Wednesday, February 22, 2006

صوفيا شول : زهرة ثلجية .. فى رياض الحرية


بعد مرور مايقرب من خمسة عشر عاما على الهزيمة الساحقة التى منيت بها المانيا فى الحرب العالمية الأولى ، تمكن حزب العمال الوطنيين الإشتراكيين المعروف إختصارا تحت إسم " النازى " من الوصول إلى الحكم وأصبح زعيمه " أدولف هتلر " مستشارا لألمانيا .
ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى سدة الحكم سعى " هتلر " إلى إحكام قبضته على كافة شؤون البلاد ، فأقام حكما ديكتاتوريا بشعا مستخدما كافة أجهزة الدولة فى قمع المعارضة والتنكيل بها ، وتمكن بسرعة البرق من تحقيق أهدافه الشمولية المتطرفة ، فألغى الأحزاب السياسية وفرض سياسة الحزب الواحد على الجميع ، ولم يكن هتلر يهتم بمحاكمة مناوئيه ، بل كان يتخلص منهم بالإعتقال والإغتيال ، فقد كان يحتقر الديمقراطية ويسعى جاهدا إلى القضاء عليها ودحر كل من يطالبون بها ، وإستطاع هتلر خلال فترة وجيزة أن يسيطر على مقاليد الأمور داخل البلاد وحكمها بأسلوب شمولى قمعى بشع تمهيدا لتحقيق أطماعه التوسعية وضم أجزاءا أخرى من العالم إلى الرايخ الثالث .
كان هتلر عنصريا متعصبا للجنس الآرى ، وكان عداءه لليهود على أشده ، فقد جعل أحد أهم أهدافه إبادة اليهود فى شتى أنحاء العالم ، فأقام المعسكرات المزودة بغرف الغاز الخانق لإبادتهم ، حيث كان اليهود يساقون إلى حتفهم فيها بالجملة ، وفى كل بلد إحتلها هتلر كان يدفع بالأبرياء من اليهود رجالا ونساءا وأطفالا ، شيبا وشبابا ، إلى غرف الموت ، وتمكن هذا السفاح المجرم خلال سنوات قليلة جدا من إعدام مايقرب من ستة ملا يين يهودى برىء .
ولم يكن اليهود وحدهم ضحايا غطرسة هتلر وعنصريته ، ولكن طال ذالك أيضا عددا من الأجناس الأخرى التى كان الطاغية يرى أنها أحط قدرا من الجنس الآرى ، فلم يسلم من ذالك الروس والغجر والعرب والأتراك وغيرهم ممن رأى أنهم يحملون فى داخلهم حقدا على النظام النازى فى ألمانيا .
عمل هتلر على إعداد ألمانيا لتكون السبب فى إشعال الحرب ، وبدأ مع إستقرار الأمور له داخل البلاد بعد إخماده لأصوات المعارضين له والمناوئين لسياساته فى تنفيذ خططه البشعة الأخرى .
كانت بريطانيا وفرنسا غارقتان فى مشاكلهما الإقتصادية ، ولم تلتفتا إلى الخطر النازى الرابض على الأبواب عندما خرق هتلر معاهدة فرساى أو عندما ضم النمسا إلى ألمانيا أو عندما إستولى على البقية الباقية من تشيكوسلوفاكيا .
ولكن نذر الحرب بدأت تلوح فى الأفق عندما زحفت جيوش الطاغية على بولندا ، فإستيقظ الحلفاء من سباتهم وعقدوا العزم على مواجهة هذا السفاح وإيقاف أطماعه عند حدودها مهما كانت النتائج .
أعلنت المانيا الحرب ، وجرَّت إليها معظم دول العالم ، وراح عشرات الآلاف يتساقطون قتلى على كافة الجبهات فى معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وتمكن هتلر فى منتصف عام 1942 من الإستيلاء على أكبر مساحة من الأراضى الأوروبية كما لم تفعل أى دولة فى التاريخ القديم والمعاصر ، فى الوقت الذى كانت المانيا تسيطر فيه على أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا وتعد نفسها للزحف صوب مصر .
* * * * *
وفى هذا التوقيت الحرج ، وبينما كان أحد من الألمان لا يجرؤ أن يفتح فاه بكلمة تمس الفوهرر أو تحاول نقد سياساته الإجرامية المدمرة ، فى الوقت الذى باع فيه معظم الألمان أنفسهم لهتلر ووضعوا حياتهم تحت تصرف دماغه السادى المريض ، فى الوقت الذى كان الملايين من المواطنين الألمان يعيشون حياة السلبية واللامبالاة بكل هذه الفظائع التى تجرى من حولهم وتتم بإسمهم ، فى هذا الوقت الذى كان الجميع يرفعون فيه شعارات الخوف والسلبية والرعب والإنهزامية والإنقياد الأعمى لرغبات السفاح البربرى النازى السادية ، فى هذا الجو المشبع بالخوف والملىء بالرعب ، ظهرت هذه الوردة البيضاء الصغيرة الشابة : مجموعة من طلاب جامعة ميونيخ قرروا الخروج عن المألوف السلبى ، والعزف على نغمة عذبة صافية نقية مغايرة للنغمة الصاخبة المألوفة ، قرروا أن يصيحوا بأعلى أصواتهم مطالبين بسقوط الطاغية ، وإندحار النازية ، والبقاء للحرية .
تعددت إنتماءاتهم وميولهم ، وإختلفت تخصصات دراستهم ، ولكنهم إتفقوا على شىء واحد هو العمل على إسقاط النظام النازى الذى عصف بالبلاد وأذاق أهلها مر العذاب وجعل من حياتهم جحيما لا يطاق ، وحول شبابهم إلى أدوات للموت وضحايا لرغبات الفوهرر الشاذة السادية .
وعلى الرغم من أن " الوردة البيضاء " كانت تضم فى عضويتها وجوها شابة كثيرة مابين أساتذة فى الجامعة وطلاب فيها ، إلا أن الوجه المشرق الذى كان يميز هذه المجموعة هى تلك الفتاة العشرينية ذات الملامح الطفولية الصافية البريئة والسحنة الهادئة المبتسمة التى تخفى ورائها كما هائلا من التمرد على الأوضاع المرة اللاإنسانية ، ورفض الخضوع للنظم الديكتاتورية الوحشية ، وتقديم الموت على حياة الذلة والمهانة والتبعية ، والتضحية بكل غال ونفيس من أجل السعادة والرخاء والسلام والحرية ، إنها " صوفيا شول " التى جازفت بحياتها من أجل تحرير بلادها من سطوة وسيطرة نظام الحكم النازى الذى كان يعيث فى بلادها فسادا ويحكمها بالحديد والنارويقودها إلى الهاوية بكل همجية ووحشية وبربرية .
* * * * *
ولدت صوفيا فى التاسع من أيار ( مايو ) عام 1921 بمدينة فروختنبرج frochtenberg لوالد كان يشغل منصب رئيس بلديتها ، وفى عام 1932 إنتقلت عائلة صوفيا إلى مدينة أولم ulm وإستقرت بها ، وبعد ذالك بعام واحد تغير الوجه الحضارى لألمانيا مع وصول النازيين إلى السلطة بزعامة هتلر ولم يكن عمر الفتاة يناهز الثالثة عشرة بعد . .
وعندما كانت صوفيا تدرس فى المرحلة الثانوية إلتحقت كمعظم أقرانها بـ" منظمة الشباب الهتلرى " التى أنشأها هتلر خصيصا لدمج الشباب فى بوتقة سياسية واحدة والحيلولة دون بروز إتجاهات سياسية معارضة لنظام حكمه بين صفوفهم ، ولكن صوفيا لم تتأثر على الإطلاق بهذا الأمر ، فقد كانت تمتلك منذ نعومة أظفارها حاسة نقدية قوية مكنتها من رفض السياسات العنصرية التى كان هتلر ينتهجها فى محاربة خصومه ، إضافة إلى أن الآراء السياسية المعارضة التى كان والدها وأصدقائها يتداولونها سرا فينا بينهم قد ساهمت بشكل فعال فى حياكة نسيجها الفكرى الرافض لسياسات الحكم النازى الداخلية والخارجية .
وقد تركت عملية إعتقال شقيقها هانز وبعض رفاقها دون مبرر عام 1937 لفترة قصيرة أثرا عميقا عليها ، ودفعتها تلك الأزمة إلى أن تفكر جديا فى إخراج معارضتها للنظام النازى من حيز السرية الفكرى إلى رحاب التنفيذ الواقعى ، لتصبح واحدة من أشهر المعارضات للنظام النازى فى المانيا وإحدى ضحاياه فى ذات الوقت .
لم تكن إهتمامات صوفيا تنصب فى محيط السياسة فحسب ، وإنما كان لديها العديد من المواهب والهوايات التى غطت مجالات أخرى كثيرة ، فقد برعت فى فن الرسم ، وإتصلت بالعديد من فنانى عصرها الذين ساعدوها على تنمية موهبتها وإثرائها ، كما أنها كانت شديدة التوق إلى القراءة والمطالعة خاصة فى المجالات العلمية والفلسفية ، كما أن عشقها للموسيقى كان بلا حدود حيث كانت تشترك مع بعض زملائها وأصدقائها فى تنظيم أمسيات موسيقية يتمتعون فيها بالإستماع إلى الموسيقى المحببة إلى قلوبهم ، كما كانت تقضى أوقاتا طويلة فى نزهات ممتعة مع أصدقائها فى التزلج والسباحة ، ولقد شكلت هذه الهوايات العالم الخاص لصوفيا شول و البديل الحقيقى للواقع المر الذى حول فيه النظام النازى البلاد إلى جحيم لا يطاق .
وفى ربيع 1940 تخرجت صوفيا من المدرسة الثانوية بتفوق ملحوظ ، وكانت أطروحة تخرجها تحت عنوان " اليد التى تهز المهد قادرة على أن تزلزل العالم " فى إشارة واضحة إلى وعيها ونضجها الفكرى الشديد وإيمانها بقدرتها كإمرأة على تغيير الواقع نحو الأفضل ، وطابعها الفريد فى التمرد على كافة أشكال التمييز التى تعانى منها المرأة والأقليات فى بلادها .
