Monday, September 10, 2007

مقال من داخل السجن

أكتب و قد أشرف عام كامل على الإنتهاء قضيت أيامه مقيد الحرية محدود الحركة و ادركت من خلال قسوة التجربة مرارة الشعور بالظلم الذي يصعب على المرء وصفة كونة لا يضاهية شعور خاصة عندما يقع هذا الظلم على أنسان لم يقترف إثما و لم يرتكب ذنبا بل كل ما فعلة يقتصر على ممارسته حقا من حقوقة المشروعة مدنيا و إنسانيا و التي لا يقرها الجائرون.
و لعلة قد مر وقت لا بأس به منذ ان صدر الحكم الجائر بحبسي لسنوات أربع و لم أكن حتى وقت ليس ببعيد في وضع يسمح لي بالتعليق على ما يحدث لفترة طويلة من متابعة وسائل الإعلام و ما ينشر عني من خلالها و كذلك حرمت من حرية المراسلة و التخاطب فقد مكثت لفترة تزيد على شهرين
في المكان المخصص للمحكومين بالإعدام و الموقع عليهم جزاءات تأديبية بدعوى أنه لا يوجد مكان أخر يصلح لي بالسجن و كانت الأقلام محظور على حيازتها فكنت إذا إجتحاتني رغبة لكتابة خطاب يطلب من أن أمليه!
و الأن تغيرت الأمور إلى حد كبير و أصبح بإمكاني الكتابة و المراسلة و إن كنت لا اتمتع بالحرية الكافية فخطاباتي دونا عن خطابات بقية النزلاء تخضع لبعض المراقبة و إن كان القائمون على السجن ينفون مصادرة أية خطابات لي و يؤكدون إرسالها بعد الإطلاع عليها أيا كان ما تحتوية لذل فقد وجدتها فرصة للحديث بعد فترة فرض علي فيها الصمت أو كنت بعيدا عن كل من إستثمر محنتي كما يؤكد لي الصديق التونسي "عماد حبيب" و بالطبع لا ابغي الرد على هؤلاء "المستثمرين" فهم لا يستحقون مجرد الإلتفات.
لا أزال أذكر هذا اليوم جيدا كنت قد بدأت أستعد نفسيا منذ أن علمت أن قضيتي قد أرجأت إليه لسماع الحكم لم يكن ما انتظرة هو الحكم في القضية لحسم موقفي فقد كان يشغلني شيء اخر ، يشغلني التاريخ و تشغلني الذكرى و فوق هذا و ذاك تشابه الليلة و البارحة و الأمس و اليوم فقد حددت جلسة محاكمتي التي أدنت فيها من قبل المحكمة الجائرة في الثاني و العشرين من شباط فبراير الماضي و لهذا اليوم قصة عصية
على النسيان .
ففي مثل هذا اليوم في تاريخ يفصلنا عنه أربعة و ستون عاما و تحديدا الثاني و العشرين من شباط فبراير العام 1943 أصدر قاض عنصري نازى في محكمة عسكرية ألمانية حكما بالإعدام على ثلاثة من طلاب جامعة ميونيخ هم الشقيقان "صوفيا و هانز شول" و صديقهما "كريستوف يروست" عقابا لهم على مناهضتهم للحكم النازي بأسلوب سلمي تمثل في تأسيس حركة مقاومة سلمية للنظام العنصري النازي أطلق عليها أسم "حركة الوردة البيضاء" و كان نشاطهم السلمي الذي اعدموا من اجلة يقتصر على التعبير عن مناهضتهم للحكم النازي بوسائلهم البدائية و المتاحة كنقش جدران الشوارع ليلا بعبارات تحمل مشاعر غضبهم التي يكنونها ضد الحكم النازي و كتابة منشورات يفضحون من خلالها الجرائم اللا إنسانية التي كانت ترتكب ضد الأقليات العرقية و الدينية في ألمانيا النازية و نسخها و ترويجها بين زملائهم الطلاب في محيط الحرم الجامعي فلم يكن الكومبيوتر و لم تكن المدونات الإلكترونية قد عرفت بعد.
