Thursday, March 30, 2006

حرية الفرد فى مناخ قمعى

لم تعد " حرية الفرد " تندرج تحت قائمة قضايا الترف الفكرى أو الأمور ذات الأهمية الثانوية - كما كان البعض يعتقد - بل أصبحت ضرورة ملحة تفرض نفسها على واقع الحياة فى ظل الظروف السيئة التى يمر بها العالم هذه الأيام ، والتى يلعب القمع وكبت الحريات دورا كبيرا فى تعقيدها وإستفحال خطرها .
فالإنسان ليس كائنا نمطيّاً كغيره من الأحياء ، وإن كانت الغرائز والسلوكيات العامة توحى بشىء من هذا القبيل ، إلا أن الأفكار التى تديرها وتنتجها العقول البشرية تؤكد عكس ذالك تماما ، إذ أن العقول البشرية تكتسب كل يوم مذيدا من المعرفة فى إتجاهات شتى ، تصنع الفرد ذو الثقافة المتباينة عن ثقافة الآخر داخل المجتمع الإنسانى الكبير ، مما يجعل من كل إنسان يعيش على ظهر هذه الأرض مرجعاً مستقلاً لتاريخ البشرية خلال المدة التى قضاها على قيد الحياة .
وتكتسب حرية الفرد أهميتها من كونها أداة فعالة لبناء الشخصية الناضجة ، فهى تساعد على خلق الإنسان القادر على التعامل مع مختلف الأمور - القديم منها والمستجد - على كافة الأصعدة ، فتمنحه سعة الأفق التى تجعله مؤهلا عن جدارة للعب دور حيوى وفعال فى بناء نهضة مجتمعه والإعلاء من شأنه وتطويره نحو مايراه أفضل .
وإن كان الضد بالضد يذكر ، فإن قمع هذه الحرية أو كبتها يؤدى بالضرورة إلى نتائج عكسية تماما ، فهو - أى القمع - يعمل على ظهور أجيال معقدة فى تكوينها النفسى ومتأخرة فى نضجها العقلى ومستسلمة تماما لنا يفرض عليها من ظروف وأوضاع غير لائقة ، بل إن القمع يجعلها تتعامل مع واقعها المر بإعتباره أمرا جد طبيعى ، وواقعا غير قابل للمقاومة أو التغيير ، كما يؤدى القمع إلى الحيلولة دون بروز المواهب الإبداعية للأفراد فى المجالات المختلفة ، ويعود هذا إلى إنزواء المبدعين وإيثارهم الإبتعاد عن كل ما قد يضعهم فى مواجهة مع المجتمع الشمولى أو السلطة القمعية ، مما يؤدى إلى إضمحلال مواهبهم وضمورها أو إضطرارهم للهجرة وترك البلاد طلبا لظروف معيشية أفضل تتوافر لهم فيها كافة الإمكانيات التى تساعدهم على إستغلال مواهبهم فى أعمال إبداعية خلاقة فيما يعرف تحت مسمى " هجرة العقول المتميزة " .
وإذا كان ماسبق تناوله هو الأثر الذى يخلفه القمع على حياة الفرد الشخصية داخل المجتمع الإنسانى ، فإن مايتركه القمع من أثر على المجتمعات التى يمارس عليها هو من قبيل النتيجة المجمعة لتأثير القمع على مجموع الأفراد المنتمين إلى هذا المجتمع ، فكلما ذاد القمع فى مجتمع ما قلت نسبة ظهور الأفكار الإبداعية فى كافة المجالات بهذا المجتمع مما يترتب عليه إنخفاض حاد فى المنتج الإبداعى ، وهو الأمر الذى سيؤدى بالضرورة إلى إعتماد هذا المجتمع على غيره لسد النقص الحاد فى هذه المجالات ، الأمر الذى سيؤدى إلى تدهور الحالة الإقتصادية لهذا الكيان الإجتماعى ، الأمر الذى سيترتب عليه الكثير من الأوضاع المؤسفة التى تعمل على ترسيخ فكرة سلب الحرية وتبرير القمع داخل المجتمع .
كما أن القمع - فى حد ذاته - يعمل على طبع أفراد المجتمع بصفات السلبية واللامبالاة والتى تجعلهم يحجمون عن لعب أى دور فى بناء مستقبل أمتهم ، وينظرون إلى قضاياهم المصيرية نظرة إستخفاف وإستهتار ، فيضعون فى مقدمة إهتماماتهم قضايا أخرى ثانوية ويسقطون من حسابهم قضية إشراكهم فى صنع القرار أو أعتمادهم أعضاءاً مشاركين فى بناء نهضة مجتمعهم .
وكما أن للقمع مضار على المستوى المادى ، سواء فى المجال الإقتصادى أو الإجتماعى أو السياسى ، إلا أن أشد آثاره خطورة ما يترك بصمته على الجانب العقلى أو الفكرى ، فالمجتمعات المقموع أفرادها تمثل تربة خصبة لنمو الأفكار الرجعية المتخلفة وظهور التيارات الدينية المتطرفة ، فنجدها تنتشر بين أفرادها الخرافات والدجل والشعوذة والإعتماد على التأويلات الغيبية والماورائية فى تفسير أى قضية عادية ، كما أنها تعد منبتا صالحا لجماعات التطرف الدينى التى تنتهج العنف وسيلة لتحقيق أغراضها ، ولا يخفى على المراقب أن المناطق التى ظهرت فيها هذه الجماعات يخضع أغلبها - إن لم يكن كلها - لنظم حكم قمعية ديكتاتورية ، مما يجعل الكثيرون منا يعتقدون أنها ليست سوى إفرازات طبيعية لتلك الأنظمة التى بدا فى الآونة الأخيرة أنها أصبحت تستفيد من وجود هذه الجماعات على الساحة لصالحها بوضعها كفزاعات تخيف بها دعاة التغيير والإصلاح وتضعهم أما خيارين أحلاهما مر : إما تقبل الحكم القمعى ، أو الإستسلام لسيطرة جماعات العنف والتطرف الدينى .