* * * * *
كان النظام فى ألمانيا فى ذالك الوقت يشترط على كل من يرغب فى الإلتحاق بالجامعة أن يقضى فترة فى الخدمة الإلزامية فى إحدى مؤسسات الخدمات العامة ، وكانت صوفيا تأنف من ذالك لأنها لم ترد أن تشارك هؤلاء المجرمين فى إجرامهم ولا أن تكون خاضعة لهم ولو لفترة وجيزة ، وظنت أنه بإستطاعتها أن تستبدل ذالك بالعمل التطوعى فى إحدى رياض الأطفال حيث كان عشقها لهم بلا حدود ، فالتحقت بالعمل كمدرسة فى إحدى رياض الأطفال بمدينة أولم ، ولكن أملها هذا ذهب أدراج الرياح ، فلم تحظى بالقبول فى الجامعة إلا بعد أن عملت لدة ستة أشهر فى إحدى فروع هذه المؤسسات فى بلومبرج .
ولقد دفعها النظام شبه العسكرى الذى كانت تخضع له خلال تلك الفترة والذى إكتشفت أنه يغتصب حرية الفرد ويحوله إلى مجرد عبد للنظام الذى يسيطر عليه هتلر إلى التفكير مليَا فى إتخاذ موقف حاسم تجاه النظام النازى .
وفى مايو 1942 إلتحقت صوفيا بجامعة ميونيخ بعد أن جابهت عوائق كثيرة تمكنت فى النهاية من التغلب عليها ، لتدرس العلوم البيولوجية والفلسفية التى كانت تعشقها ، وكان شقيقها ورفيق درب نضالها " هانز " يدرس الطب بذات الجامعة ، فعرفها على أصدقائه الذين وجدت صوفيا لديهم رغبة حاسمة فى التمرد على الوضع السائد فى المانيا والعمل على محاربة النظام النازى الحاكم سلميا ، حيث كانوا يشاركونها العديد من الميول والإهتمامات والمواقف السياسية المعارضة .
وفى هذا الجو الميونيخى الساحر بالنسبة لفتاة مثل صوفيا ، إلتقت بعدد من الفنانين والكتاب والفلاسفة الذين كان لهم أعظم الأثر فى تكوينها النفسى والثقافى ، وفى موقفها السياسى ، وكان على رأس هؤلاء البروفيسور " كورت هوبر " الذى ساهم بكثافة فى دعم تلميذته النجيبة " صوفيا " معنويا .
* * * * *
وفى مطلع صيف 1942 كانت صوفيا تؤسس بالإشتراك مع رفاقها وشقيقها " هانز شول " وبعض أساتذتها وعلى رأسهم البروفيسور " كورت هوبر " حركة " الوردة البيضاء " لمقاومة النظام النازى سلميّاً عن طريق مخاطبة الطلاب بواسطة المنشورات التى كان أعضاء الحركة يطبعونها ويوزعونها لفضح أساليب القمع والإجرام التى ينتهجها النظام النازى على الصعيدين الداخلى والخارجى ، وكانت صوفيا وشقيقها هانز يتولون فى الغالب عملية طبع هذه المنشورات وتوزيعها فى طرقات وممرات ودهاليز الجامعة ، وكانوا يخرجون ليلا لنقش جدران المنازل والشوارع بالعبارات المعادية لهتلر والنازية والمطالبة بالحرية .
وإمتد تأثير حركة " الوردة البيضاء " بعد ذالك إلى طلاب جامعات أخرى فى هامبورج وبرلين وفيينا وغيرها ، وكان أعضاء الحركة وعلى رأسهم صوفيا شول يضعون فى مقدمة إهتماماتهم إطلاع الشباب الجامعى على حقيقة الفظائع التى يرتكبها هتلر ونظامه الإجرامى تجاه اليهود والبولنديين والمعارضين الألمان ، ولفت أنظارهم إلى حجم الفساد الذى تفشى فى مؤسسات الدولة والإنحطاط الأخلاقى الذى تفشى فى أوساط الشباب بتشجيع من السلطات العليا النازية .
فلقد أرادت " الوردة البيضاء" أن تكسر الحلقة المفرغة التى كان الكثيرون يدرورون فى إطارها منتظرين من سيبدأ أولا فى التصدى للنظام النازى من الداخل ، وهو الأمر الذى جعل من كل أصحاب الضمائر الحية فى المانيا يشعرون بالذنب لموقفهم السلبى من النظام الديكتاتورى النازى .
وكانت صوفيا على رأس هذه المجموعة المناضلة تشترك فى إنتاج المنشورات وتوزيعها على طلاب الجامعة ، وتخرج تحت جنح الظلام إلى الشوارع والميادين مستغلة موهبتها الرائعة فى نقش جدران شوارع ميونيخ بشعارات الحركة المناهضة لهتلر والمعادية للنازية ، لتفاجىء رجال الجستابو فى الصباح بهذه العمليات التى تستهدف التقليل من شأن هتلر ونظامه فى نظر المواطنين وحثهم على التمرد عليه ورفض الخضوع لسياساته الإجرامية البشعة .
وإستمر الحال على ذالك حتى كان هذا اليوم الذى تمكن فيه رجال الجستابو من إخماد هذه الأصوات المغردة فى فضاء الحرية إلى الأبد .
* * * * *
ففى الثامن عشر من شباط ( فبراير ) عام 1943 إستيقظت صوفيا وشقيقها هانز كعادتهما فى الثامنة صباحا ، وكان بحوزتهم مايقرب من الف وثمانمائة نسخة من المنشور الأخير الذى أصدرته الحركة والذى كانوا يعتزمون تفريقه على زملائهم طلاب الجامعة ، وتوجها فى العاشرة والنصف إلى الجامعة ليمارسا واجبهما المعتاد فى توزيع هذه المنشورات التى تجشما المشاق والصعاب فى كتابتها وطبع مئات النسخ منها .
وبينما كانت صوفيا وشقيقها هانز منهمكين فى عملية بعثرة هذه المنشورات فى دهاليز وطرقات الجامعة ، لمحهما الحارس " يعقوب شميد " وهما يلقيان المنشورات من فوق الدرابزين ، فأسرع خلفهما ، وعندما لاحظ هانز وصوفيا ذالك حاولا التخلص مما كان بحوزتهما فى إحدى الغرف القريبة ، ولكنهما لم يحاولا الفرار بل جمدا فى مكانهما منتظرين لحاقه بهما .
قام " شميد " بإلقاء القبض عليهما ، وتم إبلاغ الجستابو الذى قاد حملة واسعة النطاق طالت أصدقائهم ومعارفهم ، وتم تفتيش منزلهما وإحراز الآلة الكاتبة وآلة النسخ التى كانا يسخدمانها فى إنتاج منشوراتهم ، وتم إستجواب صوفيا وهانز قبيل أن يتم ترحيلهم إلى سجن مركز قيادة الجستابو فى مدينة ميونيخ .
* * * * *
وفى هذا المكان إلتقت صوفيا للمرة الأولى بـ" إلزا جيبل " التى كانت تقضى عقوبة السجن وإستغلت للعمل بمكتب الإستقبال بالسجن ، وكانت صاحبة الفضل فى رواية تفاصيل ماحدث لصوفيا فى أيامها الأخيرة من خلال الخطاب الذى أرسلته إلى والديها لتخبرهم بتفاصيل ماحدث لها خلال هذه الفترة فى تشرين الثانى ( نوفمبر ) عام 1946 .
إعتقدت إلزا منذ الوهلة الأولى أن خطئا ما قد أدى إلى إلقاء القبض على صوفيا ، فلم تتصور بداءة أن هذه الفتاة الجميلة ذات الملامح الطفولية البريئة والسحنة الهادئة قد تقوم بهذه الأفعال الغير محسوبة العواقب .
رافقت إلزا صوفيا خلال أيامها الخمسة الأخيرة فى زنزانتها ، وكانت صوفيا تتعرض للإستجواب بصورة شبه دائمة ، بينما كانت معنوياتها مرتفعة للغاية ، فقد كانت تتنبأ بهزيمة المانيا الوشيكة فى الحرب خلال ثمانية أسابيع على الأقل ، وبالفعل تحققت نبوئتها بعد وفاتها ، ولكن بفترة أطول مما كانت تتوقع .
كانت إلزا تحاول التخفيف عن صوفيا خلال هذه اللحظات الأخيرة من حياتها مانحة إياها جرعات من الأمل فى أن يتم تخفيف الحكم عنها أو إطلاق سراحها ، ولكن صوفيا لم تكن تعبء بهذا ، بل كانت تسعى إلى تحمل عبء ماحدث نيابة عن شقيقها وأصدقائها .
* * * * *
وعندما شعر " روبرت موهر " الذى كان يتولى التحقيق معها بقدر من التعاطف تجاهها ، حاول أن يمنحها فرصة جديدة لإطلاق سراحها عندما أخذ يشرح لها معنى النازية والشرف الألمانى ومدى شناعة ما إرتكبته - على حد تعبيره - تجاه النظام النازى ، كان موهر يريد أن يمنحها فرصة حقيقية للنجاة عندما سألها :-
" ... أنسة شول ... إن كنت قد تعلمت من هذا الدرس وفكرت جيدا فيما حدث ... بالتأكيد لن تندفعى ثانية فى مثل هذه الأفعال الطائشة المتهورة ... اليس كذالك ؟؟!! " ...
فما كان من هذه الفتاة الجريئة الشجاعة المضحية إلا أن أجابته بلهجتها الهادئة النبرة الواثقة من نفسها والمدركة لنتيجة ماتتفوه به :-
"... لا ياسيدى ... أنت مخطىء بالطبع .... إن قدر لى أن أغادر هذا المكان فسأكرر مافعلته مرات ومرات ... بالنسبة لك فإنه يجب أن تتوب عن الأخطاء التى ترتكبها بعملك هذا ... أما أنا .. فلا ... إنه واجبى يا سيادة المحقق !! . " ...
