رأيي - الحر- حتى وإن خالف مافرضه أهل الأرض - قاطبة - على أنفسهم ، ولقد ساعدتنى هذه المحنة فى الكشف عن بعض سرائر من حولى ، وأعطتنى القدرة على التمييز بين
العدو والصديق ، وبين الشامت والمتعاطف ، وبين المخلص والمنافق ، من آحاد الناس الذين تربطنى - أو لا تربطنى - بهم صلات وروابط .
لقد جعلتنى هذه المحنة أقيم ذاتى لأول مرة فى حياتى ، وأحكم لصالحها بإنصاف تام ودون أدنى قدر من الكبر أو التحيز ، بأنها إجتازت الإمتحان بنجاح ، بل بتفوق ، لقد نجح هذا الذى يسكن بين جنباتى فى إيصال رسالته بقوة ، وماقسوة المحنة إلا دليل على وصول الرسالة ، بل وتغلغلها فى عقول مستقبليها ، وإستفزازها لرواسب الماضى المتخلفة داخل هذه العقول ، والتى لم تستطع مواجهة هذه الأفكار الجريئة ، فما كان منها إلا أن صوبت ردة فعلها نحو مصدر هذه الأفكار ... وكان ما كان ! .
إنه كلما إستفز الفكر مشاعر الناس كلما كان ذالك دالا على تمكنه من عقولهم ، وكلما كان رد فعلهم نحوه قاسيا كلما دل ذالك على أنه فى الطريق نحو إقناعهم ، فلقد حكم على سقراط بالموت مسموما .. ولا يزال أثره باقيا بيننا حتى يومنا هذا ، ولقد قام الغوغاء بسحل جسد هيباثيا فى شوارع مدينتى ( الإسكندرية ) ولا يزال ذكرها يتردد على ألسنة الكثيرين منا ، ولقد غدر أرباب الفكر بالمتطرف بالمفكر الشجاع صاحب العقل المستنير الدكتور فرج فودة ، ولا تزال كتاباته المحاربة للفكر الظلامى تسرى فى العقول المتفتحة يوما بعد يوم كسريان الماء فى الأرض الجدباء ... وهلم جرا .
لقد نجحت ، ويكفينى فخرا أننى نجحت ، نجحت فى إثارة المياه الراكدة منذ أربعة عشر قرنا من الزمان ، نجحت فى إجتياز الأسلاك الشائكة التى وضعت على العقل العربى منذ القرن السادس الميلادى ، يكفينى فخرا أننى جعلت الناس يعيدون النظر فى المسلمات التى وجدوا أنفسهم ملزمين بالخضوع لها دون تفكير أو روية ، لقد منحتهم الفرصة كى يقرأوا النص المتمرد على العرف السائد ، أهديتهم الممنوع الذى يتحرقون شوقا ورغبة للإطلاع عليه ، وضعتهم على رأس طريق التحرر من الأفكار المهلكة التى أكل الزمان عليها وشرب .
لم أتضايق عندما إنتقلت من سجن مصر الكبير إلى سجن مزرعة طرة الصغير ، ولم أتألم كون حرية جسدى فى الحركة تم تقييدها داخل حيز صغير ، وإنما كل ما آلمنى وضايقنى أن ما حدث لى منذ لحظة إعتقالى حتى وقت إطلاقى تم بغير إرادتى ودون أدنى رغبة منى ، ضايقنى أن دخلت السجن الصغير بجرة قلم من مسئول فى وزارة الداخلية ، وبعد أن بذلت جهدا نفسيا مضاعفا للتكيف مع وضعى الجديد وبدأت أعتاد عليه ، إذا بالطامة الكبرى تحل فوق رأسى عندما تم نقلى إلى السجن الكبير بجرة قلم من وزير الداخلية ، شعرت حينها أن أمرى فى تلك الفترة لم يكن بيدى وآلمنى أن تحولت فى تلك الفترة إلى مجرد خاتم فى أصبع غيرى يحركنى كيفما يشاء دون إستشارتى أو الإطلاع على رأيي .
أنا لم أسجن ، فعقلى كان ولا يزال حرا من كافة القيود المادية والنفسية التى لم تستطع أن تمسه بسوء ، وإذا كان جسدى قد سجن فهذا ليس بجديد ، كل مافى الأمر أننى إنتقلت من سجن كبير إلى زنزانة تأديب ضيقة لأننى خرجت عن النص الذى تم إلزام سبعين مليون سجين مصرى به مخالفا بذالك العرف السائد داخل سجن جمهورية مصر العربية الكبير ! .
لقد إكتشفت حريتى خلف الأسوار عندما الفيت عقلى يتحرك دون قيود متحررا من كافة الضغوط التى كان يجابهها خارج هذا المكان ، لقد كانت تجربة مثيرة ، خرجت منها أشد صلابة وقوة وأكثر إيمانا بذاتى وبقدرتى على تحدى الأقدار والتمرد على المسلمات وإعلان الحرب على الثوابت والتغيير نحو ما أراه أفضل .
فظيع جدا أن يسلب إنسان حريته بسبب رأى له أو معتقد ، ولكن .. جميل جدا أن يكون إعتقاله هذا حافزا له للثبات على مبدأه ودافعا له للتحدى والتمسك بما يراه صحيحا حتى وإن خالف عرف ومعتقدات السواد الأعظم من الناس داخل حدود مجتمعه ، حيث لا يصح فى النهاية سوى ما كان صحيحا ، ولا يبقى إلا من يستأهل البقاء .
عبدالكريم نبيل سليمان
20 / 11 / 2005
الإسكندرية / مصر