وتتعدد مظاهر القمع فى المجتمعات التى تسيطر عليها نظم الحكم الديكتاتورية ، وتتنوع فى بلاد الشرق الأوسط - كنموذج معاش - والتى تحولت إلى مرتع خصب لكل ما يمكن لعقل الإنسان أن يتخيله من مظاهر قمع وتقييد للحريات ووضع للقيود على كاهل الإنسان وسلب حريته وتحويله إلى عبد للمجتمع والنظام ، فإلى جانب أساليب القمع التقليدية التى تمارس منذ قديم الأزل كالتعذيب والسجن والتهديد بالقتل وخلافه ، فإن التطور اللامسبوق فى مجال المعلومات والإتصالات والذى وضع الأنظمة الديكتاتورية فى مأزق لم تكن تأخذه فى الحسبان ، حدا بها إلى محاولة إيجاد وسائل للسيطرة على هذا المد المتنامى والذى ينتقص بصورة دائمة من قدرتها على بسط هيمنتها فوق كافة الأمور داخل بلادها ، فسعت بعض الحكومات إلى فرض رقابة صارمة على متصفحى الإنترنت داخل حدودها تحظر بموجبها عليهم تصفح مواقع بعينها عن طريق حجبها داخل البلاد ومنع مواطنيها من الوصول إليها ، كما تسعى أحيانا إلى قمع ومعاقبة من لديهم أفكار ووجهات نظر تتعارض مع التوجهات الرسمية أو المعتقدات السائدة داخل البلاد ممن يدلون بآرائهم تلك عبر بعض مواقع الشبكة الإلكترونية والأمثلة على ذالك كثيرة ، فمنذ عدة أعوام إعتقل " شهدى نجيب سرور " نجل الأديب والشاعر المصرى اليسارى الراحل " نجيب سرور " عقب أن نشر إحدى قصائد والده اللاذعة فى النقد السياسى على أحد مواقع الإنترنت ، وعوقب بالسجن لعدة أعوام .
وفى نهاية شهر تشرين الأول ( أكتوبر ) من العام الماضى إعتقل كاتب هذه السطور على خلفية مقال نشره على بعض مواقع الإنترنت ينتقد فيه سلوك المتظاهرين الذين أشعلوا أحداث محرم بك الطائفية بمدينة الإسكندرية بين المسلمين والمسيحيين ، حيث رأت بعض الجهات الرسمية فى هذا المقال تجاوزا لخطوطها الحمراء ، وهو أمر لا تزال تواجه به حرية التعبير - مع الأسف الشديد فى مجتمعاتنا ، وبعد الإفراج عنه بعدة أشهر تم تحويله بإيعاز من السلطات الأمنية فى بلاده إلى مجلس تأديب فى الجامعة التى كان يدرس بها ( جامعة الأزهر ) ترتب عليه فصله منها فصلا نهائيا وتحويل أوراق التحقيق معه إلى النيابة العامة ، وهو أمر إن دل على شىء فإنما يدل على المدى الذى بلغه التغلغل المخيف لثقافة القمع الفكرى داخل مجتمعاتنا ، حيث أن السلطة تستغل المد الدينى داخل المجتمعات الشرقية لإكساب قمعها لذوى الرؤى والتوجهات العلمانية أو الليبرالية قدرا من الشرعية لن تحصل عليه - بالطبع - إن كان من يتعرض للقمع من ذوى التوجهات الأصولية الإسلامية والتى تحظى بدعم منقطع النظير من قاعدة شعبية عريضة داخل مجتمعاتنا الشرق أوسطية .
إن القمع لا يمكن أن تمارسه السلطة بمفردها ، إنها فى أمس الحاجة لدعم جهات أخرى ، لكن المفارقة هى أنها تستمد هذا الدعم من الجهة المقموعة وهى القطاع الشعبى العريض ، إن هذه الجماهير المخدرة تساعد حكوماتها دون أن تدرى فى قمعها تارة بتمسكها المبالغ فيه بتقاليدها المتوارثة وتارة بإستغلال الدين ، وهما مصدرا الثقافة الرئيسيان لدى هذه الشعوب ، فهى تقمع معارضيها ممن يمتلكون وجهات نظر تتعارض مع تلك التقاليد أو التعاليم الدينية مستمدة من القاعدة الشعبية العريضة التى خدرها الدين وغيبتها هذه التقاليد عن واقع الحياة قدرا من التأييد الذى يستغل فى إضفاء قدر من الشرعية على هذه السياسات القمعية .
فالخطر الذى نخشاه على حرية الفرد ليس مجرد وجود حكومات ديكتاتورية تنتهج القمع وسيلة للتعامل مع شعوبها ، إنه أمر أعمق من ذالك بكثير ، إنه مايوجد فى أعماق الكثيرين منا من ميل إلى تقبل السلطة والنظام الديكتاتوريين وعبادة الفرد والإنتظام بين صفوف القطيع البشرى المقود على غير هدى منه إلى المكان الذى يحدده القائد أو الحاكم الديكتاتور .
إن حرية الفرد لن تنبت فى وسط يشجع على القمع ويعلى من شأن الإستبداد ، سواء كان ذالك إعتمادا على خلفية دينية ، أم بإتباع الموروثات والتقاليد التى يزعم البعض أنها تدخل فى إطار الخوصيات الثقافية لمجتمعات بعينها ، فقد بات تحرير الفرد من سيطرة السلطة القمعية والمجتمع الشمولى أمرا ملحا ومطلبا هاما يترتب عليه الكثير من النتائج الحاسمة لمستقبل الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء ، خصوصا بعد أن أفرزت بعض نظم الحكم القمعية فى كثير من مناطق العالم جماعات دينية متطرفة ، تنتهج العنف وسيلة لتحقيق مآربها والوصول إلى غاياتها وهو الأمر الذى بدأت ملامحه تتضح جيدا بعد الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها مدينتى نيويورك وواشنطن قبل عدة أعوام ، وماتشهده العراق وبعض بؤر الأحداث الساخنة من أحداث عنف دامية يذهب ضحيتها آلاف الأبرياء على يد معتنقى أفكار هذه الجماعات والتى وجدت لدى نظم الحكم القمعية بيئة مواتية لنموها ودعمها وإستمراريتها .
إن حصول الفرد على حريته هو الضمانة الأساسية لمحو هذه الأفكار تماما من الوجود ، ذالك أن حرية الفرد تحمل فى مضمونها عدم تعدى الفرد على حرية غيره حتى لا يتحول الأمر إلى فوضى ، وهو مايعمل على تحجيم هذه الأفكار التى تقوم على تقييد الحريات وإجبار الناس على الدوران داخل إطار فكرى وحياتى محدد لهم مسبقا يحظر عليهم تجاوزه والخروج عن خطوطه الحمراء وإلا واجهوا ما لا تحمد عقباه .
إن " حرية الفرد " تعمل على بناء مجتمع سليم البنى ، يمتلك أفراده خيارات عديدة وحلولا متنوعة لكل مشكلة من مشاكلهم ، فتعدد وجهات النظر فى المشكلة الواحدة سيؤدى فى المجتمعات التى تقدس الحرية إلى نهضتها وعلو شأنها ، ذالك أنه سوف يتاح لها إستغلال أفضل الحلول للتصدى لكل مشكلة تواجهها ، خلافا لما هو سائد فى المجتمعات الشمولية المتخلفة التى تعتمد الرأى الواحد ولا تأبه بالرأى المختلف لأنها لا تؤمن أساسا بثقافة الإختلاف وتعد كل صاحب وجهة نظر مغايرة مارقا أو مرتدا ينبغى معاقبته وقمعه وإجباره على خلع أفكاره وإعلان توبته وتراجعه عن وجهات نظره وآرائه .