* * * * *
كانت صوفيا تحرص على أن تضيق دائرة الإتهام بقدر إستطاعتها عليها فقط ، وكانت تتمنى أن يتم إستبعاد شقيقها وأصدقائها من مواجهة هذه التهمة ، وقد صدمت عندما أخبرتها إلزا فى اليوم الرابع بعد القبض عليها بأن أحد أفراد مجموعتها قد زج به فى السجن ، كان هذا الفتى هو " كريستوف بروبست " ، شعرت صوفيا بالحزن والهلع لهذا الأمر ، فقد كانت تدرك جيدا أن كريستوف يعول أسرة بكاملها وكان يعمل جاهدا من أجل سعادتها ورفاهيتها ، وكانت صوفيا تحاول أن تستبعده دائما من هذه العمليات خوفا عليه وعلى مستقبل أسرته التى لا تحتمل فراقه .
كانت صوفيا تردد فى أيامها الأخيرة :-
" ... سوف أموت حتما ... ولكن كم عدد من لقوا حتفهم هذه الأيام فى ميادين القتال ؟؟ كم عدد الأطفال الصغار الواعدين الذين راحوا ضحايا لهذه الحروب البشعة ؟؟؟ لماذا أخاف من موتى إذا كان سينبه الآلاف من الناس ويوقظهم من غفوتهم ....
من قلب المأساة ومن بين أجساد الطلاب ... ستخرج الثورة حتما ..." .
كانت إلزا تمنحها الأمل فى إحتمالية أن تسجن لفترة ما ثم يطلق سراحها ولكنها كانت ترفض التفكير فى هذا الأمر :-
" ... إذا حكم على أخى بالموت ... فلا يجب أن أتوقع عقوبة أقل من هذا ... إننا فى النضال سواء ... ويجب أن نكون فى الموت سواء " .
وعندما أحضر لها أحد المحامين للتحدث معها فى إجراء شكلى قبل المحاكمة ، سألها عما إذا كان يمكنه أن يطلب العفو عنها على إعتبار أنها إمرأة .. أو صغيرة فى السن ، لم تدعه صوفيا يستأنف حديثه قائلة أن لديها طلب واحد ترجوه أن يعمل على تنفيذه هو أنه فى حالة الحكم بإعدام شقيقها ينبغى أن يتم ذالك بإطلاق الرصاص بدلا من المشنقة أو المقصلة لأنه كان جنديا يقاتل فى الصفوف الأولى ، وقبل أن يفيق الرجل من ذهوله عاجلته هذه الفتاة الشجاعة اللامبالية بالمصير الذى ينتظرها بتسائل آخر عما إذا كان سيتم شنقها على رؤوس الأشهاد أم سيتم قطع رقبتها بالمقصلة !! .
وجهت صوفيا ... الفتاة الصغيرة البريئة ... هذه الأسئلة إلى محاميها بنبرة هادئة وبرباطة جأش يعجز عنها الأشداء من الرجال ، وكان ذهول محاميها حائلا بينه وبين قدرته على إجابتها .
* * * * *
وفى الثانى والعشرين من شباط ( فبراير ) عام 1943 كانت صوفيا على موعد مع القدر ، أيقظتها إلزا فى السابعة من صباح ذالك اليوم لتستعد للمثول أمام المحكمة التى لا إستئناف فيها ولا معارضة ، جلست صوفيا على حافة فراشها تقص على إلزا حلمها الأخير الذى شاهدته قبل لحظات ، فقد رأت فيما يرى النائم أنها كانت تحمل طفلا جميلا فى رداء أبيض طويل فى طريقها كى تعمده ، كان الطريق إلى الكنيسة جبليا شديد الإنحدار ، ينتهى بمجلدة ( سطح مائى متجمد ) تفصل بينه وبين الكنيسة التى تقع على الجانب الآخر ، حملت صوفيا طفلها بكل ثبات حتى بلغت هذه المجلدة التى ما إن قاربت على الوصول إلى جانبها الآخر حتى تصدع الجليد تحت قدميها ، وكان لديها الوقت الكافى لكى تضع الطفل على الجانب الآخر وتتركه فى أمان قبيل أن تهوى فى القاع .
وفسرت صوفيا حلمها هذا قائلة أن الطفل ذو الملابس البيضاء هو أفكارها التى ستبقى على الرغم من كافة العوائق التى تعترض طريقها :-
" ... لقد كتب علينا أن نمهد الطريق للأجيال القادمة ... ولكن يجب أن نموت مبكراً من أجل أن تحيا أفكارنا ..." .
كانت هذه هى آخر الكلمات التى تحدثت بها صوفيا شول مع صديقتها إلزا جيبل قبيل أن يفترقا إلى الأبد ، فبعد لحظات إستدعيت إلزا إلى عملها ، ثم أخذت صوفيا إلى المحكمة .
* * * * *
كانت المحاكمة التى عقدت لصوفيا وشقيقها هانز وصديقهما كريستوف بروبست عبارة عن مسرحية هزلية لإضفاء قدر من المشروعية الزائفة على المصير الذى كان فى إنتظارهم بعد ذلك بسويعات قليلة !! .
فقد بدأت الجلسة فى العاشرة من صباح هذا اليوم المشئوم ، وكان القاضى قد عيَّن محاميا للدفاع عنهم كإجراء شكلى لا هدف منه سوى إقناع الرأى العام بأن المحاكمة قد أخذت مجراها الطبيعى ، وقد قرر الإدعاء عدم إستدعاء أى من شهود النفى بحجة أن المدعى عليهم سبق إعترافهم بالتهم الموجهة لهم !! .
وعندما رفعت الجلسة لبعض الوقت كى يتناول القضاة طعام الغداء ، وقف " يعقوب شميد " الحارس الذى وشى بهم يتفاخر بفعلته أمام الجمهور الذى تم حشده فى القاعة ، متلقيا منهم كلمات وعبارات الإطراء والمديح والإعجاب والتقدير والإستحسان ، لأنه وشى بهؤلاء الأبرياء الثلاثة الذين ينتظرهم مصير مظلم بعد ساعات قليلة سببه لهم وشاية هذا الرجل الذى لم يتورع عن الظهور فى قاعة المحكمة لكى يعبر عن تشفيه فيهم ، ولم يسجل أى من أعضاء هيئة المحكمة أدنى إعتراض على هذا الفصل الهزلى الذى إكتمل بعد ذالك بلحظات قليلة .
ففى حوالى الثانية عشرة والنصف ، وصل " روبرت شول " و " ماجدلينا شول " والدى هانز وصوفيا إلى قاعة المحكمة بينما كان المحامى يقدم دفاعه الهزيل المتفق عليه مسبقا ، فما كان من " روبرت شول " إلا أن طلب أن يتولى مهمة الدفاع عن أبنائه ، فأمر القاضى عملاء الجستابو المتواجدين فى القاعة بإخراجه منها على الفور !! .
وإنتهت الجلسة بعد ذالك بحوالى عشر دقائق بإدانة الشبان الثلاثة ، وحكم على صوفيا شول وعلى هانز شول وكريستوف بروبست بالموت لأنهم حاولوا تحطيم القيود التى فرضت عليهم دون إرادتهم .
حاول الوالد المكلوم أن يقدم طلبا عاجلا بالعفو عن أبنائه ، إلا أن محاولته بائت بالفشل ، وطلب منه أن يتوجه إلى السجن كى يلقاهم للمرة الأخيرة .
* * * * *
وفى الساعة الخامسة من مساء هذا اليوم ، أسدل الستار على حياة المناضلة الألمانية الشابة صوفيا شول وشقيقها هانز وصديقهما ، عندما نفذ فيهم الحكم الجائر بإعدامهم ، وتم قطع رؤوسهم على مقصلة النظام النازى الجائر الذى إنتقم منهم لأنهم حاولوا مقاومة الطغيان والحصول على حريتهم التى سلبها منهم هؤلاء الطغاة الذين لم يستمروا طويلا وتحققت فيهم نبوءة صوفيا شول التى صرخت فى وجه القاضى بجرأة تحسد عليها :-
" ... سيأتى اليوم الذى تقف فيه مكانى ... "
فى إشارة واضحة إلى أن النظام النازى الذى يمثله هو المجرم الحقيقى الذى يجب أن يعاقب وليست هى التى لم تقم سوى بواجبها تجاه بلادها وتجاه الإنسانية .
رحلت صوفيا شول عن عالمنا ولم يكن عمرها قد تجاوز الحادية والعشرين سوى بتسعة أشهر وثلاثة عشر يوما وسويعات قليلة ، ولكن أثرها الذى خلفته بوقفتها التى لا مثيل لها فى وجه الطغيان الذى كان يحكم بلادها قد كتبت لها عمرا جديدا بذكراها التى ستعيش بيننا إلى الأبد .
عبدالكريم نبيل سليمان
الإسكندرية / مصر

صوفيا شول : زهرة ثلجية .. فى رياض الحرية


بعد مرور مايقرب من خمسة عشر عاما على الهزيمة الساحقة التى منيت بها المانيا فى الحرب العالمية الأولى ، تمكن حزب العمال الوطنيين الإشتراكيين المعروف إختصارا تحت إسم " النازى " من الوصول إلى الحكم وأصبح زعيمه " أدولف هتلر " مستشارا لألمانيا .
ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى سدة الحكم سعى " هتلر " إلى إحكام قبضته على كافة شؤون البلاد ، فأقام حكما ديكتاتوريا بشعا مستخدما كافة أجهزة الدولة فى قمع المعارضة والتنكيل بها ، وتمكن بسرعة البرق من تحقيق أهدافه الشمولية المتطرفة ، فألغى الأحزاب السياسية وفرض سياسة الحزب الواحد على الجميع ، ولم يكن هتلر يهتم بمحاكمة مناوئيه ، بل كان يتخلص منهم بالإعتقال والإغتيال ، فقد كان يحتقر الديمقراطية ويسعى جاهدا إلى القضاء عليها ودحر كل من يطالبون بها ، وإستطاع هتلر خلال فترة وجيزة أن يسيطر على مقاليد الأمور داخل البلاد وحكمها بأسلوب شمولى قمعى بشع تمهيدا لتحقيق أطماعه التوسعية وضم أجزاءا أخرى من العالم إلى الرايخ الثالث .
كان هتلر عنصريا متعصبا للجنس الآرى ، وكان عداءه لليهود على أشده ، فقد جعل أحد أهم أهدافه إبادة اليهود فى شتى أنحاء العالم ، فأقام المعسكرات المزودة بغرف الغاز الخانق لإبادتهم ، حيث كان اليهود يساقون إلى حتفهم فيها بالجملة ، وفى كل بلد إحتلها هتلر كان يدفع بالأبرياء من اليهود رجالا ونساءا وأطفالا ، شيبا وشبابا ، إلى غرف الموت ، وتمكن هذا السفاح المجرم خلال سنوات قليلة جدا من إعدام مايقرب من ستة ملا يين يهودى برىء .