و بعد مرور أربعة و ستون عاما على ما حدث معهم أصدر قاض "جائر"بإحدى المحاكم المصرية حكما يقضي بسجني لسنوات أربع لتعبيري عن رأي يختلف عما هو سائد من خلال بعض مواقع الأنترنت بإيعاز من جامعة الأزهر التي تحررت أخيرا من أسرها و مازلت أعيش توابع هذا التحرر و أدفع من حريتي ضريبته.
و لا احاول من خلال تركيزي على هذا البعد التاريخي ان أضع نفسي في مقارنه لا محل لها مع هؤلاء المناضلين الشجعان و لكنها الذكرى و المصادفة و كما علقت الصديقة المدونة "شاهيناز" في إحدى رسائلها على ذلك متعجبة بأن "الظالمين و الجبارين يتشابهون و يتكررون في كل زمان و مكان" و لكن أكثر ما أثارني و شد إنتباهي هو موقف الجامعة في كلتا الحالتين فكما بادرت جامعة ميونيخ في ذلك الوقت بفصل
هؤلاء الطلاب و تسليمهم إلى "الجستابو" فقد حاكتها تماما جامعة الأزهر االتي بادرت بفصلي ثم لاحقتني قضائيا و أعتقد ان المشهدين بالغا الدلالة ....ولا يحتاجان إلى تعليق!!
عندما يلح علي التفكير في وضعي الحالي الذي أشعر- حتى الان - كلما إستيقظت من نومي إنني أكتشفة للمرة الأولى أجد نفسي أتساءل تلقائيا و أمعن في التساؤل بحثا عن اسباب مقنعة تبرر ما انا فيه خاصة و أنني محتجز في مكان يفترض تخصيصة للمجرمين الذين يمثلون خطورة على سلامة أرواح و ممتلكات أفراد المجتمع
و قد حاولت كثيرا أن ألتمس الإجابة عن تساؤلي فى الإتهامات التى وجهتها لى النيابة وأدانتنى بها المحكمة ، ولكنها لم تشف غليلى ولم تجب عن تساؤلى ، وفي لحظة من اللحظات قررت أن أبتعد قليلا عن التفكير المثالي الذي قادني في ظروف غير طبيعية إلى هذا المكان لأستغرق في البحث عن اسباب واقعية تبرر ما انا فيه و إنتهيت بعد تفكير عميق إلى تفسير مقيس على الأفكار السائدة و المتوارثة و التي يغلب عليها الطابع اللا إنساني و المعبرة مع الأسف الشديد عن واقعنا بشكل كبير.
فقد وجدت أن الإتهامات الموجهة إلي بصرف النظر عن صيغها القانونية المغرقة في الجمود تتوزع على شقين:
شق إجمالي:و يتعلق بتعبيري الحر عن رأي حر في مناخ غير حر متجاوزا كافة القيود و الخطوط الحمراء الإجتماعية و السياسية و الدينية .
شق تفصيلي:يمكنني إختصارة في النقط التالية:
-أولا رفضي الصريح لكل مظاهر العنف خاصة المستتر منها خلف غطاء ديني و التي يجد لها البعض تبريرا في نصوص تراثية دينية أكل الزمان عليها وشرب.
ثانيا-إعمالي للعقل في كل ما فرض و يفرض علي و رفضي التسليم بصحة الأمور الغيبية التي لا يصدقها عقل و لا يستوعبها منطق و المعتمدة على مصادر تراثية دينية غارقة في الخرافة.
ثالثا -تجردي التام من بعض الإنتماءات التي فرضت علي قسرا و لم أجدها تعبر عما بداخلي دون أن يمنحني المجتمع حق التجرد منها و رفضي الإنقياد معصوب العينين وسط القطعان البشرية المسلوبة إرادتها و المقودة على غير هدى منها صوب المجهول.
رابعا-تصوري بسذاجة لا أحسد عليها أنني أعيش في مناخ ديمقراطي حر أتمتع فيه بحقوقي المدنية المتضمنة حقي المطلق في التعبير عن رأيي دون قيود ، وتعبيرى عن كل ما سبق ذكره في النقاط السابقة و غيره بناءا على هذا التصور دون ان ألتفت إلى الحقيقة المرة المتمثلة في عكس ذلك من انني أعيش في ظل حكم قمعي يطارد كل صاحب رأي حر و يكمم فاه أو يجهز عليه أو يضطره إلى مغادرة البلاد .