حرية الفرد فى مناخ قمعى

لم تعد " حرية الفرد " تندرج تحت قائمة قضايا الترف الفكرى أو الأمور ذات الأهمية الثانوية - كما كان البعض يعتقد - بل أصبحت ضرورة ملحة تفرض نفسها على واقع الحياة فى ظل الظروف السيئة التى يمر بها العالم هذه الأيام ، والتى يلعب القمع وكبت الحريات دورا كبيرا فى تعقيدها وإستفحال خطرها .
فالإنسان ليس كائنا نمطيّاً كغيره من الأحياء ، وإن كانت الغرائز والسلوكيات العامة توحى بشىء من هذا القبيل ، إلا أن الأفكار التى تديرها وتنتجها العقول البشرية تؤكد عكس ذالك تماما ، إذ أن العقول البشرية تكتسب كل يوم مذيدا من المعرفة فى إتجاهات شتى ، تصنع الفرد ذو الثقافة المتباينة عن ثقافة الآخر داخل المجتمع الإنسانى الكبير ، مما يجعل من كل إنسان يعيش على ظهر هذه الأرض مرجعاً مستقلاً لتاريخ البشرية خلال المدة التى قضاها على قيد الحياة .
وتكتسب حرية الفرد أهميتها من كونها أداة فعالة لبناء الشخصية الناضجة ، فهى تساعد على خلق الإنسان القادر على التعامل مع مختلف الأمور - القديم منها والمستجد - على كافة الأصعدة ، فتمنحه سعة الأفق التى تجعله مؤهلا عن جدارة للعب دور حيوى وفعال فى بناء نهضة مجتمعه والإعلاء من شأنه وتطويره نحو مايراه أفضل .
وإن كان الضد بالضد يذكر ، فإن قمع هذه الحرية أو كبتها يؤدى بالضرورة إلى نتائج عكسية تماما ، فهو - أى القمع - يعمل على ظهور أجيال معقدة فى تكوينها النفسى ومتأخرة فى نضجها العقلى ومستسلمة تماما لنا يفرض عليها من ظروف وأوضاع غير لائقة ، بل إن القمع يجعلها تتعامل مع واقعها المر بإعتباره أمرا جد طبيعى ، وواقعا غير قابل للمقاومة أو التغيير ، كما يؤدى القمع إلى الحيلولة دون بروز المواهب الإبداعية للأفراد فى المجالات المختلفة ، ويعود هذا إلى إنزواء المبدعين وإيثارهم الإبتعاد عن كل ما قد يضعهم فى مواجهة مع المجتمع الشمولى أو السلطة القمعية ، مما يؤدى إلى إضمحلال مواهبهم وضمورها أو إضطرارهم للهجرة وترك البلاد طلبا لظروف معيشية أفضل تتوافر لهم فيها كافة الإمكانيات التى تساعدهم على إستغلال مواهبهم فى أعمال إبداعية خلاقة فيما يعرف تحت مسمى " هجرة العقول المتميزة " .
وإذا كان ماسبق تناوله هو الأثر الذى يخلفه القمع على حياة الفرد الشخصية داخل المجتمع الإنسانى ، فإن مايتركه القمع من أثر على المجتمعات التى يمارس عليها هو من قبيل النتيجة المجمعة لتأثير القمع على مجموع الأفراد المنتمين إلى هذا المجتمع ، فكلما ذاد القمع فى مجتمع ما قلت نسبة ظهور الأفكار الإبداعية فى كافة المجالات بهذا المجتمع مما يترتب عليه إنخفاض حاد فى المنتج الإبداعى ، وهو الأمر الذى سيؤدى بالضرورة إلى إعتماد هذا المجتمع على غيره لسد النقص الحاد فى هذه المجالات ، الأمر الذى سيؤدى إلى تدهور الحالة الإقتصادية لهذا الكيان الإجتماعى ، الأمر الذى سيترتب عليه الكثير من الأوضاع المؤسفة التى تعمل على ترسيخ فكرة سلب الحرية وتبرير القمع داخل المجتمع .
كما أن القمع - فى حد ذاته - يعمل على طبع أفراد المجتمع بصفات السلبية واللامبالاة والتى تجعلهم يحجمون عن لعب أى دور فى بناء مستقبل أمتهم ، وينظرون إلى قضاياهم المصيرية نظرة إستخفاف وإستهتار ، فيضعون فى مقدمة إهتماماتهم قضايا أخرى ثانوية ويسقطون من حسابهم قضية إشراكهم فى صنع القرار أو أعتمادهم أعضاءاً مشاركين فى بناء نهضة مجتمعهم .
وكما أن للقمع مضار على المستوى المادى ، سواء فى المجال الإقتصادى أو الإجتماعى أو السياسى ، إلا أن أشد آثاره خطورة ما يترك بصمته على الجانب العقلى أو الفكرى ، فالمجتمعات المقموع أفرادها تمثل تربة خصبة لنمو الأفكار الرجعية المتخلفة وظهور التيارات الدينية المتطرفة ، فنجدها تنتشر بين أفرادها الخرافات والدجل والشعوذة والإعتماد على التأويلات الغيبية والماورائية فى تفسير أى قضية عادية ، كما أنها تعد منبتا صالحا لجماعات التطرف الدينى التى تنتهج العنف وسيلة لتحقيق أغراضها ، ولا يخفى على المراقب أن المناطق التى ظهرت فيها هذه الجماعات يخضع أغلبها - إن لم يكن كلها - لنظم حكم قمعية ديكتاتورية ، مما يجعل الكثيرون منا يعتقدون أنها ليست سوى إفرازات طبيعية لتلك الأنظمة التى بدا فى الآونة الأخيرة أنها أصبحت تستفيد من وجود هذه الجماعات على الساحة لصالحها بوضعها كفزاعات تخيف بها دعاة التغيير والإصلاح وتضعهم أما خيارين أحلاهما مر : إما تقبل الحكم القمعى ، أو الإستسلام لسيطرة جماعات العنف والتطرف الدينى .
وتتعدد مظاهر القمع فى المجتمعات التى تسيطر عليها نظم الحكم الديكتاتورية ، وتتنوع فى بلاد الشرق الأوسط - كنموذج معاش - والتى تحولت إلى مرتع خصب لكل ما يمكن لعقل الإنسان أن يتخيله من مظاهر قمع وتقييد للحريات ووضع للقيود على كاهل الإنسان وسلب حريته وتحويله إلى عبد للمجتمع والنظام ، فإلى جانب أساليب القمع التقليدية التى تمارس منذ قديم الأزل كالتعذيب والسجن والتهديد بالقتل وخلافه ، فإن التطور اللامسبوق فى مجال المعلومات والإتصالات والذى وضع الأنظمة الديكتاتورية فى مأزق لم تكن تأخذه فى الحسبان ، حدا بها إلى محاولة إيجاد وسائل للسيطرة على هذا المد المتنامى والذى ينتقص بصورة دائمة من قدرتها على بسط هيمنتها فوق كافة الأمور داخل بلادها ، فسعت بعض الحكومات إلى فرض رقابة صارمة على متصفحى الإنترنت داخل حدودها تحظر بموجبها عليهم تصفح مواقع بعينها عن طريق حجبها داخل البلاد ومنع مواطنيها من الوصول إليها ، كما تسعى أحيانا إلى قمع ومعاقبة من لديهم أفكار ووجهات نظر تتعارض مع التوجهات الرسمية أو المعتقدات السائدة داخل البلاد ممن يدلون بآرائهم تلك عبر بعض مواقع الشبكة الإلكترونية والأمثلة على ذالك كثيرة ، فمنذ عدة أعوام إعتقل " شهدى نجيب سرور " نجل الأديب والشاعر المصرى اليسارى الراحل " نجيب سرور " عقب أن نشر إحدى قصائد والده اللاذعة فى النقد السياسى على أحد مواقع الإنترنت ، وعوقب بالسجن لعدة أعوام .
وفى نهاية شهر تشرين الأول ( أكتوبر ) من العام الماضى إعتقل كاتب هذه السطور على خلفية مقال نشره على بعض مواقع الإنترنت ينتقد فيه سلوك المتظاهرين الذين أشعلوا أحداث محرم بك الطائفية بمدينة الإسكندرية بين المسلمين والمسيحيين ، حيث رأت بعض الجهات الرسمية فى هذا المقال تجاوزا لخطوطها الحمراء ، وهو أمر لا تزال تواجه به حرية التعبير - مع الأسف الشديد فى مجتمعاتنا ، وبعد الإفراج عنه بعدة أشهر تم تحويله بإيعاز من السلطات الأمنية فى بلاده إلى مجلس تأديب فى الجامعة التى كان يدرس بها ( جامعة الأزهر ) ترتب عليه فصله منها فصلا نهائيا وتحويل أوراق التحقيق معه إلى النيابة العامة ، وهو أمر إن دل على شىء فإنما يدل على المدى الذى بلغه التغلغل المخيف لثقافة القمع الفكرى داخل مجتمعاتنا ، حيث أن السلطة تستغل المد الدينى داخل المجتمعات الشرقية لإكساب قمعها لذوى الرؤى والتوجهات العلمانية أو الليبرالية قدرا من الشرعية لن تحصل عليه - بالطبع - إن كان من يتعرض للقمع من ذوى التوجهات الأصولية الإسلامية والتى تحظى بدعم منقطع النظير من قاعدة شعبية عريضة داخل مجتمعاتنا الشرق أوسطية .
إن القمع لا يمكن أن تمارسه السلطة بمفردها ، إنها فى أمس الحاجة لدعم جهات أخرى ، لكن المفارقة هى أنها تستمد هذا الدعم من الجهة المقموعة وهى القطاع الشعبى العريض ، إن هذه الجماهير المخدرة تساعد حكوماتها دون أن تدرى فى قمعها تارة بتمسكها المبالغ فيه بتقاليدها المتوارثة وتارة بإستغلال الدين ، وهما مصدرا الثقافة الرئيسيان لدى هذه الشعوب ، فهى تقمع معارضيها ممن يمتلكون وجهات نظر تتعارض مع تلك التقاليد أو التعاليم الدينية مستمدة من القاعدة الشعبية العريضة التى خدرها الدين وغيبتها هذه التقاليد عن واقع الحياة قدرا من التأييد الذى يستغل فى إضفاء قدر من الشرعية على هذه السياسات القمعية .
فالخطر الذى نخشاه على حرية الفرد ليس مجرد وجود حكومات ديكتاتورية تنتهج القمع وسيلة للتعامل مع شعوبها ، إنه أمر أعمق من ذالك بكثير ، إنه مايوجد فى أعماق الكثيرين منا من ميل إلى تقبل السلطة والنظام الديكتاتوريين وعبادة الفرد والإنتظام بين صفوف القطيع البشرى المقود على غير هدى منه إلى المكان الذى يحدده القائد أو الحاكم الديكتاتور .
إن حرية الفرد لن تنبت فى وسط يشجع على القمع ويعلى من شأن الإستبداد ، سواء كان ذالك إعتمادا على خلفية دينية ، أم بإتباع الموروثات والتقاليد التى يزعم البعض أنها تدخل فى إطار الخوصيات الثقافية لمجتمعات بعينها ، فقد بات تحرير الفرد من سيطرة السلطة القمعية والمجتمع الشمولى أمرا ملحا ومطلبا هاما يترتب عليه الكثير من النتائج الحاسمة لمستقبل الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء ، خصوصا بعد أن أفرزت بعض نظم الحكم القمعية فى كثير من مناطق العالم جماعات دينية متطرفة ، تنتهج العنف وسيلة لتحقيق مآربها والوصول إلى غاياتها وهو الأمر الذى بدأت ملامحه تتضح جيدا بعد الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها مدينتى نيويورك وواشنطن قبل عدة أعوام ، وماتشهده العراق وبعض بؤر الأحداث الساخنة من أحداث عنف دامية يذهب ضحيتها آلاف الأبرياء على يد معتنقى أفكار هذه الجماعات والتى وجدت لدى نظم الحكم القمعية بيئة مواتية لنموها ودعمها وإستمراريتها .
إن حصول الفرد على حريته هو الضمانة الأساسية لمحو هذه الأفكار تماما من الوجود ، ذالك أن حرية الفرد تحمل فى مضمونها عدم تعدى الفرد على حرية غيره حتى لا يتحول الأمر إلى فوضى ، وهو مايعمل على تحجيم هذه الأفكار التى تقوم على تقييد الحريات وإجبار الناس على الدوران داخل إطار فكرى وحياتى محدد لهم مسبقا يحظر عليهم تجاوزه والخروج عن خطوطه الحمراء وإلا واجهوا ما لا تحمد عقباه .
إن " حرية الفرد " تعمل على بناء مجتمع سليم البنى ، يمتلك أفراده خيارات عديدة وحلولا متنوعة لكل مشكلة من مشاكلهم ، فتعدد وجهات النظر فى المشكلة الواحدة سيؤدى فى المجتمعات التى تقدس الحرية إلى نهضتها وعلو شأنها ، ذالك أنه سوف يتاح لها إستغلال أفضل الحلول للتصدى لكل مشكلة تواجهها ، خلافا لما هو سائد فى المجتمعات الشمولية المتخلفة التى تعتمد الرأى الواحد ولا تأبه بالرأى المختلف لأنها لا تؤمن أساسا بثقافة الإختلاف وتعد كل صاحب وجهة نظر مغايرة مارقا أو مرتدا ينبغى معاقبته وقمعه وإجباره على خلع أفكاره وإعلان توبته وتراجعه عن وجهات نظره وآرائه .