ولم يكن اليهود وحدهم ضحايا غطرسة هتلر وعنصريته ، ولكن طال ذالك أيضا عددا من الأجناس الأخرى التى كان الطاغية يرى أنها أحط قدرا من الجنس الآرى ، فلم يسلم من ذالك الروس والغجر والعرب والأتراك وغيرهم ممن رأى أنهم يحملون فى داخلهم حقدا على النظام النازى فى ألمانيا .
عمل هتلر على إعداد ألمانيا لتكون السبب فى إشعال الحرب ، وبدأ مع إستقرار الأمور له داخل البلاد بعد إخماده لأصوات المعارضين له والمناوئين لسياساته فى تنفيذ خططه البشعة الأخرى .
كانت بريطانيا وفرنسا غارقتان فى مشاكلهما الإقتصادية ، ولم تلتفتا إلى الخطر النازى الرابض على الأبواب عندما خرق هتلر معاهدة فرساى أو عندما ضم النمسا إلى ألمانيا أو عندما إستولى على البقية الباقية من تشيكوسلوفاكيا .
ولكن نذر الحرب بدأت تلوح فى الأفق عندما زحفت جيوش الطاغية على بولندا ، فإستيقظ الحلفاء من سباتهم وعقدوا العزم على مواجهة هذا السفاح وإيقاف أطماعه عند حدودها مهما كانت النتائج .
أعلنت المانيا الحرب ، وجرَّت إليها معظم دول العالم ، وراح عشرات الآلاف يتساقطون قتلى على كافة الجبهات فى معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وتمكن هتلر فى منتصف عام 1942 من الإستيلاء على أكبر مساحة من الأراضى الأوروبية كما لم تفعل أى دولة فى التاريخ القديم والمعاصر ، فى الوقت الذى كانت المانيا تسيطر فيه على أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا وتعد نفسها للزحف صوب مصر .
* * * * *
وفى هذا التوقيت الحرج ، وبينما كان أحد من الألمان لا يجرؤ أن يفتح فاه بكلمة تمس الفوهرر أو تحاول نقد سياساته الإجرامية المدمرة ، فى الوقت الذى باع فيه معظم الألمان أنفسهم لهتلر ووضعوا حياتهم تحت تصرف دماغه السادى المريض ، فى الوقت الذى كان الملايين من المواطنين الألمان يعيشون حياة السلبية واللامبالاة بكل هذه الفظائع التى تجرى من حولهم وتتم بإسمهم ، فى هذا الوقت الذى كان الجميع يرفعون فيه شعارات الخوف والسلبية والرعب والإنهزامية والإنقياد الأعمى لرغبات السفاح البربرى النازى السادية ، فى هذا الجو المشبع بالخوف والملىء بالرعب ، ظهرت هذه الوردة البيضاء الصغيرة الشابة : مجموعة من طلاب جامعة ميونيخ قرروا الخروج عن المألوف السلبى ، والعزف على نغمة عذبة صافية نقية مغايرة للنغمة الصاخبة المألوفة ، قرروا أن يصيحوا بأعلى أصواتهم مطالبين بسقوط الطاغية ، وإندحار النازية ، والبقاء للحرية .
تعددت إنتماءاتهم وميولهم ، وإختلفت تخصصات دراستهم ، ولكنهم إتفقوا على شىء واحد هو العمل على إسقاط النظام النازى الذى عصف بالبلاد وأذاق أهلها مر العذاب وجعل من حياتهم جحيما لا يطاق ، وحول شبابهم إلى أدوات للموت وضحايا لرغبات الفوهرر الشاذة السادية .
وعلى الرغم من أن " الوردة البيضاء " كانت تضم فى عضويتها وجوها شابة كثيرة مابين أساتذة فى الجامعة وطلاب فيها ، إلا أن الوجه المشرق الذى كان يميز هذه المجموعة هى تلك الفتاة العشرينية ذات الملامح الطفولية الصافية البريئة والسحنة الهادئة المبتسمة التى تخفى ورائها كما هائلا من التمرد على الأوضاع المرة اللاإنسانية ، ورفض الخضوع للنظم الديكتاتورية الوحشية ، وتقديم الموت على حياة الذلة والمهانة والتبعية ، والتضحية بكل غال ونفيس من أجل السعادة والرخاء والسلام والحرية ، إنها " صوفيا شول " التى جازفت بحياتها من أجل تحرير بلادها من سطوة وسيطرة نظام الحكم النازى الذى كان يعيث فى بلادها فسادا ويحكمها بالحديد والنارويقودها إلى الهاوية بكل همجية ووحشية وبربرية .
* * * * *
ولدت صوفيا فى التاسع من أيار ( مايو ) عام 1921 بمدينة فروختنبرج frochtenberg لوالد كان يشغل منصب رئيس بلديتها ، وفى عام 1932 إنتقلت عائلة صوفيا إلى مدينة أولم ulm وإستقرت بها ، وبعد ذالك بعام واحد تغير الوجه الحضارى لألمانيا مع وصول النازيين إلى السلطة بزعامة هتلر ولم يكن عمر الفتاة يناهز الثالثة عشرة بعد . .
وعندما كانت صوفيا تدرس فى المرحلة الثانوية إلتحقت كمعظم أقرانها بـ" منظمة الشباب الهتلرى " التى أنشأها هتلر خصيصا لدمج الشباب فى بوتقة سياسية واحدة والحيلولة دون بروز إتجاهات سياسية معارضة لنظام حكمه بين صفوفهم ، ولكن صوفيا لم تتأثر على الإطلاق بهذا الأمر ، فقد كانت تمتلك منذ نعومة أظفارها حاسة نقدية قوية مكنتها من رفض السياسات العنصرية التى كان هتلر ينتهجها فى محاربة خصومه ، إضافة إلى أن الآراء السياسية المعارضة التى كان والدها وأصدقائها يتداولونها سرا فينا بينهم قد ساهمت بشكل فعال فى حياكة نسيجها الفكرى الرافض لسياسات الحكم النازى الداخلية والخارجية .
وقد تركت عملية إعتقال شقيقها هانز وبعض رفاقها دون مبرر عام 1937 لفترة قصيرة أثرا عميقا عليها ، ودفعتها تلك الأزمة إلى أن تفكر جديا فى إخراج معارضتها للنظام النازى من حيز السرية الفكرى إلى رحاب التنفيذ الواقعى ، لتصبح واحدة من أشهر المعارضات للنظام النازى فى المانيا وإحدى ضحاياه فى ذات الوقت .
لم تكن إهتمامات صوفيا تنصب فى محيط السياسة فحسب ، وإنما كان لديها العديد من المواهب والهوايات التى غطت مجالات أخرى كثيرة ، فقد برعت فى فن الرسم ، وإتصلت بالعديد من فنانى عصرها الذين ساعدوها على تنمية موهبتها وإثرائها ، كما أنها كانت شديدة التوق إلى القراءة والمطالعة خاصة فى المجالات العلمية والفلسفية ، كما أن عشقها للموسيقى كان بلا حدود حيث كانت تشترك مع بعض زملائها وأصدقائها فى تنظيم أمسيات موسيقية يتمتعون فيها بالإستماع إلى الموسيقى المحببة إلى قلوبهم ، كما كانت تقضى أوقاتا طويلة فى نزهات ممتعة مع أصدقائها فى التزلج والسباحة ، ولقد شكلت هذه الهوايات العالم الخاص لصوفيا شول و البديل الحقيقى للواقع المر الذى حول فيه النظام النازى البلاد إلى جحيم لا يطاق .
وفى ربيع 1940 تخرجت صوفيا من المدرسة الثانوية بتفوق ملحوظ ، وكانت أطروحة تخرجها تحت عنوان " اليد التى تهز المهد قادرة على أن تزلزل العالم " فى إشارة واضحة إلى وعيها ونضجها الفكرى الشديد وإيمانها بقدرتها كإمرأة على تغيير الواقع نحو الأفضل ، وطابعها الفريد فى التمرد على كافة أشكال التمييز التى تعانى منها المرأة والأقليات فى بلادها .
* * * * *
كان النظام فى ألمانيا فى ذالك الوقت يشترط على كل من يرغب فى الإلتحاق بالجامعة أن يقضى فترة فى الخدمة الإلزامية فى إحدى مؤسسات الخدمات العامة ، وكانت صوفيا تأنف من ذالك لأنها لم ترد أن تشارك هؤلاء المجرمين فى إجرامهم ولا أن تكون خاضعة لهم ولو لفترة وجيزة ، وظنت أنه بإستطاعتها أن تستبدل ذالك بالعمل التطوعى فى إحدى رياض الأطفال حيث كان عشقها لهم بلا حدود ، فالتحقت بالعمل كمدرسة فى إحدى رياض الأطفال بمدينة أولم ، ولكن أملها هذا ذهب أدراج الرياح ، فلم تحظى بالقبول فى الجامعة إلا بعد أن عملت لدة ستة أشهر فى إحدى فروع هذه المؤسسات فى بلومبرج .
ولقد دفعها النظام شبه العسكرى الذى كانت تخضع له خلال تلك الفترة والذى إكتشفت أنه يغتصب حرية الفرد ويحوله إلى مجرد عبد للنظام الذى يسيطر عليه هتلر إلى التفكير مليَا فى إتخاذ موقف حاسم تجاه النظام النازى .
وفى مايو 1942 إلتحقت صوفيا بجامعة ميونيخ بعد أن جابهت عوائق كثيرة تمكنت فى النهاية من التغلب عليها ، لتدرس العلوم البيولوجية والفلسفية التى كانت تعشقها ، وكان شقيقها ورفيق درب نضالها " هانز " يدرس الطب بذات الجامعة ، فعرفها على أصدقائه الذين وجدت صوفيا لديهم رغبة حاسمة فى التمرد على الوضع السائد فى المانيا والعمل على محاربة النظام النازى الحاكم سلميا ، حيث كانوا يشاركونها العديد من الميول والإهتمامات والمواقف السياسية المعارضة .