خامسا- إلتزامي جانب الصراحة و الشفافية عندما قمت بالتعبير عن رأيي فلم أقم على سبيل المثال بالتخفي خلف إسم مستعار و قد كان بوسعي ان أفعل ذلك و هو الأمر الذي بدا جليا في التحقيقات التي أجريت معي سواء أمام مجلس التأديب بجامعة الازهر أو امام النيابة العامة التي أصدرت قرارها بحبسي بناءا على ذلك و أعتقد أن هذا هو السبب الحقيقي وراء كل ما حدث معي و لولاه ما تطورت الأمور لهذا الحد
هذه في إعتقادي هي الإتهامات الحقيقية التي من أجلها أدنت و ستبقى الأمور هكذا طالما ظل الوضع في بلادنا على ما هو عليه وليس بعيدا عنا-هذة الأيام- الحكم الجائر الذي صدر ضد الكاتب و الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي يتهم بالسب و القذف في حق أحد المحتسبين الجدد لمجرد أنه تناول في إحدى مقالاته المنشورة في روزاليوسف منذ عدة سنوات ظاهرة الأصوليه الدينية مقارنا بين جماعات الإسلام السياسي من جهة و بين محاكم التفتيش الغربية في حقبة القرون الوسطى و جماعات التشدد الديني في إسرائيل التي تصر على كونها دولة دينية من جهة أخرى.
و لعل جامعة الأزهر تخطط هذة الأيام لمؤامرة جديدة على حرية الفكر و التعبير ضد الدكتور محمود الخيال الأستاذ بطب الأزهر بإيعاز من صحفي الجمهورية ظهر معة كضيف بأحد البرامج التلفزيونية و أعرب فيه الدكتور الخيال عن نيته ترجمة مؤلف أمريكي بعنوان "نهاية الإيمان" إلى العربية و هاهم أنصار الرجعية يعدون العدة لملاحقته قضائيا بتهمة إزدراء الأديان كما فعلوها معي.
إني أعلن من محبسي هذا أن إدانتي ليست عارا يلاحقني أو سابقة تخجلني بل أنني أحملها تاجا على رأسي ووساما على صدري أتية بهما زهوا و فخرا و شرفا بين أقراني.
و ليعلم الجميع أنني لن أجبر نفسي في يوم من الأيام على إحترام أي قانون جائر مقيد للحريات يطأ بنعليه في المكان المقدس فوق حرية الأفراد في التعبير عن أرائهم فالغرض الذي سنت من أجلة القوانين هو تنظيم علاقات الأفراد بعضهم ببعض داخل المجتمع و ليس تقييد حرياتهم و إنتهاك أبسط الحقوق اللصيقة بذاوتهم كما أنه من قبيل اللغو و العبث الجمع بين مفرتي القيود و الحرية في جملة قد يبدو للبعض أنها مفيدة فليس من المنطقي القول "...أن هناك قيود على حرية التعبير.." ثم نستكمل الجملة معددين هذة القيود المزعومة هذا من قبيل اللغو و محاولة تبرير عمليات القمع و الختان الفكري و التي يؤيدها و يعمل على تفعيلها ذوي الأفكار السطحية الرجعية الساذجة التي لا تليق بعصرنا الحالي.
و ليعلم الجميع بمن فيهم القضاة الجائرون الذين أصدروا حكمهم بحبسي و كل من إستثمر محنتي للنيل مني أن السجن لم و لن يؤتي ثمارة مع امثالي ممن يؤمنون إيمانا راسخا بذواتهم و يقدسون حريتهم المطلقة في التفكير و التعبير عن أرائهم و يضعون عقولهم في محل قيادتهم وتحريك أفكارهم و لن تتغير أفكاري التي تؤرق منام كل مرتد رجعي بالإقتناع الكامل بضرورة تغييرها بناءا على أسس
منطقية عقلانية و ليس بترويعي و مضايقتي و ملاحقتي قضائيا و فصلي من الجامعة و الزج بي في السجن و التحرض على قتلي و التهديد برفع دعاوي الحسبة ضدي و غيرها من الأساليب الهمجية العقيمة التي لا يتقنها سوى الأغبياء ممن لا يمتلكون القدر الكافي من المرونة التي تؤهلهم للحوار مع مختلفين فكريا فينتهجون العنف سبيلا للتعامل معهم ، محاولين كسر أقلامهم و إسكات أصواتهم و هيهات أن يتحقق لهم ما يريدون.