Friday, March 17, 2006

وحطمت القيود الأزهرية !

وصلنى خطابهم بالأمس ، كنت على أحر من الجمر أنتظره ، على الرغم من أننى أدركت محتواه وفحواه قبل أن يصلنى ومن قبل أن يفض غلافه ، ففصلى من جامعة الأزهر كان أمرا حتميا لا مفر منه ، ومطلب لى قبل أن يكون قرارا لهم ، لأن مواجهتى معهم ومع أفكارهم المنحرفة كان أمرا متوقعا لى منذ فترة ليست بالقصيرة ، وقد حدث ما كنت أتوقعه ! .
لست أول من يفصل منها بسبب أنه يفكر ، كما أننى لست آخر من سيتعرض لذالك لذات الأمر ، فقد تعرض الكثيرون من طلابها ممن كان لديهم وجهات نظر مغايرة للسائد فيها على مر تاريخها للفصل منها ، أذكر من بينهم عميد الأدب العربى الراحل الدكتور طه حسين ، والمفكر السعودى الراحل عبدالله القصيمى ، والمفكر المستنير وأحد أهم رواد تيار القرآنيين الإسلامى وأستاذ التاريخ السابق بالجامعة الدكتور أحمد صبحى منصور ... والقائمة لا ولن تنتهى مابقيت جامعة الأزهر على أرض مصر بفكرها المتحجر الرافض لكل محاولات الإصلاح والتجديد .
وإن كان من شر البلية ما يضحك فلقد حدث موقف طريف ومحزن لأحد طلبة الجامعة ممن كانوا يدرسون الطب فيها فى عقد الثمانينيات من القرن الماضى ، كان هذا الطالب يعانى من إختلال هورمونى دفعه لإجراء جراحة تغيير للجنس ليتحول إلى أنثى ، ليفاجىء بالجامعة ترفض إستئناف دراسته فيها وتصدر قرارها بفصله منها بصورة نهائية !! .
ليس هناك مايدعونى للحزن من تلقى هذا القرار على الإطلاق ، فأنا لم أفصل من الجامعة بقرار من مجلس التأديب ، ولكننى تركتها بقرار صادر من داخلى ، ولكنى أخرت تنفيذه حتى الوقت المناسب ، ولو كنت أرغب فى مواصلة دراستى بها لتم لى ما أردت بالتحول الجذرى المُستسهَلُ للغاية فى مجتمعنا المزدوج من الصراحة والشفافية إلى النفاق ووطىء الذات والهروب من الحقيقة ، كان كل هذا متاحا فى ظل مناخ يشجع على الكذب والنفاق ويعلى من شأن الحياة السرية والعيش داخل الغرز وجحور الفئران ، ولكننى تسائلت بينى وبين ذاتى : هل سأسعد إذا ربحت العالم بما فيه وخسرت نفسى ؟؟! ، كيف سأبدو لنفسى إن أرضيت العالم بأسره على حسابها ؟؟أ ، ووجدتنى تلقائيا أضع علامة الصواب أمام خيارى الحقيقى ... وليذهب كل من يريدنى على هواه إلى قعر الجحيم ! .
لست حزينا ! ، وهل يكتئب الإنسان ويحزن عندما يحوز حريته مرة أخرى ، لقد إكتشفت أثناء التحقيق معى ولأول مرة أن كونى طالبا فى جامعة الأزهر يعنى أننى عبد مملوك لها ، هكذا ودون أية مبالغة ، وجدت قانون تنظيم الأزهر ولائحته الداخلية تقيد طلاب الأزهر داخله وخارجه وتحظر عليهم التعبير عن آرائهم خارج إطار الخطوط الحمراء المرسومة لهم .
هل أحزن لأننى إستعدت حريتى ؟؟ ، هل يكتئب العبد عندما ينجح فى إنتزاع حريته قسرا من قبضة من كان يعد نفسه سيدا عليه ؟؟ ، هل يبكى من ينتصر على الظلم والإستعباد وتقييد العقول ؟؟ ، لقد إنتزعتها إنتزاعا من بين أيديهم وكانوا يساوموننى عليها ، كانوا ينتظروننى أن أنكر وأن أتنصل من نسبة آرائى الحرة الجريئة لشخصى ، كان ينتظرون ولادة شخصيتى الثانية أثناء عملية التحقيق ، ولكن هيهات هيهات لما كانوا ينتظرونه منى !! .
إنها سجن طلابى ، أجبرت على الإلتحاق بها قسرا دون أن يكون لدى أدنى رغبة فى ذالك ودون أن تتاح لى الفرصة للفكاك منها والهروب إلى أى مكان آخر ، هل من المعقول أن تنتابنى مشاعر الحزن لأننى نجحت فى تحطيم قيودها والفكاك منها ؟! .
إنها جامعة عنصرية ، بكل ماتحمله كلمة العنصرية من معانى ، كثيرا مايعيب علمائها ومشايخها على دول الغرب التى بلغت فى إحترام حقوق الإنسان شأنا عظيما أنها كانت فى مرحلة ما من تاريخها تنتهج التمييز العنصرى بحق مواطنيها ، أفلا يبادر أصحاب هذه العمائم الخاوية من العقول بإخراج القذى من أعينهم قبل أن يعيبوا على غيرهم أنهم كانوا مثلهم قبل عقود وقرون ؟؟!! .
إنها جامعة عنصرية ، على الرغم من كونها جامعة أهلية ، تعتمد على أموال دافعى الضرائب المصريين مسلمين ومسيحيين فى تمويلها ، ثم لا تقبل غير المسلمين من مموليها طلابا فيها ... أليست تعد بذالك جامعة عنصرية ؟؟!! .
جامعة تفصل فى الدراسة بين طلابها وطالباتها ، كل فى كليات منفصلة عن الأخرى ، بل وتحرِّمُ على طالباتها دراسة بعض التخصصات التى تجعلها حكرا على طلابها ... أليست جامعة عنصرية ؟؟!! .
لا حاجة لى إلى هذه الجامعة ، فلست على إستعداد للمجازفة بسمعتى وتحمل عارها أبد الدهر إن قبلت مواصلة الدراسة فيها عندما خيرت بينها وبين تركها وتخرجت منها .
وإن كان ثمة شىء أذكره للجامعة من فضل علىَّ ، فهو أنها أطلعتنى على حقيقتها التى لم يكن يتسنى لى معرفتها دون أن أدرس فيها ، أدخلتنى إلى معامل غسيل المخ وتفريخ مشاريع القنابل التى تمشى على رجلين من خلال تحويل طفل برىء طاهر النفس إلى مستنقع آسن تفوح منه رائحة الكراهية والعنف ونبذ الآخر بعد قضاء بضعة أعوام بين جدرانها .
إنها الساحرة التى حدثتنى عنها أمى الغالية وفاء سلطان فى أحد مقالاتها ، والتى قد تحول الإنسان إلى غول وحشى مفترس ، وتعجز فى المقابل عن إعادته لطبيعته كإنسان مرة أخرى .
إلى الهاوية أيتها الجامعة العنصرية ... وهنيئا لك مزيدا من الحرية يامن تسكن بين جنباتى ! .
كريم عامر

وحطمت القيود الأزهرية !