وفى هذا الجو الميونيخى الساحر بالنسبة لفتاة مثل صوفيا ، إلتقت بعدد من الفنانين والكتاب والفلاسفة الذين كان لهم أعظم الأثر فى تكوينها النفسى والثقافى ، وفى موقفها السياسى ، وكان على رأس هؤلاء البروفيسور " كورت هوبر " الذى ساهم بكثافة فى دعم تلميذته النجيبة " صوفيا " معنويا .
* * * * *
وفى مطلع صيف 1942 كانت صوفيا تؤسس بالإشتراك مع رفاقها وشقيقها " هانز شول " وبعض أساتذتها وعلى رأسهم البروفيسور " كورت هوبر " حركة " الوردة البيضاء " لمقاومة النظام النازى سلميّاً عن طريق مخاطبة الطلاب بواسطة المنشورات التى كان أعضاء الحركة يطبعونها ويوزعونها لفضح أساليب القمع والإجرام التى ينتهجها النظام النازى على الصعيدين الداخلى والخارجى ، وكانت صوفيا وشقيقها هانز يتولون فى الغالب عملية طبع هذه المنشورات وتوزيعها فى طرقات وممرات ودهاليز الجامعة ، وكانوا يخرجون ليلا لنقش جدران المنازل والشوارع بالعبارات المعادية لهتلر والنازية والمطالبة بالحرية .
وإمتد تأثير حركة " الوردة البيضاء " بعد ذالك إلى طلاب جامعات أخرى فى هامبورج وبرلين وفيينا وغيرها ، وكان أعضاء الحركة وعلى رأسهم صوفيا شول يضعون فى مقدمة إهتماماتهم إطلاع الشباب الجامعى على حقيقة الفظائع التى يرتكبها هتلر ونظامه الإجرامى تجاه اليهود والبولنديين والمعارضين الألمان ، ولفت أنظارهم إلى حجم الفساد الذى تفشى فى مؤسسات الدولة والإنحطاط الأخلاقى الذى تفشى فى أوساط الشباب بتشجيع من السلطات العليا النازية .
فلقد أرادت " الوردة البيضاء" أن تكسر الحلقة المفرغة التى كان الكثيرون يدرورون فى إطارها منتظرين من سيبدأ أولا فى التصدى للنظام النازى من الداخل ، وهو الأمر الذى جعل من كل أصحاب الضمائر الحية فى المانيا يشعرون بالذنب لموقفهم السلبى من النظام الديكتاتورى النازى .
وكانت صوفيا على رأس هذه المجموعة المناضلة تشترك فى إنتاج المنشورات وتوزيعها على طلاب الجامعة ، وتخرج تحت جنح الظلام إلى الشوارع والميادين مستغلة موهبتها الرائعة فى نقش جدران شوارع ميونيخ بشعارات الحركة المناهضة لهتلر والمعادية للنازية ، لتفاجىء رجال الجستابو فى الصباح بهذه العمليات التى تستهدف التقليل من شأن هتلر ونظامه فى نظر المواطنين وحثهم على التمرد عليه ورفض الخضوع لسياساته الإجرامية البشعة .
وإستمر الحال على ذالك حتى كان هذا اليوم الذى تمكن فيه رجال الجستابو من إخماد هذه الأصوات المغردة فى فضاء الحرية إلى الأبد .
* * * * *
ففى الثامن عشر من شباط ( فبراير ) عام 1943 إستيقظت صوفيا وشقيقها هانز كعادتهما فى الثامنة صباحا ، وكان بحوزتهم مايقرب من الف وثمانمائة نسخة من المنشور الأخير الذى أصدرته الحركة والذى كانوا يعتزمون تفريقه على زملائهم طلاب الجامعة ، وتوجها فى العاشرة والنصف إلى الجامعة ليمارسا واجبهما المعتاد فى توزيع هذه المنشورات التى تجشما المشاق والصعاب فى كتابتها وطبع مئات النسخ منها .
وبينما كانت صوفيا وشقيقها هانز منهمكين فى عملية بعثرة هذه المنشورات فى دهاليز وطرقات الجامعة ، لمحهما الحارس " يعقوب شميد " وهما يلقيان المنشورات من فوق الدرابزين ، فأسرع خلفهما ، وعندما لاحظ هانز وصوفيا ذالك حاولا التخلص مما كان بحوزتهما فى إحدى الغرف القريبة ، ولكنهما لم يحاولا الفرار بل جمدا فى مكانهما منتظرين لحاقه بهما .
قام " شميد " بإلقاء القبض عليهما ، وتم إبلاغ الجستابو الذى قاد حملة واسعة النطاق طالت أصدقائهم ومعارفهم ، وتم تفتيش منزلهما وإحراز الآلة الكاتبة وآلة النسخ التى كانا يسخدمانها فى إنتاج منشوراتهم ، وتم إستجواب صوفيا وهانز قبيل أن يتم ترحيلهم إلى سجن مركز قيادة الجستابو فى مدينة ميونيخ .
* * * * *
وفى هذا المكان إلتقت صوفيا للمرة الأولى بـ" إلزا جيبل " التى كانت تقضى عقوبة السجن وإستغلت للعمل بمكتب الإستقبال بالسجن ، وكانت صاحبة الفضل فى رواية تفاصيل ماحدث لصوفيا فى أيامها الأخيرة من خلال الخطاب الذى أرسلته إلى والديها لتخبرهم بتفاصيل ماحدث لها خلال هذه الفترة فى تشرين الثانى ( نوفمبر ) عام 1946 .
إعتقدت إلزا منذ الوهلة الأولى أن خطئا ما قد أدى إلى إلقاء القبض على صوفيا ، فلم تتصور بداءة أن هذه الفتاة الجميلة ذات الملامح الطفولية البريئة والسحنة الهادئة قد تقوم بهذه الأفعال الغير محسوبة العواقب .
رافقت إلزا صوفيا خلال أيامها الخمسة الأخيرة فى زنزانتها ، وكانت صوفيا تتعرض للإستجواب بصورة شبه دائمة ، بينما كانت معنوياتها مرتفعة للغاية ، فقد كانت تتنبأ بهزيمة المانيا الوشيكة فى الحرب خلال ثمانية أسابيع على الأقل ، وبالفعل تحققت نبوئتها بعد وفاتها ، ولكن بفترة أطول مما كانت تتوقع .
كانت إلزا تحاول التخفيف عن صوفيا خلال هذه اللحظات الأخيرة من حياتها مانحة إياها جرعات من الأمل فى أن يتم تخفيف الحكم عنها أو إطلاق سراحها ، ولكن صوفيا لم تكن تعبء بهذا ، بل كانت تسعى إلى تحمل عبء ماحدث نيابة عن شقيقها وأصدقائها .
* * * * *
وعندما شعر " روبرت موهر " الذى كان يتولى التحقيق معها بقدر من التعاطف تجاهها ، حاول أن يمنحها فرصة جديدة لإطلاق سراحها عندما أخذ يشرح لها معنى النازية والشرف الألمانى ومدى شناعة ما إرتكبته - على حد تعبيره - تجاه النظام النازى ، كان موهر يريد أن يمنحها فرصة حقيقية للنجاة عندما سألها :-
" ... أنسة شول ... إن كنت قد تعلمت من هذا الدرس وفكرت جيدا فيما حدث ... بالتأكيد لن تندفعى ثانية فى مثل هذه الأفعال الطائشة المتهورة ... اليس كذالك ؟؟!! " ...
فما كان من هذه الفتاة الجريئة الشجاعة المضحية إلا أن أجابته بلهجتها الهادئة النبرة الواثقة من نفسها والمدركة لنتيجة ماتتفوه به :-
"... لا ياسيدى ... أنت مخطىء بالطبع .... إن قدر لى أن أغادر هذا المكان فسأكرر مافعلته مرات ومرات ... بالنسبة لك فإنه يجب أن تتوب عن الأخطاء التى ترتكبها بعملك هذا ... أما أنا .. فلا ... إنه واجبى يا سيادة المحقق !! . " ...
* * * * *
كانت صوفيا تحرص على أن تضيق دائرة الإتهام بقدر إستطاعتها عليها فقط ، وكانت تتمنى أن يتم إستبعاد شقيقها وأصدقائها من مواجهة هذه التهمة ، وقد صدمت عندما أخبرتها إلزا فى اليوم الرابع بعد القبض عليها بأن أحد أفراد مجموعتها قد زج به فى السجن ، كان هذا الفتى هو " كريستوف بروبست " ، شعرت صوفيا بالحزن والهلع لهذا الأمر ، فقد كانت تدرك جيدا أن كريستوف يعول أسرة بكاملها وكان يعمل جاهدا من أجل سعادتها ورفاهيتها ، وكانت صوفيا تحاول أن تستبعده دائما من هذه العمليات خوفا عليه وعلى مستقبل أسرته التى لا تحتمل فراقه .
كانت صوفيا تردد فى أيامها الأخيرة :-
" ... سوف أموت حتما ... ولكن كم عدد من لقوا حتفهم هذه الأيام فى ميادين القتال ؟؟ كم عدد الأطفال الصغار الواعدين الذين راحوا ضحايا لهذه الحروب البشعة ؟؟؟ لماذا أخاف من موتى إذا كان سينبه الآلاف من الناس ويوقظهم من غفوتهم ....
من قلب المأساة ومن بين أجساد الطلاب ... ستخرج الثورة حتما ..." .
كانت إلزا تمنحها الأمل فى إحتمالية أن تسجن لفترة ما ثم يطلق سراحها ولكنها كانت ترفض التفكير فى هذا الأمر :-
" ... إذا حكم على أخى بالموت ... فلا يجب أن أتوقع عقوبة أقل من هذا ... إننا فى النضال سواء ... ويجب أن نكون فى الموت سواء " .
وعندما أحضر لها أحد المحامين للتحدث معها فى إجراء شكلى قبل المحاكمة ، سألها عما إذا كان يمكنه أن يطلب العفو عنها على إعتبار أنها إمرأة .. أو صغيرة فى السن ، لم تدعه صوفيا يستأنف حديثه قائلة أن لديها طلب واحد ترجوه أن يعمل على تنفيذه هو أنه فى حالة الحكم بإعدام شقيقها ينبغى أن يتم ذالك بإطلاق الرصاص بدلا من المشنقة أو المقصلة لأنه كان جنديا يقاتل فى الصفوف الأولى ، وقبل أن يفيق الرجل من ذهوله عاجلته هذه الفتاة الشجاعة اللامبالية بالمصير الذى ينتظرها بتسائل آخر عما إذا كان سيتم شنقها على رؤوس الأشهاد أم سيتم قطع رقبتها بالمقصلة !! .