و لا أجد ما أخاطب به إدارة جامعة الأزهر التي تسببت في حبسي و القضاة الجائرون الذي أصدروا احكامهم ضدي وقادة النظام القمعي الجاثمين على أنفسنا أبلغ مما قالته الزهرة الألمانية الشابة "صوفيا شول" و التي كانت في مثل عمري تقريبا لقاضيها الذي حكم بإعدامها بينما كانت تساق و زملائها إلى مصيرهم المشئوم "سيأتي يوما تقف فيه مكاني"... و قد كان!.
إلى كل أعداء الحرية من رموز البغي و الجور و الظلم و التسلط رؤوس المؤسسات الدينية و أقطاب النظام الحاكم و أعوانهم و السائرين في ركابهم و المسبحين بحمدهم و المتمسحين بنعالهم "ستزدحم بكم مزبلة التاريخ و لن تترحم عليكم الأجيال القادمة و ستلعنكم كما ألعنكم الأن و تأكدوا ان لا احد سيذرف دمعة أسى عليكم ...فأنتم لا تستحقون الرثاء و ليكن لكم فيمن سبقوكم عبرة و لتعلموا أن الغد لنا...مهما تجبرتم و حاولتم تكميم أفواهنا و مصادرة أرائنا و تقييد حريتنا و لكم أن تحذرونا و تتوجسوا خيفة منا فأيامكم قد غدت معدودة و ليلكم قد أشرف على الزوال و فجرنا قد أشرف على البزوغ و الغد لنا.

عبد الكريم نبيل سليمان " كريم عامر "

سجن برج العرب الإحتياطي الإسكندرية عنبر 22 غرفة6


مقال من داخل السجن

أكتب و قد أشرف عام كامل على الإنتهاء قضيت أيامه مقيد الحرية محدود الحركة و ادركت من خلال قسوة التجربة مرارة الشعور بالظلم الذي يصعب على المرء وصفة كونة لا يضاهية شعور خاصة عندما يقع هذا الظلم على أنسان لم يقترف إثما و لم يرتكب ذنبا بل كل ما فعلة يقتصر على ممارسته حقا من حقوقة المشروعة مدنيا و إنسانيا و التي لا يقرها الجائرون.
و لعلة قد مر وقت لا بأس به منذ ان صدر الحكم الجائر بحبسي لسنوات أربع و لم أكن حتى وقت ليس ببعيد في وضع يسمح لي بالتعليق على ما يحدث لفترة طويلة من متابعة وسائل الإعلام و ما ينشر عني من خلالها و كذلك حرمت من حرية المراسلة و التخاطب فقد مكثت لفترة تزيد على شهرين
في المكان المخصص للمحكومين بالإعدام و الموقع عليهم جزاءات تأديبية بدعوى أنه لا يوجد مكان أخر يصلح لي بالسجن و كانت الأقلام محظور على حيازتها فكنت إذا إجتحاتني رغبة لكتابة خطاب يطلب من أن أمليه!
و الأن تغيرت الأمور إلى حد كبير و أصبح بإمكاني الكتابة و المراسلة و إن كنت لا اتمتع بالحرية الكافية فخطاباتي دونا عن خطابات بقية النزلاء تخضع لبعض المراقبة و إن كان القائمون على السجن ينفون مصادرة أية خطابات لي و يؤكدون إرسالها بعد الإطلاع عليها أيا كان ما تحتوية لذل فقد وجدتها فرصة للحديث بعد فترة فرض علي فيها الصمت أو كنت بعيدا عن كل من إستثمر محنتي كما يؤكد لي الصديق التونسي "عماد حبيب" و بالطبع لا ابغي الرد على هؤلاء "المستثمرين" فهم لا يستحقون مجرد الإلتفات.