وصلنى خطابهم بالأمس ، كنت على أحر من الجمر أنتظره ، على الرغم من أننى أدركت محتواه وفحواه قبل أن يصلنى ومن قبل أن يفض غلافه ، ففصلى من جامعة الأزهر كان أمرا حتميا لا مفر منه ، ومطلب لى قبل أن يكون قرارا لهم ، لأن مواجهتى معهم ومع أفكارهم المنحرفة كان أمرا متوقعا لى منذ فترة ليست بالقصيرة ، وقد حدث ما كنت أتوقعه ! .
لست أول من يفصل منها بسبب أنه يفكر ، كما أننى لست آخر من سيتعرض لذالك لذات الأمر ، فقد تعرض الكثيرون من طلابها ممن كان لديهم وجهات نظر مغايرة للسائد فيها على مر تاريخها للفصل منها ، أذكر من بينهم عميد الأدب العربى الراحل الدكتور طه حسين ، والمفكر السعودى الراحل عبدالله القصيمى ، والمفكر المستنير وأحد أهم رواد تيار القرآنيين الإسلامى وأستاذ التاريخ السابق بالجامعة الدكتور أحمد صبحى منصور ... والقائمة لا ولن تنتهى مابقيت جامعة الأزهر على أرض مصر بفكرها المتحجر الرافض لكل محاولات الإصلاح والتجديد .
وإن كان من شر البلية ما يضحك فلقد حدث موقف طريف ومحزن لأحد طلبة الجامعة ممن كانوا يدرسون الطب فيها فى عقد الثمانينيات من القرن الماضى ، كان هذا الطالب يعانى من إختلال هورمونى دفعه لإجراء جراحة تغيير للجنس ليتحول إلى أنثى ، ليفاجىء بالجامعة ترفض إستئناف دراسته فيها وتصدر قرارها بفصله منها بصورة نهائية !! .
ليس هناك مايدعونى للحزن من تلقى هذا القرار على الإطلاق ، فأنا لم أفصل من الجامعة بقرار من مجلس التأديب ، ولكننى تركتها بقرار صادر من داخلى ، ولكنى أخرت تنفيذه حتى الوقت المناسب ، ولو كنت أرغب فى مواصلة دراستى بها لتم لى ما أردت بالتحول الجذرى المُستسهَلُ للغاية فى مجتمعنا المزدوج من الصراحة والشفافية إلى النفاق ووطىء الذات والهروب من الحقيقة ، كان كل هذا متاحا فى ظل مناخ يشجع على الكذب والنفاق ويعلى من شأن الحياة السرية والعيش داخل الغرز وجحور الفئران ، ولكننى تسائلت بينى وبين ذاتى : هل سأسعد إذا ربحت العالم بما فيه وخسرت نفسى ؟؟! ، كيف سأبدو لنفسى إن أرضيت العالم بأسره على حسابها ؟؟أ ، ووجدتنى تلقائيا أضع علامة الصواب أمام خيارى الحقيقى ... وليذهب كل من يريدنى على هواه إلى قعر الجحيم ! .
لست حزينا ! ، وهل يكتئب الإنسان ويحزن عندما يحوز حريته مرة أخرى ، لقد إكتشفت أثناء التحقيق معى ولأول مرة أن كونى طالبا فى جامعة الأزهر يعنى أننى عبد مملوك لها ، هكذا ودون أية مبالغة ، وجدت قانون تنظيم الأزهر ولائحته الداخلية تقيد طلاب الأزهر داخله وخارجه وتحظر عليهم التعبير عن آرائهم خارج إطار الخطوط الحمراء المرسومة لهم .
هل أحزن لأننى إستعدت حريتى ؟؟ ، هل يكتئب العبد عندما ينجح فى إنتزاع حريته قسرا من قبضة من كان يعد نفسه سيدا عليه ؟؟ ، هل يبكى من ينتصر على الظلم والإستعباد وتقييد العقول ؟؟ ، لقد إنتزعتها إنتزاعا من بين أيديهم وكانوا يساوموننى عليها ، كانوا ينتظروننى أن أنكر وأن أتنصل من نسبة آرائى الحرة الجريئة لشخصى ، كان ينتظرون ولادة شخصيتى الثانية أثناء عملية التحقيق ، ولكن هيهات هيهات لما كانوا ينتظرونه منى !! .
إنها سجن طلابى ، أجبرت على الإلتحاق بها قسرا دون أن يكون لدى أدنى رغبة فى ذالك ودون أن تتاح لى الفرصة للفكاك منها والهروب إلى أى مكان آخر ، هل من المعقول أن تنتابنى مشاعر الحزن لأننى نجحت فى تحطيم قيودها والفكاك منها ؟! .
إنها جامعة عنصرية ، بكل ماتحمله كلمة العنصرية من معانى ، كثيرا مايعيب علمائها ومشايخها على دول الغرب التى بلغت فى إحترام حقوق الإنسان شأنا عظيما أنها كانت فى مرحلة ما من تاريخها تنتهج التمييز العنصرى بحق مواطنيها ، أفلا يبادر أصحاب هذه العمائم الخاوية من العقول بإخراج القذى من أعينهم قبل أن يعيبوا على غيرهم أنهم كانوا مثلهم قبل عقود وقرون ؟؟!! .
إنها جامعة عنصرية ، على الرغم من كونها جامعة أهلية ، تعتمد على أموال دافعى الضرائب المصريين مسلمين ومسيحيين فى تمويلها ، ثم لا تقبل غير المسلمين من مموليها طلابا فيها ... أليست تعد بذالك جامعة عنصرية ؟؟!! .
جامعة تفصل فى الدراسة بين طلابها وطالباتها ، كل فى كليات منفصلة عن الأخرى ، بل وتحرِّمُ على طالباتها دراسة بعض التخصصات التى تجعلها حكرا على طلابها ... أليست جامعة عنصرية ؟؟!! .
لا حاجة لى إلى هذه الجامعة ، فلست على إستعداد للمجازفة بسمعتى وتحمل عارها أبد الدهر إن قبلت مواصلة الدراسة فيها عندما خيرت بينها وبين تركها وتخرجت منها .
وإن كان ثمة شىء أذكره للجامعة من فضل علىَّ ، فهو أنها أطلعتنى على حقيقتها التى لم يكن يتسنى لى معرفتها دون أن أدرس فيها ، أدخلتنى إلى معامل غسيل المخ وتفريخ مشاريع القنابل التى تمشى على رجلين من خلال تحويل طفل برىء طاهر النفس إلى مستنقع آسن تفوح منه رائحة الكراهية والعنف ونبذ الآخر بعد قضاء بضعة أعوام بين جدرانها .
إنها الساحرة التى حدثتنى عنها أمى الغالية وفاء سلطان فى أحد مقالاتها ، والتى قد تحول الإنسان إلى غول وحشى مفترس ، وتعجز فى المقابل عن إعادته لطبيعته كإنسان مرة أخرى .
إلى الهاوية أيتها الجامعة العنصرية ... وهنيئا لك مزيدا من الحرية يامن تسكن بين جنباتى ! .
كريم عامر

Wednesday, March 15, 2006

وقائع محكمة تفتيش أزهرية

ذهبت بالأمس الى كليتى بمدينة " دمنهور " لحضور مجلس التأديب الذى حولت إليه بسبب بعض آرائى ومقالاتى التى أنشرها فى بعض الفضاءات الإلكترونية ، كان بصحبتى الأستاذ " ممدوح نخلة المحامى " مدير مركز الكلمة لحقوق الإنسان ، والأستاذ " ريمون يوسف " الصحفى والكاتب بموقع " الأقباط متحدون " ، ذهبنا الى الكلية فى موعدنا المحدد فى الحادية عشرة صباحا ، وبمجرد أن ولجنا من الباب وأبرزنا بطاقات تعريفنا تحولت الكلية إلى خلية نحل " أمنية " حيث لم يكن أحد منهم يتوقع حضور أحد من منظمات حقوق الإنسان معى فى التحقيق ، وحاولوا منع الأستاذ " ممدوح نخلة " من الدخول إلا أننى رفضت حضور المجلس إلا بصحبته ، وبالطبع سبب لهم موقفى هذا بلبلة شديدة دفعتهم إلى عقد مجلس للكلية لمناقشة هذا الوضع المستجد ، ولم يبدأ مجلس التأديب فى التحقيق معى إلا فى تمام الثانية والنصف .