وجهت صوفيا ... الفتاة الصغيرة البريئة ... هذه الأسئلة إلى محاميها بنبرة هادئة وبرباطة جأش يعجز عنها الأشداء من الرجال ، وكان ذهول محاميها حائلا بينه وبين قدرته على إجابتها .
* * * * *
وفى الثانى والعشرين من شباط ( فبراير ) عام 1943 كانت صوفيا على موعد مع القدر ، أيقظتها إلزا فى السابعة من صباح ذالك اليوم لتستعد للمثول أمام المحكمة التى لا إستئناف فيها ولا معارضة ، جلست صوفيا على حافة فراشها تقص على إلزا حلمها الأخير الذى شاهدته قبل لحظات ، فقد رأت فيما يرى النائم أنها كانت تحمل طفلا جميلا فى رداء أبيض طويل فى طريقها كى تعمده ، كان الطريق إلى الكنيسة جبليا شديد الإنحدار ، ينتهى بمجلدة ( سطح مائى متجمد ) تفصل بينه وبين الكنيسة التى تقع على الجانب الآخر ، حملت صوفيا طفلها بكل ثبات حتى بلغت هذه المجلدة التى ما إن قاربت على الوصول إلى جانبها الآخر حتى تصدع الجليد تحت قدميها ، وكان لديها الوقت الكافى لكى تضع الطفل على الجانب الآخر وتتركه فى أمان قبيل أن تهوى فى القاع .
وفسرت صوفيا حلمها هذا قائلة أن الطفل ذو الملابس البيضاء هو أفكارها التى ستبقى على الرغم من كافة العوائق التى تعترض طريقها :-
" ... لقد كتب علينا أن نمهد الطريق للأجيال القادمة ... ولكن يجب أن نموت مبكراً من أجل أن تحيا أفكارنا ..." .
كانت هذه هى آخر الكلمات التى تحدثت بها صوفيا شول مع صديقتها إلزا جيبل قبيل أن يفترقا إلى الأبد ، فبعد لحظات إستدعيت إلزا إلى عملها ، ثم أخذت صوفيا إلى المحكمة .
* * * * *
كانت المحاكمة التى عقدت لصوفيا وشقيقها هانز وصديقهما كريستوف بروبست عبارة عن مسرحية هزلية لإضفاء قدر من المشروعية الزائفة على المصير الذى كان فى إنتظارهم بعد ذلك بسويعات قليلة !! .
فقد بدأت الجلسة فى العاشرة من صباح هذا اليوم المشئوم ، وكان القاضى قد عيَّن محاميا للدفاع عنهم كإجراء شكلى لا هدف منه سوى إقناع الرأى العام بأن المحاكمة قد أخذت مجراها الطبيعى ، وقد قرر الإدعاء عدم إستدعاء أى من شهود النفى بحجة أن المدعى عليهم سبق إعترافهم بالتهم الموجهة لهم !! .
وعندما رفعت الجلسة لبعض الوقت كى يتناول القضاة طعام الغداء ، وقف " يعقوب شميد " الحارس الذى وشى بهم يتفاخر بفعلته أمام الجمهور الذى تم حشده فى القاعة ، متلقيا منهم كلمات وعبارات الإطراء والمديح والإعجاب والتقدير والإستحسان ، لأنه وشى بهؤلاء الأبرياء الثلاثة الذين ينتظرهم مصير مظلم بعد ساعات قليلة سببه لهم وشاية هذا الرجل الذى لم يتورع عن الظهور فى قاعة المحكمة لكى يعبر عن تشفيه فيهم ، ولم يسجل أى من أعضاء هيئة المحكمة أدنى إعتراض على هذا الفصل الهزلى الذى إكتمل بعد ذالك بلحظات قليلة .
ففى حوالى الثانية عشرة والنصف ، وصل " روبرت شول " و " ماجدلينا شول " والدى هانز وصوفيا إلى قاعة المحكمة بينما كان المحامى يقدم دفاعه الهزيل المتفق عليه مسبقا ، فما كان من " روبرت شول " إلا أن طلب أن يتولى مهمة الدفاع عن أبنائه ، فأمر القاضى عملاء الجستابو المتواجدين فى القاعة بإخراجه منها على الفور !! .
وإنتهت الجلسة بعد ذالك بحوالى عشر دقائق بإدانة الشبان الثلاثة ، وحكم على صوفيا شول وعلى هانز شول وكريستوف بروبست بالموت لأنهم حاولوا تحطيم القيود التى فرضت عليهم دون إرادتهم .
حاول الوالد المكلوم أن يقدم طلبا عاجلا بالعفو عن أبنائه ، إلا أن محاولته بائت بالفشل ، وطلب منه أن يتوجه إلى السجن كى يلقاهم للمرة الأخيرة .
* * * * *
وفى الساعة الخامسة من مساء هذا اليوم ، أسدل الستار على حياة المناضلة الألمانية الشابة صوفيا شول وشقيقها هانز وصديقهما ، عندما نفذ فيهم الحكم الجائر بإعدامهم ، وتم قطع رؤوسهم على مقصلة النظام النازى الجائر الذى إنتقم منهم لأنهم حاولوا مقاومة الطغيان والحصول على حريتهم التى سلبها منهم هؤلاء الطغاة الذين لم يستمروا طويلا وتحققت فيهم نبوءة صوفيا شول التى صرخت فى وجه القاضى بجرأة تحسد عليها :-
" ... سيأتى اليوم الذى تقف فيه مكانى ... "
فى إشارة واضحة إلى أن النظام النازى الذى يمثله هو المجرم الحقيقى الذى يجب أن يعاقب وليست هى التى لم تقم سوى بواجبها تجاه بلادها وتجاه الإنسانية .
رحلت صوفيا شول عن عالمنا ولم يكن عمرها قد تجاوز الحادية والعشرين سوى بتسعة أشهر وثلاثة عشر يوما وسويعات قليلة ، ولكن أثرها الذى خلفته بوقفتها التى لا مثيل لها فى وجه الطغيان الذى كان يحكم بلادها قد كتبت لها عمرا جديدا بذكراها التى ستعيش بيننا إلى الأبد .
عبدالكريم نبيل سليمان
الإسكندرية / مصر

Sunday, February 12, 2006

هل أخطأت هندٌ حقاً ؟؟ .

فى مجتمعاتنا الذكورية تتبدل الحقائق ، وتتغير الثوابت ، وتذدوج المعايير ، ينقلب الباطل ليصبح حقا ، بينما يتوارى الحق بإعتباره باطلا ، تختفى الحقيقة ، ويسود الغموض والشك والريبة ، يعامل المخطىء على أنه مصيب ، وصاحب الحق على أنه مجرم يستأهل العقاب والتأنيب !! .
وللأسف الشديد ، فإن هذه الحقائق المقلوبة لا تسود فحسب لدى من لديهم مصلحة فى قلبها وتغييرها ، وإنما نجدها تسود أيضا لدى بعض من سلبت منهم حقوقهم بواسطة من لديهم مصلحة فى ذالك إعتمادا على هذه الحقائق المقلوبة .
فعندما أعلنت هند الحناوى أنها حامل من الفنان أحمد الفيشاوى ، وأنها ترغب فى إثبات نسب إبنتها إليه ، مبررة ذالك ( مع أن الأمر لا يحتاج إلى تبرير ) بأنها تزوجت منه عرفيا ، وأنه قام بسرقة عقد زواجها لكى يتنصل من مسؤلياته تجاهها وتجاه إبنتها ، قرنت هند ذالك بإقرارها أنها قد أخطأت عندما أقامت علاقة جنسية مع شاب خارج إطار المشروعية الإجتماعية ! .
هنا ينبغى أن نتوقف قليلا ونتسائل : مالذى يدفع فتاة ناضجة وشجاعة وجريئة ومتمردة كهند أن تعترف أنها قد أخطأت عندما مارست الجنس مع شاب أحبته يوما ما ؟؟ وهل ممارسة هذا الفعل الطبيعى بات أمرا مخجلا إلى درجة تضطرها إلى أن تصدر مثل هذا الإقرار بالخطأ ؟؟ وإذا قارنا موقف الفتاة مما حدث بموقف الفتى الذى شاركها هذه العلاقة ... من سنجده سيتحق اللوم والعقاب والتأنيب ؟؟ .. هل هى الفتاة التى أحبت هذا الفتى من أعماقها ومنحته ثقتها التامة إلى درجة أنها حملت منه متصورة أنه يبادلها ذات الشعور وأبت إجهاض جنينها وإزهاق روحه وإرتداء القناع الإجتماعى المزيف فوق وجهها الحقيقى رافضة خداع نفسها قبل أن تخدع من حولها ، وفضلت على ذالك أن تصرخ بالحقيقة بأعلى صوتها ؟؟ أم أن المخطىء هنا هو هذا الشاب الذى أوهمها بحبه إياها وتمادى فى علاقته بها وإستغل ثقتها لخداعها ثم التنصل من مسؤلياته تجاهها وتجاه إبنتها ، هاربا من الحقيقة مدعيا أنه ليس من حقها إثبات نسب الطفلة إليه لأنها على حسب ما أفتى له به غلاة علماء الدين إبنة زنا لا يجوز نسبتها إلى والدها ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها تعاملت مع هذا الواقع الشديد المرارة بمثالية شديدة ؟؟ هل أخطأت لأنها أحبت من أعماق قلبها ؟؟ هل بلغت نظرتنا إلى الحب والجنس هذا الحد من الإحتقار والتأثيم ؟؟ .
وإذا كان الأمر كذالك وكانت هذه السلوكيات الطبيعية السوية تواجه بهذه المشاعر النافرة العدائية ، فما هو ياترى الحل المفضل لدينا ؟؟ هل هو سيادة الكراهية بين شطرى المجتمع البشرى وبناء سور عازل بينهم لزيادة مشاعر عداء كل طرف تجاه الآخر وخشية أن يختلطوا ويقع ما يراه هؤلاء الحمقى محظورا ؟؟ .