لا أزال أذكر هذا اليوم جيدا كنت قد بدأت أستعد نفسيا منذ أن علمت أن قضيتي قد أرجأت إليه لسماع الحكم لم يكن ما انتظرة هو الحكم في القضية لحسم موقفي فقد كان يشغلني شيء اخر ، يشغلني التاريخ و تشغلني الذكرى و فوق هذا و ذاك تشابه الليلة و البارحة و الأمس و اليوم فقد حددت جلسة محاكمتي التي أدنت فيها من قبل المحكمة الجائرة في الثاني و العشرين من شباط فبراير الماضي و لهذا اليوم قصة عصية
على النسيان .
ففي مثل هذا اليوم في تاريخ يفصلنا عنه أربعة و ستون عاما و تحديدا الثاني و العشرين من شباط فبراير العام 1943 أصدر قاض عنصري نازى في محكمة عسكرية ألمانية حكما بالإعدام على ثلاثة من طلاب جامعة ميونيخ هم الشقيقان "صوفيا و هانز شول" و صديقهما "كريستوف يروست" عقابا لهم على مناهضتهم للحكم النازي بأسلوب سلمي تمثل في تأسيس حركة مقاومة سلمية للنظام العنصري النازي أطلق عليها أسم "حركة الوردة البيضاء" و كان نشاطهم السلمي الذي اعدموا من اجلة يقتصر على التعبير عن مناهضتهم للحكم النازي بوسائلهم البدائية و المتاحة كنقش جدران الشوارع ليلا بعبارات تحمل مشاعر غضبهم التي يكنونها ضد الحكم النازي و كتابة منشورات يفضحون من خلالها الجرائم اللا إنسانية التي كانت ترتكب ضد الأقليات العرقية و الدينية في ألمانيا النازية و نسخها و ترويجها بين زملائهم الطلاب في محيط الحرم الجامعي فلم يكن الكومبيوتر و لم تكن المدونات الإلكترونية قد عرفت بعد.
و بعد مرور أربعة و ستون عاما على ما حدث معهم أصدر قاض "جائر"بإحدى المحاكم المصرية حكما يقضي بسجني لسنوات أربع لتعبيري عن رأي يختلف عما هو سائد من خلال بعض مواقع الأنترنت بإيعاز من جامعة الأزهر التي تحررت أخيرا من أسرها و مازلت أعيش توابع هذا التحرر و أدفع من حريتي ضريبته.
و لا احاول من خلال تركيزي على هذا البعد التاريخي ان أضع نفسي في مقارنه لا محل لها مع هؤلاء المناضلين الشجعان و لكنها الذكرى و المصادفة و كما علقت الصديقة المدونة "شاهيناز" في إحدى رسائلها على ذلك متعجبة بأن "الظالمين و الجبارين يتشابهون و يتكررون في كل زمان و مكان" و لكن أكثر ما أثارني و شد إنتباهي هو موقف الجامعة في كلتا الحالتين فكما بادرت جامعة ميونيخ في ذلك الوقت بفصل
هؤلاء الطلاب و تسليمهم إلى "الجستابو" فقد حاكتها تماما جامعة الأزهر االتي بادرت بفصلي ثم لاحقتني قضائيا و أعتقد ان المشهدين بالغا الدلالة ....ولا يحتاجان إلى تعليق!!
عندما يلح علي التفكير في وضعي الحالي الذي أشعر- حتى الان - كلما إستيقظت من نومي إنني أكتشفة للمرة الأولى أجد نفسي أتساءل تلقائيا و أمعن في التساؤل بحثا عن اسباب مقنعة تبرر ما انا فيه خاصة و أنني محتجز في مكان يفترض تخصيصة للمجرمين الذين يمثلون خطورة على سلامة أرواح و ممتلكات أفراد المجتمع
و قد حاولت كثيرا أن ألتمس الإجابة عن تساؤلي فى الإتهامات التى وجهتها لى النيابة وأدانتنى بها المحكمة ، ولكنها لم تشف غليلى ولم تجب عن تساؤلى ، وفي لحظة من اللحظات قررت أن أبتعد قليلا عن التفكير المثالي الذي قادني في ظروف غير طبيعية إلى هذا المكان لأستغرق في البحث عن اسباب واقعية تبرر ما انا فيه و إنتهيت بعد تفكير عميق إلى تفسير مقيس على الأفكار السائدة و المتوارثة و التي يغلب عليها الطابع اللا إنساني و المعبرة مع الأسف الشديد عن واقعنا بشكل كبير.