تراوحت الإتهامات الموجهة إلى بين إزدراء الدين الإسلامى والإلحاد وسب وقذف شيخ الأزهر وبعض أساتذة جامعة الأزهر ( بكل بساطة تحول النقد إلى جريمة سب وقذف ، وتحول إنتقاد التعاليم الإرهابية إلى الحاد وإزدراء للأديان ) ، لم أحاول نفى نسبة المقالات التى أخذوها كأدلة لإتهامى إلى ، بل أصررت وبشدة على أنها من نتاجى الشخصى على الرغم من أنهم كانوا يحذروننى من أن إعترافى هذا قد يجر على العديد من المسؤليات ، إلا أننى فضلت أن أظهر بوجهى الحقيقى بعيدا عن الأقنعة الزائفة التى نصحنى بعض أصدقائى بإرتدائها لإتقاء شر ما يمكن أن يحدث لى .
نتيجة التحقيق لم تصلنى حتى وقت كتابة هذه السطور ، وإن كان من الواضح تماما أن فصلى من الجامعة أضحى أمرا حتميا لا مفر منه ، لأننى إكتشفت أثناء التحقيق معى ( وللمرة الأولى ) أن جامعة الأزهر لا تقيد طلابها داخل حدود أسوارها فقط ، بل فى كل مكان يذهبون إليه ، فهى تحظر عليهم ( وهذا أمر لا مبالغة فيه ) مجرد التفكير فى أى شىء مخالف للدين الإسلامى ، ومن يرتكب جريمة التفكير ( التفكير تحول الى جريمة ) يعاقب بالفصل من الجامعة .
بالطبع رفضت كعادتى التوقيع على أقوالى ، ليس خوفا أو جبنا ، وإنما لأننى لا أعترف أساسا بشرعية مجلس التأديب هذا الذى تحول إلى محكمة تفتيشية على الأفكار والمعتقدات ، كما أننى لم أرد أن أخلط بين الواقع المر الذى أرفض التعامل معه ، وبين كتابتى فى هذه الأماكن الإفتراضية التى أعطتنى الفرصة لكى أثبت وجودى فى الحياة عن طريق التعبير عن رأيي بالكتابة التى أرى أنها أكثر من حرية ... إنها حياة .

ماحدث لم يهز منى شعرة ، ولم يجعلنى أفكر فى التراجع عن موقفى ، بل جعلنى أشد ثباتا وأكثر قوة وصلابة على عكس ما كان هؤلاء المغرضون يرمون اليه من وراء ذالك ، فقد جعلتنى المواقف الأخيرة التى تعرضت لها أكتشف نفسى مرة أخرى وأعرف نفسى بأننى إنسان صلب ولكن ذو أفكار مرنه ، فليفعلوا مايشاؤن بى فلن أحيد عن مواقفى تلك طرفة عين حتى وإن كان الثمن غاليا .
الأزهر وبقية المؤسسات الدينية القمعية إلى زوال ، مثلها مثل السلطة الكنسية فى العصور الوسطى المظلمة ، أزال ظلمتها نور العلم الذى أضاءه علماء ومفكرو أوروبا ، ولن يبقى الظلام أبدا طالما حل النور ، فسيرحل هذا العفن عن عالمنا ... ولكن المسألة تحتاج إلى قليل من الصبر والتفكير ... والصلابة والثبات على المبدأ .
كريم عامر

وقائع محكمة تفتيش أزهرية

ذهبت بالأمس الى كليتى بمدينة " دمنهور " لحضور مجلس التأديب الذى حولت إليه بسبب بعض آرائى ومقالاتى التى أنشرها فى بعض الفضاءات الإلكترونية ، كان بصحبتى الأستاذ " ممدوح نخلة المحامى " مدير مركز الكلمة لحقوق الإنسان ، والأستاذ " ريمون يوسف " الصحفى والكاتب بموقع " الأقباط متحدون " ، ذهبنا الى الكلية فى موعدنا المحدد فى الحادية عشرة صباحا ، وبمجرد أن ولجنا من الباب وأبرزنا بطاقات تعريفنا تحولت الكلية إلى خلية نحل " أمنية " حيث لم يكن أحد منهم يتوقع حضور أحد من منظمات حقوق الإنسان معى فى التحقيق ، وحاولوا منع الأستاذ " ممدوح نخلة " من الدخول إلا أننى رفضت حضور المجلس إلا بصحبته ، وبالطبع سبب لهم موقفى هذا بلبلة شديدة دفعتهم إلى عقد مجلس للكلية لمناقشة هذا الوضع المستجد ، ولم يبدأ مجلس التأديب فى التحقيق معى إلا فى تمام الثانية والنصف .

تراوحت الإتهامات الموجهة إلى بين إزدراء الدين الإسلامى والإلحاد وسب وقذف شيخ الأزهر وبعض أساتذة جامعة الأزهر ( بكل بساطة تحول النقد إلى جريمة سب وقذف ، وتحول إنتقاد التعاليم الإرهابية إلى الحاد وإزدراء للأديان ) ، لم أحاول نفى نسبة المقالات التى أخذوها كأدلة لإتهامى إلى ، بل أصررت وبشدة على أنها من نتاجى الشخصى على الرغم من أنهم كانوا يحذروننى من أن إعترافى هذا قد يجر على العديد من المسؤليات ، إلا أننى فضلت أن أظهر بوجهى الحقيقى بعيدا عن الأقنعة الزائفة التى نصحنى بعض أصدقائى بإرتدائها لإتقاء شر ما يمكن أن يحدث لى .
نتيجة التحقيق لم تصلنى حتى وقت كتابة هذه السطور ، وإن كان من الواضح تماما أن فصلى من الجامعة أضحى أمرا حتميا لا مفر منه ، لأننى إكتشفت أثناء التحقيق معى ( وللمرة الأولى ) أن جامعة الأزهر لا تقيد طلابها داخل حدود أسوارها فقط ، بل فى كل مكان يذهبون إليه ، فهى تحظر عليهم ( وهذا أمر لا مبالغة فيه ) مجرد التفكير فى أى شىء مخالف للدين الإسلامى ، ومن يرتكب جريمة التفكير ( التفكير تحول الى جريمة ) يعاقب بالفصل من الجامعة .
بالطبع رفضت كعادتى التوقيع على أقوالى ، ليس خوفا أو جبنا ، وإنما لأننى لا أعترف أساسا بشرعية مجلس التأديب هذا الذى تحول إلى محكمة تفتيشية على الأفكار والمعتقدات ، كما أننى لم أرد أن أخلط بين الواقع المر الذى أرفض التعامل معه ، وبين كتابتى فى هذه الأماكن الإفتراضية التى أعطتنى الفرصة لكى أثبت وجودى فى الحياة عن طريق التعبير عن رأيي بالكتابة التى أرى أنها أكثر من حرية ... إنها حياة .

ماحدث لم يهز منى شعرة ، ولم يجعلنى أفكر فى التراجع عن موقفى ، بل جعلنى أشد ثباتا وأكثر قوة وصلابة على عكس ما كان هؤلاء المغرضون يرمون اليه من وراء ذالك ، فقد جعلتنى المواقف الأخيرة التى تعرضت لها أكتشف نفسى مرة أخرى وأعرف نفسى بأننى إنسان صلب ولكن ذو أفكار مرنه ، فليفعلوا مايشاؤن بى فلن أحيد عن مواقفى تلك طرفة عين حتى وإن كان الثمن غاليا .
الأزهر وبقية المؤسسات الدينية القمعية إلى زوال ، مثلها مثل السلطة الكنسية فى العصور الوسطى المظلمة ، أزال ظلمتها نور العلم الذى أضاءه علماء ومفكرو أوروبا ، ولن يبقى الظلام أبدا طالما حل النور ، فسيرحل هذا العفن عن عالمنا ... ولكن المسألة تحتاج إلى قليل من الصبر والتفكير ... والصلابة والثبات على المبدأ .
كريم عامر

Monday, March 6, 2006

مجلس تأديب ... أم محكمة تفتيش ؟؟!!!