إنها الحقائق عندما تنقلب ... ! .
إنها الطبيعة عندما تصير فى نظر البعض شذوذا ... ! .
إنه الشذوذ عندما ينظر إليه بإعتباره سلوكا طبيعيا ... ! .
ولله فى خلقه شؤون !! .
* * * * *
هل أخطأت - حقا - هند ؟؟ .
سؤال يطرح نفسه بشدة بعد أن قضت المحكمة عليها وعلى إبنتها لصالح هذا الذئب البشرى الذى تركته يسرح ويمرح ويعبث بمشاعر النساء دون حسيب أو رقيب .
فإذا كان ثمة خطأ ما وقعت فيه هند فهل يعنى هذا أن يبادر ممثلى المجتمع الذكورى برجمها والتخلص منها ومن إبنتها ؟؟! .
هل أخطأت هند لأنها واجهت المجتمع بحقيقته كمجتمع مزدوج المعايير متباين الوجوه تعامل المرأة فيه على أنها كائن ينتمى إلى مرتبة وضيعة بين البشر ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها رفضت نصائح من حولها بإجهاض جنينها ودرء الفضيحة فى مهدها ... ويادار مادخلك شر ؟؟!! .
هل أخطأت هند لأنها رفضت إزهاق روح جنين برىء تكونت خلاياه الأولية داخل تجويف رحمها كنتاج لعلاقة حب كانت مغبونة فيها ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها أرادت أن تنجب وأن تشعر بعاطفة الأمومة تجاه إبنتها حتى وإن حاول المجتمع إثنائها عما هى مقدمة عليه ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها طالبت بحقها ، وبحق إبنتها المشروع فى حياة كريمة طبيعية كبقية الأطفال الذين جاءوا من علاقات جنسية معترف بها إجتماعيا ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها رفضت أن تدفن رأسها فى الرمال وتواجه العالم بوجهين يختلفان على حسب درجة الإضاءة من الليل إلى النهار ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها صرخت فى وجه هذا المجتمع المنحل الأخلاق بأعلى صوتها معلنة أنها إنسانة كاملة الإرادة لا يستطيع أحد كائنا من كان أن يجبرها على الإستسلام لوضع هى فيه غير راغبة ؟؟ .
أم أنها أخطأت لأنها مارست الجنس خارج إطار المشروعية الإجتماعية فى مجتمع يعتبر الجنس خارج إطار الزواج رجس من عمل الشيطان ؟؟!! .
هل أخطأت هند لأنها إستجابت لنداء قلبها ومشاعرها وجسدها بصورة طبيعية سوية ؟؟ .
* * * * *
إن كان ثمة خطأ ما إقترفته هند فهو أمر واحد يمكننى أن ألومها عليه وهو إقرارها بأنها أخطأت عندما أقامت علاقة جنسية مع أحمد ، وهو خطأ التمس لها العذر فيه نظرا لأنها تتلظى فى آتون مجتمع لا يعترف برغبات الإنسان ولا يشعر بخفقات قلبه ونداءات جسده ، ويتعامل معه كما الآلة الصماء تصدر لها الأوامر لتنفذها دون أدنى رغبة أو مشيئة ! .
هند لم تخطىء ، وإنما صاحب الخطيئة العظمى هو من تنكر لمن منحته قلبها وجسدها قبيل أن يتنكر لمسؤلياته المترتبة على علاقته الجنسية بها .
هند لم تخطىء ، وإنما أصحاب الخطيئة هم هؤلاء الذئاب البشرية المذكرة الذين تركهم المجتمع يسرحون ويمرحون ويخدعون النساء ويتنكرون لمسؤلياتهم تجاههن بمباركة علنية من سلطات المجتمع الذكورية .
* * * * *
عليك ياهند أن تتراجعى عن إقرارك بالخطأ ، فأنت إنسانة رائعة عقمت أرحام الشرقيات أن يلدن إمرأة فى مثل جرأتها وشجاعتها وتفانيها فى إظهار الحق ودحر الظلم المستتر خلف حجاب الفضيلة والأخلاق والدين والأعراف والتقاليد .
سيرى ياهند فى طريقك حتى النهاية ، فلن يضيع لك حق مادمت به متمسكة ... وإليه ساعية .. وبه مطالبة .
عبدالكريم نبيل سليمان
الإسكندرية / مصر

هل أخطأت هندٌ حقاً ؟؟ .

فى مجتمعاتنا الذكورية تتبدل الحقائق ، وتتغير الثوابت ، وتذدوج المعايير ، ينقلب الباطل ليصبح حقا ، بينما يتوارى الحق بإعتباره باطلا ، تختفى الحقيقة ، ويسود الغموض والشك والريبة ، يعامل المخطىء على أنه مصيب ، وصاحب الحق على أنه مجرم يستأهل العقاب والتأنيب !! .
وللأسف الشديد ، فإن هذه الحقائق المقلوبة لا تسود فحسب لدى من لديهم مصلحة فى قلبها وتغييرها ، وإنما نجدها تسود أيضا لدى بعض من سلبت منهم حقوقهم بواسطة من لديهم مصلحة فى ذالك إعتمادا على هذه الحقائق المقلوبة .
فعندما أعلنت هند الحناوى أنها حامل من الفنان أحمد الفيشاوى ، وأنها ترغب فى إثبات نسب إبنتها إليه ، مبررة ذالك ( مع أن الأمر لا يحتاج إلى تبرير ) بأنها تزوجت منه عرفيا ، وأنه قام بسرقة عقد زواجها لكى يتنصل من مسؤلياته تجاهها وتجاه إبنتها ، قرنت هند ذالك بإقرارها أنها قد أخطأت عندما أقامت علاقة جنسية مع شاب خارج إطار المشروعية الإجتماعية ! .
هنا ينبغى أن نتوقف قليلا ونتسائل : مالذى يدفع فتاة ناضجة وشجاعة وجريئة ومتمردة كهند أن تعترف أنها قد أخطأت عندما مارست الجنس مع شاب أحبته يوما ما ؟؟ وهل ممارسة هذا الفعل الطبيعى بات أمرا مخجلا إلى درجة تضطرها إلى أن تصدر مثل هذا الإقرار بالخطأ ؟؟ وإذا قارنا موقف الفتاة مما حدث بموقف الفتى الذى شاركها هذه العلاقة ... من سنجده سيتحق اللوم والعقاب والتأنيب ؟؟ .. هل هى الفتاة التى أحبت هذا الفتى من أعماقها ومنحته ثقتها التامة إلى درجة أنها حملت منه متصورة أنه يبادلها ذات الشعور وأبت إجهاض جنينها وإزهاق روحه وإرتداء القناع الإجتماعى المزيف فوق وجهها الحقيقى رافضة خداع نفسها قبل أن تخدع من حولها ، وفضلت على ذالك أن تصرخ بالحقيقة بأعلى صوتها ؟؟ أم أن المخطىء هنا هو هذا الشاب الذى أوهمها بحبه إياها وتمادى فى علاقته بها وإستغل ثقتها لخداعها ثم التنصل من مسؤلياته تجاهها وتجاه إبنتها ، هاربا من الحقيقة مدعيا أنه ليس من حقها إثبات نسب الطفلة إليه لأنها على حسب ما أفتى له به غلاة علماء الدين إبنة زنا لا يجوز نسبتها إلى والدها ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها تعاملت مع هذا الواقع الشديد المرارة بمثالية شديدة ؟؟ هل أخطأت لأنها أحبت من أعماق قلبها ؟؟ هل بلغت نظرتنا إلى الحب والجنس هذا الحد من الإحتقار والتأثيم ؟؟ .
وإذا كان الأمر كذالك وكانت هذه السلوكيات الطبيعية السوية تواجه بهذه المشاعر النافرة العدائية ، فما هو ياترى الحل المفضل لدينا ؟؟ هل هو سيادة الكراهية بين شطرى المجتمع البشرى وبناء سور عازل بينهم لزيادة مشاعر عداء كل طرف تجاه الآخر وخشية أن يختلطوا ويقع ما يراه هؤلاء الحمقى محظورا ؟؟ .
إنها الحقائق عندما تنقلب ... ! .
إنها الطبيعة عندما تصير فى نظر البعض شذوذا ... ! .
إنه الشذوذ عندما ينظر إليه بإعتباره سلوكا طبيعيا ... ! .
ولله فى خلقه شؤون !! .
* * * * *
هل أخطأت - حقا - هند ؟؟ .
سؤال يطرح نفسه بشدة بعد أن قضت المحكمة عليها وعلى إبنتها لصالح هذا الذئب البشرى الذى تركته يسرح ويمرح ويعبث بمشاعر النساء دون حسيب أو رقيب .
فإذا كان ثمة خطأ ما وقعت فيه هند فهل يعنى هذا أن يبادر ممثلى المجتمع الذكورى برجمها والتخلص منها ومن إبنتها ؟؟! .
هل أخطأت هند لأنها واجهت المجتمع بحقيقته كمجتمع مزدوج المعايير متباين الوجوه تعامل المرأة فيه على أنها كائن ينتمى إلى مرتبة وضيعة بين البشر ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها رفضت نصائح من حولها بإجهاض جنينها ودرء الفضيحة فى مهدها ... ويادار مادخلك شر ؟؟!! .
هل أخطأت هند لأنها رفضت إزهاق روح جنين برىء تكونت خلاياه الأولية داخل تجويف رحمها كنتاج لعلاقة حب كانت مغبونة فيها ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها أرادت أن تنجب وأن تشعر بعاطفة الأمومة تجاه إبنتها حتى وإن حاول المجتمع إثنائها عما هى مقدمة عليه ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها طالبت بحقها ، وبحق إبنتها المشروع فى حياة كريمة طبيعية كبقية الأطفال الذين جاءوا من علاقات جنسية معترف بها إجتماعيا ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها رفضت أن تدفن رأسها فى الرمال وتواجه العالم بوجهين يختلفان على حسب درجة الإضاءة من الليل إلى النهار ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها صرخت فى وجه هذا المجتمع المنحل الأخلاق بأعلى صوتها معلنة أنها إنسانة كاملة الإرادة لا يستطيع أحد كائنا من كان أن يجبرها على الإستسلام لوضع هى فيه غير راغبة ؟؟ .