فقد وجدت أن الإتهامات الموجهة إلي بصرف النظر عن صيغها القانونية المغرقة في الجمود تتوزع على شقين:
شق إجمالي:و يتعلق بتعبيري الحر عن رأي حر في مناخ غير حر متجاوزا كافة القيود و الخطوط الحمراء الإجتماعية و السياسية و الدينية .
شق تفصيلي:يمكنني إختصارة في النقط التالية:
-أولا رفضي الصريح لكل مظاهر العنف خاصة المستتر منها خلف غطاء ديني و التي يجد لها البعض تبريرا في نصوص تراثية دينية أكل الزمان عليها وشرب.
ثانيا-إعمالي للعقل في كل ما فرض و يفرض علي و رفضي التسليم بصحة الأمور الغيبية التي لا يصدقها عقل و لا يستوعبها منطق و المعتمدة على مصادر تراثية دينية غارقة في الخرافة.
ثالثا -تجردي التام من بعض الإنتماءات التي فرضت علي قسرا و لم أجدها تعبر عما بداخلي دون أن يمنحني المجتمع حق التجرد منها و رفضي الإنقياد معصوب العينين وسط القطعان البشرية المسلوبة إرادتها و المقودة على غير هدى منها صوب المجهول.
رابعا-تصوري بسذاجة لا أحسد عليها أنني أعيش في مناخ ديمقراطي حر أتمتع فيه بحقوقي المدنية المتضمنة حقي المطلق في التعبير عن رأيي دون قيود ، وتعبيرى عن كل ما سبق ذكره في النقاط السابقة و غيره بناءا على هذا التصور دون ان ألتفت إلى الحقيقة المرة المتمثلة في عكس ذلك من انني أعيش في ظل حكم قمعي يطارد كل صاحب رأي حر و يكمم فاه أو يجهز عليه أو يضطره إلى مغادرة البلاد .
خامسا- إلتزامي جانب الصراحة و الشفافية عندما قمت بالتعبير عن رأيي فلم أقم على سبيل المثال بالتخفي خلف إسم مستعار و قد كان بوسعي ان أفعل ذلك و هو الأمر الذي بدا جليا في التحقيقات التي أجريت معي سواء أمام مجلس التأديب بجامعة الازهر أو امام النيابة العامة التي أصدرت قرارها بحبسي بناءا على ذلك و أعتقد أن هذا هو السبب الحقيقي وراء كل ما حدث معي و لولاه ما تطورت الأمور لهذا الحد
هذه في إعتقادي هي الإتهامات الحقيقية التي من أجلها أدنت و ستبقى الأمور هكذا طالما ظل الوضع في بلادنا على ما هو عليه وليس بعيدا عنا-هذة الأيام- الحكم الجائر الذي صدر ضد الكاتب و الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي يتهم بالسب و القذف في حق أحد المحتسبين الجدد لمجرد أنه تناول في إحدى مقالاته المنشورة في روزاليوسف منذ عدة سنوات ظاهرة الأصوليه الدينية مقارنا بين جماعات الإسلام السياسي من جهة و بين محاكم التفتيش الغربية في حقبة القرون الوسطى و جماعات التشدد الديني في إسرائيل التي تصر على كونها دولة دينية من جهة أخرى.
و لعل جامعة الأزهر تخطط هذة الأيام لمؤامرة جديدة على حرية الفكر و التعبير ضد الدكتور محمود الخيال الأستاذ بطب الأزهر بإيعاز من صحفي الجمهورية ظهر معة كضيف بأحد البرامج التلفزيونية و أعرب فيه الدكتور الخيال عن نيته ترجمة مؤلف أمريكي بعنوان "نهاية الإيمان" إلى العربية و هاهم أنصار الرجعية يعدون العدة لملاحقته قضائيا بتهمة إزدراء الأديان كما فعلوها معي.