بين الحين والحين ، تطل علينا جامعة الأزهر بوجهها الحقيقى المنفر ، وتعلن بوقاحة المتناهية عن حقيقتها المخجلة المؤسفة ، بإعتبارها مركزا عالميا لنشر الفكر الرجعى الهدام المتطرف ، وجبهة أساسية من جبهات مقاومة الحريات المدنية وعلى رأسها حرية الأفراد فى التعبير عن آرائهم .
فلا زلنا نذكر المظاهرات الطلابية التى خرجت من جامعة الأزهر قبل عدة سنوات بتحريض من علمائها وأساتذتها ومشايخها إحتجاجا على نشر وزارة الثقافة لرواية " وليمة لأعشاب البحر " للكاتب والروائى السورى " حيدر حيدر " ، ولا زلنا نتذكر أيضا ماواجهه المفكر المصرى المستنير الدكتور نصر حامد أبو ذيد على يد بعض ممثلى الفكر الرجعى فى الجامعة وعلى رأسهم الدكتور عبدالصبور شاهين لمصادرة فكره لينتهى الأمر يتكفيره والحكم القضائى بالتفريق بينه وبين زوجته ، ولن تخوننا الذاكرة لننسى إغتيال المفكر المصرى الراحل الدكتور فرج على فوده على يد بعض أفراد الجماعات الظلامية الدموية الإسلامية على خلفية فتاوى تكفيرية من بعض أساتذة وعلماء ومشايخ الجامعة الأزهرية ، وأخيرا وليس آخرا ، لن ننسى مصادرة رواية " سقوط الإمام " للدكتورة "نوال السعداوى" بقرار صادر عن مجمع البحوث الإسلامية المنبثق عن المؤسسة الأزهرية .
وفى الأسبوع الماضى وخلال هذه الأيام بدأ خفافيش الظلام الأزهريون يعيدون تمثيل فصول هذه المسرحية التراجيدية مع طالب آخر يدرس بإحدى كليات الجامعة ، وهو كاتب هذه السطور .
فمنذ عدة أيام تلقيت خطابا من
كلية الشريعة والقانون بدمنهور - حيث أدرس - يطلب منى فيه التوجه إلى الكلية لمقابلة عميدها الأستاذ الدكتور حمدى عبدالمنعم شلبى للأهمية القصوى ، وكنت أعلم مسبقا السبب وراء هذا الإستدعاء المفاجىء ، ليس عن علم بالغيب ولا مشاهدة لما وراء الحجب ، ولكن لأننى كنت قد تلقيت عدة تهديدات من بعض الأشخاص برفع أمر ما أكتبه وأنشره على بعض مواقع الإنترنت إلى إدارة الجامعة ، ولم أكن أعبء بهذه التهديدات أو أعيرها إهتماما ، ليس لأننى كنت أشك فى جديتها ، ولكن لأننى لم أرتكب خطئا يجعلنى أهاب رفع أمرى إلى الجامعة ، فلم يكن لى ذنب سوى أننى مارست حقى المشروع فى التعبير عن رأيي ، ولا أرى أى غضاضة فى ذالك حتى وإن طلت مايراه البعض مقدسا أو فوق النقد والتناول ، ومع ذالك ، توجهت إلى مكتب العميد يوم الخميس الماضى فى الموعد الذى حدد لى ، لأجده يعرض على نسخا مطبوعة من بعض مقالاتى المنشورة فى الحوار المتمدن ، كان من ضمنهما مقالىَّ اللذين نشرتهما عشية إنتخابات رئاسة الجمهورية العام الماضى والتى أنتقد فيهما سياسات رئيس الدولة ( رسالة إلى السيد الرئيس - بايعوا الرئيس مبارك ... أميرا للمؤمنين !! ) إضافة إلى أحد مقالاتى التى وجهت فيها نقدا مباشرا لأثر سياسة الفصل بين الطلبة والطالبات على سلوك الطلاب فى الجامعة (جامعة الأزهر .... وسياسة الفصل العنصرى بين الطلبة والطالبات - أغلقوا جامعة الأزهر ) والذى نشرته قبل أكثر من عام ، وبعض مقالاتى الأخرى ، وسألنى الرجل عن مدى نسبة هذه المقالات إلىَّ ، فأجبته بأنها بالفعل من نتاجى الشخصى ، فطلب منى التوقيع على مذكرة تفيد ذالك ، فرفضت متعللا بأن الجامعة لا سلطة لها على طلابها خارج حدود أسوارها ،ثم إنتهى اللقاء بينى وبينه بسؤالى إياه عما إذا كان هناك ثمة إجراءات سوف تتخذ بشأنى فتهرب من التصريح بالإجابة قائلاً لى أنه إن كان ثمة إجراءات فى هذا الخصوص فسوف يخبرنى بها فى غضون أسبوع من الآن .
تركت مكتبه دون أن أعير ماحدث أدنى إهتمام ، لأننى لست على إستعداد للتنازل عما أعتنقه وأؤمن به حتى وإن كان الثمن المقابل لذالك هو حرمانى من الدراسة فى الجامعة ، وكنت واثقا أنهم سيتخذون بشأنى إجراء تعسفى ، ولكن ذالك لم يفت فى عضدى ولم يجعلنى أفكر فى التراجع عما أنا فيه طرفة عين .
واليوم ، ومنذ ساعات قليلة حدث ماكنت أتوقعه عندما تلقيت خطابا عاجلا من الكلية يطلب منى الحضور يوم الثلاثاء الرابع عشر من الشهر الجارى فى تمام الساعة الحادية عشرة صباحا لحضور مجلس التأديب !! ، وكانت هذه هى النتيجة المنطقية لأمر غير منطقى على الإطلاق يسيطر على سياسات هذه الجامعة المتطرفة التى تنتهج العقاب والإقصاء والنفى لكل صاحب فكر حر مغاير لفكرها المتطرف السائد بين أساتذتها وطلابها .
جامعة الأزهر ، ونهاية طالب أبى أن يغض طرفه عن السلبيات والعيوب المستشرية فى جامعته ومجتمعه إنتشار النار فى الهشيم ، وهو أمر ليس بجديد على تصرفات هذه الجامعة العنصرية ، وإنما هو واقع أثبت نفسه على مدى عقود من الزمن ، تعاملت خلالها الجامعة مع طلابها بإحتقار لشأنهم ، وإنتقاص من قدرهم ، وعدم الإعتداد بمواهبهم وقدراتهم .
فجامعة الأزهر هى التى قامت بفصل المفكر السعودى المستنير "
عبدالله القصيمى" فى مطلع ثلاثينيات القرن الماضى عندما أصدر كتابه " البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية " ليرد به الشيخ الأزهرى يوسف الدجوى ، كعقاب له على مجرد الإعتراض على ماساقه هذا الأخير فى بعض مقالاته وكتبه .
وهى التى ستكرر فعلتها ذاتها مع أحد طلابها بعد عدة أيام لسبب لا يختلف كثيرا عن سابقه فى إستعادة أمجاد محاكم التفتيش ، ولكن على الطريقة الإسلامية الأزهرية الأكثر بشاعة وقبحا وإجراما من نظيرتها الأوروبية إذا أخذنا المقارنة بين ظروف القرون الوسطى وظروف القرن الحادى والعشرين بعين الإعتبار .
لم أقرر بعد ما إذا كنت سأحضر محكمة التفتيش القمعية تلك أم لا ، وإن كنت أفكر جديا فى عدم حضورها لأن حضورى لها من شأنه أن يضفى مزيدا من الشرعية عليها ، ويطلق المزيد من العقول الأزهرية المتحجرة فى مصائر الطلاب الذين يفكرون جديا فى التمرد عليها وتحطيم قيودها وأغلالها ، فالجامعة لا سلطة لها إطلاقا على طلابها ، ولا يحق لها أن تتدخل فى كتاباتهم وإبداعاتهم وأفكارهم لأن فى ذالك مصادرة للفكر وحجر على حرية الفرد فى التعبير عن رأيه وفيه هذا مافيه من مناقضة للحقوق الأساسية اللصيقة بشخص الإنسان .
إن كنت قد أجبرت منذ نعومة أظفارى على الإلتحاق بهذا السجدن الأزهرى دون أن يكون لدى أدنى فرصة لمغادرته والهروب منه إلى مكان آخر ( حيث أن جامعة الأزهر لا تسمح لطلابها بتحويل مسار دراستهم إلى جامعة أخرى ) فإننى لن أدع الفرصة لهم لكى يسجنوا عقلى فى أطر مرجعيتهم الدينية الرجعية المتخلفة التى أكل الزمان عليها وشرب ومارس كل نشاطاته الحيوية الأخرى !! .
يمكنكم يا عمائم الأزهر أن تفصلونى من الجامعة ، كما يمكنكم أن تصدروا الفتاوى بتكفيرى والحكم بإهدار دمى ، ولكن لن يمكنكم أن تصادروا عقلى فلن يغادر مكانه إلا إذا غادرت روحى جسدها .
عبدالكريم نبيل سليمان
الإسكندرية / مصر

مجلس تأديب ... أم محكمة تفتيش ؟؟!!!

بين الحين والحين ، تطل علينا جامعة الأزهر بوجهها الحقيقى المنفر ، وتعلن بوقاحة المتناهية عن حقيقتها المخجلة المؤسفة ، بإعتبارها مركزا عالميا لنشر الفكر الرجعى الهدام المتطرف ، وجبهة أساسية من جبهات مقاومة الحريات المدنية وعلى رأسها حرية الأفراد فى التعبير عن آرائهم .
فلا زلنا نذكر المظاهرات الطلابية التى خرجت من جامعة الأزهر قبل عدة سنوات بتحريض من علمائها وأساتذتها ومشايخها إحتجاجا على نشر وزارة الثقافة لرواية " وليمة لأعشاب البحر " للكاتب والروائى السورى " حيدر حيدر " ، ولا زلنا نتذكر أيضا ماواجهه المفكر المصرى المستنير الدكتور نصر حامد أبو ذيد على يد بعض ممثلى الفكر الرجعى فى الجامعة وعلى رأسهم الدكتور عبدالصبور شاهين لمصادرة فكره لينتهى الأمر يتكفيره والحكم القضائى بالتفريق بينه وبين زوجته ، ولن تخوننا الذاكرة لننسى إغتيال المفكر المصرى الراحل الدكتور فرج على فوده على يد بعض أفراد الجماعات الظلامية الدموية الإسلامية على خلفية فتاوى تكفيرية من بعض أساتذة وعلماء ومشايخ الجامعة الأزهرية ، وأخيرا وليس آخرا ، لن ننسى مصادرة رواية " سقوط الإمام " للدكتورة "نوال السعداوى" بقرار صادر عن مجمع البحوث الإسلامية المنبثق عن المؤسسة الأزهرية .
وفى الأسبوع الماضى وخلال هذه الأيام بدأ خفافيش الظلام الأزهريون يعيدون تمثيل فصول هذه المسرحية التراجيدية مع طالب آخر يدرس بإحدى كليات الجامعة ، وهو كاتب هذه السطور .
فمنذ عدة أيام تلقيت خطابا من
كلية الشريعة والقانون بدمنهور - حيث أدرس - يطلب منى فيه التوجه إلى الكلية لمقابلة عميدها الأستاذ الدكتور حمدى عبدالمنعم شلبى للأهمية القصوى ، وكنت أعلم مسبقا السبب وراء هذا الإستدعاء المفاجىء ، ليس عن علم بالغيب ولا مشاهدة لما وراء الحجب ، ولكن لأننى كنت قد تلقيت عدة تهديدات من بعض الأشخاص برفع أمر ما أكتبه وأنشره على بعض مواقع الإنترنت إلى إدارة الجامعة ، ولم أكن أعبء بهذه التهديدات أو أعيرها إهتماما ، ليس لأننى كنت أشك فى جديتها ، ولكن لأننى لم أرتكب خطئا يجعلنى أهاب رفع أمرى إلى الجامعة ، فلم يكن لى ذنب سوى أننى مارست حقى المشروع فى التعبير عن رأيي ، ولا أرى أى غضاضة فى ذالك حتى وإن طلت مايراه البعض مقدسا أو فوق النقد والتناول ، ومع ذالك ، توجهت إلى مكتب العميد يوم الخميس الماضى فى الموعد الذى حدد لى ، لأجده يعرض على نسخا مطبوعة من بعض مقالاتى المنشورة فى الحوار المتمدن ، كان من ضمنهما مقالىَّ اللذين نشرتهما عشية إنتخابات رئاسة الجمهورية العام الماضى والتى أنتقد فيهما سياسات رئيس الدولة ( رسالة إلى السيد الرئيس - بايعوا الرئيس مبارك ... أميرا للمؤمنين !! ) إضافة إلى أحد مقالاتى التى وجهت فيها نقدا مباشرا لأثر سياسة الفصل بين الطلبة والطالبات على سلوك الطلاب فى الجامعة (جامعة الأزهر .... وسياسة الفصل العنصرى بين الطلبة والطالبات - أغلقوا جامعة الأزهر ) والذى نشرته قبل أكثر من عام ، وبعض مقالاتى الأخرى ، وسألنى الرجل عن مدى نسبة هذه المقالات إلىَّ ، فأجبته بأنها بالفعل من نتاجى الشخصى ، فطلب منى التوقيع على مذكرة تفيد ذالك ، فرفضت متعللا بأن الجامعة لا سلطة لها على طلابها خارج حدود أسوارها ،ثم إنتهى اللقاء بينى وبينه بسؤالى إياه عما إذا كان هناك ثمة إجراءات سوف تتخذ بشأنى فتهرب من التصريح بالإجابة قائلاً لى أنه إن كان ثمة إجراءات فى هذا الخصوص فسوف يخبرنى بها فى غضون أسبوع من الآن .
تركت مكتبه دون أن أعير ماحدث أدنى إهتمام ، لأننى لست على إستعداد للتنازل عما أعتنقه وأؤمن به حتى وإن كان الثمن المقابل لذالك هو حرمانى من الدراسة فى الجامعة ، وكنت واثقا أنهم سيتخذون بشأنى إجراء تعسفى ، ولكن ذالك لم يفت فى عضدى ولم يجعلنى أفكر فى التراجع عما أنا فيه طرفة عين .
واليوم ، ومنذ ساعات قليلة حدث ماكنت أتوقعه عندما تلقيت خطابا عاجلا من الكلية يطلب منى الحضور يوم الثلاثاء الرابع عشر من الشهر الجارى فى تمام الساعة الحادية عشرة صباحا لحضور مجلس التأديب !! ، وكانت هذه هى النتيجة المنطقية لأمر غير منطقى على الإطلاق يسيطر على سياسات هذه الجامعة المتطرفة التى تنتهج العقاب والإقصاء والنفى لكل صاحب فكر حر مغاير لفكرها المتطرف السائد بين أساتذتها وطلابها .
جامعة الأزهر ، ونهاية طالب أبى أن يغض طرفه عن السلبيات والعيوب المستشرية فى جامعته ومجتمعه إنتشار النار فى الهشيم ، وهو أمر ليس بجديد على تصرفات هذه الجامعة العنصرية ، وإنما هو واقع أثبت نفسه على مدى عقود من الزمن ، تعاملت خلالها الجامعة مع طلابها بإحتقار لشأنهم ، وإنتقاص من قدرهم ، وعدم الإعتداد بمواهبهم وقدراتهم .
فجامعة الأزهر هى التى قامت بفصل المفكر السعودى المستنير "
عبدالله القصيمى" فى مطلع ثلاثينيات القرن الماضى عندما أصدر كتابه " البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية " ليرد به الشيخ الأزهرى يوسف الدجوى ، كعقاب له على مجرد الإعتراض على ماساقه هذا الأخير فى بعض مقالاته وكتبه .
وهى التى ستكرر فعلتها ذاتها مع أحد طلابها بعد عدة أيام لسبب لا يختلف كثيرا عن سابقه فى إستعادة أمجاد محاكم التفتيش ، ولكن على الطريقة الإسلامية الأزهرية الأكثر بشاعة وقبحا وإجراما من نظيرتها الأوروبية إذا أخذنا المقارنة بين ظروف القرون الوسطى وظروف القرن الحادى والعشرين بعين الإعتبار .
لم أقرر بعد ما إذا كنت سأحضر محكمة التفتيش القمعية تلك أم لا ، وإن كنت أفكر جديا فى عدم حضورها لأن حضورى لها من شأنه أن يضفى مزيدا من الشرعية عليها ، ويطلق المزيد من العقول الأزهرية المتحجرة فى مصائر الطلاب الذين يفكرون جديا فى التمرد عليها وتحطيم قيودها وأغلالها ، فالجامعة لا سلطة لها إطلاقا على طلابها ، ولا يحق لها أن تتدخل فى كتاباتهم وإبداعاتهم وأفكارهم لأن فى ذالك مصادرة للفكر وحجر على حرية الفرد فى التعبير عن رأيه وفيه هذا مافيه من مناقضة للحقوق الأساسية اللصيقة بشخص الإنسان .
إن كنت قد أجبرت منذ نعومة أظفارى على الإلتحاق بهذا السجدن الأزهرى دون أن يكون لدى أدنى فرصة لمغادرته والهروب منه إلى مكان آخر ( حيث أن جامعة الأزهر لا تسمح لطلابها بتحويل مسار دراستهم إلى جامعة أخرى ) فإننى لن أدع الفرصة لهم لكى يسجنوا عقلى فى أطر مرجعيتهم الدينية الرجعية المتخلفة التى أكل الزمان عليها وشرب ومارس كل نشاطاته الحيوية الأخرى !! .
يمكنكم يا عمائم الأزهر أن تفصلونى من الجامعة ، كما يمكنكم أن تصدروا الفتاوى بتكفيرى والحكم بإهدار دمى ، ولكن لن يمكنكم أن تصادروا عقلى فلن يغادر مكانه إلا إذا غادرت روحى جسدها .
عبدالكريم نبيل سليمان
الإسكندرية / مصر