إني أعلن من محبسي هذا أن إدانتي ليست عارا يلاحقني أو سابقة تخجلني بل أنني أحملها تاجا على رأسي ووساما على صدري أتية بهما زهوا و فخرا و شرفا بين أقراني.
و ليعلم الجميع أنني لن أجبر نفسي في يوم من الأيام على إحترام أي قانون جائر مقيد للحريات يطأ بنعليه في المكان المقدس فوق حرية الأفراد في التعبير عن أرائهم فالغرض الذي سنت من أجلة القوانين هو تنظيم علاقات الأفراد بعضهم ببعض داخل المجتمع و ليس تقييد حرياتهم و إنتهاك أبسط الحقوق اللصيقة بذاوتهم كما أنه من قبيل اللغو و العبث الجمع بين مفرتي القيود و الحرية في جملة قد يبدو للبعض أنها مفيدة فليس من المنطقي القول "...أن هناك قيود على حرية التعبير.." ثم نستكمل الجملة معددين هذة القيود المزعومة هذا من قبيل اللغو و محاولة تبرير عمليات القمع و الختان الفكري و التي يؤيدها و يعمل على تفعيلها ذوي الأفكار السطحية الرجعية الساذجة التي لا تليق بعصرنا الحالي.
و ليعلم الجميع بمن فيهم القضاة الجائرون الذين أصدروا حكمهم بحبسي و كل من إستثمر محنتي للنيل مني أن السجن لم و لن يؤتي ثمارة مع امثالي ممن يؤمنون إيمانا راسخا بذواتهم و يقدسون حريتهم المطلقة في التفكير و التعبير عن أرائهم و يضعون عقولهم في محل قيادتهم وتحريك أفكارهم و لن تتغير أفكاري التي تؤرق منام كل مرتد رجعي بالإقتناع الكامل بضرورة تغييرها بناءا على أسس
منطقية عقلانية و ليس بترويعي و مضايقتي و ملاحقتي قضائيا و فصلي من الجامعة و الزج بي في السجن و التحرض على قتلي و التهديد برفع دعاوي الحسبة ضدي و غيرها من الأساليب الهمجية العقيمة التي لا يتقنها سوى الأغبياء ممن لا يمتلكون القدر الكافي من المرونة التي تؤهلهم للحوار مع مختلفين فكريا فينتهجون العنف سبيلا للتعامل معهم ، محاولين كسر أقلامهم و إسكات أصواتهم و هيهات أن يتحقق لهم ما يريدون.
و لا أجد ما أخاطب به إدارة جامعة الأزهر التي تسببت في حبسي و القضاة الجائرون الذي أصدروا احكامهم ضدي وقادة النظام القمعي الجاثمين على أنفسنا أبلغ مما قالته الزهرة الألمانية الشابة "صوفيا شول" و التي كانت في مثل عمري تقريبا لقاضيها الذي حكم بإعدامها بينما كانت تساق و زملائها إلى مصيرهم المشئوم "سيأتي يوما تقف فيه مكاني"... و قد كان!.
إلى كل أعداء الحرية من رموز البغي و الجور و الظلم و التسلط رؤوس المؤسسات الدينية و أقطاب النظام الحاكم و أعوانهم و السائرين في ركابهم و المسبحين بحمدهم و المتمسحين بنعالهم "ستزدحم بكم مزبلة التاريخ و لن تترحم عليكم الأجيال القادمة و ستلعنكم كما ألعنكم الأن و تأكدوا ان لا احد سيذرف دمعة أسى عليكم ...فأنتم لا تستحقون الرثاء و ليكن لكم فيمن سبقوكم عبرة و لتعلموا أن الغد لنا...مهما تجبرتم و حاولتم تكميم أفواهنا و مصادرة أرائنا و تقييد حريتنا و لكم أن تحذرونا و تتوجسوا خيفة منا فأيامكم قد غدت معدودة و ليلكم قد أشرف على الزوال و فجرنا قد أشرف على البزوغ و الغد لنا.

عبد الكريم نبيل سليمان " كريم عامر "

سجن برج العرب الإحتياطي الإسكندرية عنبر 22 غرفة6