أم أنها أخطأت لأنها مارست الجنس خارج إطار المشروعية الإجتماعية فى مجتمع يعتبر الجنس خارج إطار الزواج رجس من عمل الشيطان ؟؟!! .
هل أخطأت هند لأنها إستجابت لنداء قلبها ومشاعرها وجسدها بصورة طبيعية سوية ؟؟ .
* * * * *
إن كان ثمة خطأ ما إقترفته هند فهو أمر واحد يمكننى أن ألومها عليه وهو إقرارها بأنها أخطأت عندما أقامت علاقة جنسية مع أحمد ، وهو خطأ التمس لها العذر فيه نظرا لأنها تتلظى فى آتون مجتمع لا يعترف برغبات الإنسان ولا يشعر بخفقات قلبه ونداءات جسده ، ويتعامل معه كما الآلة الصماء تصدر لها الأوامر لتنفذها دون أدنى رغبة أو مشيئة ! .
هند لم تخطىء ، وإنما صاحب الخطيئة العظمى هو من تنكر لمن منحته قلبها وجسدها قبيل أن يتنكر لمسؤلياته المترتبة على علاقته الجنسية بها .
هند لم تخطىء ، وإنما أصحاب الخطيئة هم هؤلاء الذئاب البشرية المذكرة الذين تركهم المجتمع يسرحون ويمرحون ويخدعون النساء ويتنكرون لمسؤلياتهم تجاههن بمباركة علنية من سلطات المجتمع الذكورية .
* * * * *
عليك ياهند أن تتراجعى عن إقرارك بالخطأ ، فأنت إنسانة رائعة عقمت أرحام الشرقيات أن يلدن إمرأة فى مثل جرأتها وشجاعتها وتفانيها فى إظهار الحق ودحر الظلم المستتر خلف حجاب الفضيلة والأخلاق والدين والأعراف والتقاليد .
سيرى ياهند فى طريقك حتى النهاية ، فلن يضيع لك حق مادمت به متمسكة ... وإليه ساعية .. وبه مطالبة .
عبدالكريم نبيل سليمان
الإسكندرية / مصر

Wednesday, February 1, 2006

إنها ليست النهاية ... ياهند .

عندما أصدرت إحدى محاكم القاهرة الخميس الماضى حكمها برفض دعوى إثبات نسب الطفلة " لينا " للفنان الشاب " أحمد الفيشاوى " ظن بعض الشامتين أن هذا يعد إنكسارا للتيار الإجتماعى النسوى ونصرا جديدا للمجتمع الذكورى ، وتمادى بعض مرضى العقول من المتطرفين ومن حذا حذوهم من ممثلى هذا المجتمع فى توجيه إهانات لفظية ومعنوية إلى " هند " ناعتين إياها بالزنى والإنحراف الأخلاقى وأنه يجب إقامة الحد عليها برجمها فى الوقت الذى أخذوا يشيدون فيه بـ" أحمد " ( على الرغم من إعترافه فى وقت سابق بعلاقته بها ) زاعمين أن " لينا " ليست إبنته وأن هنداً أنجبتها جراء علاقة مع شخص آخر - على حد إفترائهم - ، وظن هؤلاء الحمقى أن نهاية النضال النسوى ضد هذا الطغيان قد حلت عندما أسدلت المحكمة الستار على قضية " هند " و " أحمد " ، وخيل إلى عقولهم المريضة أن النساء سيتخذن مما حدث لـ" هند " عبرة وعظة وسيستسلمن لاحقا لوضعهن الدونى فى المجتمع بأعرافه الجائرة وأحكامه المجحفة ومواقفه المتآمرة ، ولم يدر ببال الكثيرين منهم أن الشرارة التى أطلقتها " هند " ستدفع النساء إلى سلوك ذات الطريق نحو التحرر الكامل من السيطرة الذكورية على مصائرهن داخل المجتمع ، وأن المصاعب التى إكتنفت هذه التجربة كانت متوقعة وموضوعة فى الحسبان نظرا لأن المواجهة كانت مع مجتمع بأكمله يحتقر المرأة ويعدها من سقط المتاع ويحملها كافة الأوزار والتبعات ، ولأن هندا حطمت القيود التى فرضها المجتمع عليها وتمردت على أعرافه التى الزم كافة أفراده بها وتنكرت لثوابته اللاإنسانية التى يتلظى النساء بنيرانها ، فكان من المنطقى فى ظل هذا الوضع اللاإنسانى أن يصدر الحكم الجائر بحق هذه الإنسانة وإبنتها لأن الخصم قد نصب نفسه حكما فى قضيتها فى صورة مشرعين ( ذكور ) خرجوا من عباءة هذا المجتمع وسنوا قوانين تؤيد أعرافه وتقاليده وتعدها مقدسات لا يجوز إنتقادها أو المساس بها على الرغم من إجحافها ولا إنسانيتها ، وقضاة ( ذكور أيضا ) خرجوا من نفس هذه العباءة المهترئة الممزقة يعملون فى سبيل تطبيق هذه القوانين الجائرة سالبين من النساء حقوقهن ومتكاتفين مع المجتمع فى إضطهادهن وتقييد حرياتهن .
ولكن هندا لم تكن وحيدة ، فقضيتها ليست فريدة من نوعها ، فأمام المحاكم المصرية الآن أكثر من عشرين ألف قضية إثبات نسب لأطفال ولدوا فى ظل علاقات جنسية خارج الإطار المشروع إجتماعيا ، هذا بخلاف عشرات الآلاف من الأطفال الذين تكتظ بهم الأرصفة والملاجىء بعد أن تخلت عنهم أمهاتهن هلعا من سكين غسل العار ، ومئات الأجنة التى يتم إجهاضها سرا فى عيادات الأطباء درءا للفضيحة المزعومة ، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على مدى القسوة التى تميز هذا المجتمع الجائر المزدوج المعايير المنحل الأخلاق والذى يكبل نصف المجتمع ويطلق النصف الآخر لخداعهن وإستغلالهن عاطفيا وجنسيا قبل أن يساعدهم على التخلص من تبعات هذه العلاقات التى قد ينتج عنها أطفال هم بالتالى مرشحون لوضع إجتماعى صعب ومرير مع نبذ المجتمع لهم بدعوى أنهم أبناء زنا أوغير معروفى الآباء ! .
إن رفض دعوى " هند " فى الوقت الذى إعترف فيه " أحمد الفيشاوى " بأن هناك علاقة جنسية ربطته بها ، مع رفضه إجراء تحليل الحامض النووى لإثبات ما إذا كانت الطفلة إبنته أم لا ، يثبت بما لايدع مجالا للشك التواطؤ المفضوح بين السلطة الإجتماعية الممثلة فى القضاء وبين " أحمد الفيشاوى " بوصفه أحد أفراد هذا المجتمع الذكورى ، فكما هو واضح فإن رفضه إجراء هذه التحاليل التى يقول الأطباء أنها تثبت النسب بدرجة 99.9% مع إعترافه السابق بأنه قد أقام علاقة جنسية مع " هند " يجعلنا نتأكد من أن " لينا " هى إبنته وأنه يسعى إلى التنصل من مسؤلياته بوصفه والدا لها ، ولكن القضاة ( الشرفاء جدا ! ) تواطئوا معه فى هذا الأمر ولم يضعوا فى إعتبارهم إعترافه السابق ورفضه إجراء التحاليل ، وأصروا على رجم " هند " وإبنتها إجتماعيا ظانين بذالك أنهم يصونون المجتمع من الإنحراف الأخلاقى ، دون أن يدركوا أنهم يرسلون رسالة ضمنية من خلال هذا الحكم الجائر إلى كل شاب وكل رجل أن عربد كما تشاء وإعبث بالنساء كما تريد ، فإن إغتصبت فتاة فسنكافئك على هذا بأن نزوجك إياها ، وإن خدعت إحداهن بإسم الحب أو أى شىء آخر ومللت منها لتبحث عن فريسة غيرها فسنسهل لك عملية التنصل من مسؤلياتك تجاهها لأنك إنسان كامل وهى ليست سوى كائن حقير نفرغ فيه شهواتنا ، فإفعل ماتريد ، فالقانون - على أية حال - لا يحمى النساء وأبناء الحرام !.
لقد عرت " هند " سوأة هذا المجتمع المنحرف الأخلاق المزدوج المعايير ، وكشفت للجميع كيف تعانى نساؤه من الجور والظلم والإضطهاد والعنصرية ، وكيف يقف الدين والعرف والقانون فى صف الرجل يحثه على قهر نساءه وفرض سيطرته وجبروته على إرادتهن .
وعلى الرغم من كل ماحدث ، فإن مافعلته " هند " هو بداية موفقة بكل المقاييس ، وربما كان من حسن طالع الطفلة " لينا " أن رفضت المحكمة نسبتها إلى هذا الفتى الأرعن المستهتر المنحرف الأخلاق ذو الأفكار الرجعية والتوجهات المتطرفة الإسلامية ، بل إننى أذهب - على خلاف ماصرحت به والدتها - إلى أن الظروف الإجتماعية التى ستنشأ فيها لأم متمردة على الأوضاع المجحفة التى تتردى فيها النساء ستجعلها فى وضع أفضل مما لو نشأت فى رعاية والد متطرف كـ" أحمد الفيشاوى " ، وعلى أية حال فإن الظلم ليس سوى حالة عارضة تزول بالزوال - الحتمى - للنظم الإجتماعية الفاسدة التى نتلظى فى آتونها ، وربما يكون ماحدث حافزا لـ" هند " ولجميع النساء أن يبدأن فى المطالبة بحق الأم فى نسبة أطفالها إليها بصرف النظر عما إذا كانوا نتاج علاقات مشروعة إجتماعيا أم لا ، وبذالك نغلق بابا جديدا من أبواب تسلط الذكور على النساء ، ونعطى فى الوقت ذاته قدرا أكبرمن الحرية للمرأة فى ممارسة نشاطاتها الحياتية المتنوعة بعيدا عن قيود الزواج الأحادى الذى يعيقها كثيرا عن ممارسة إنسانيتها ، ولأن هذا أيضا يعد وضعا طبيعيا للمرأة حيث أن النسب للأم يسهل إثباته بمجرد ولادتها لطفلها بعكس الأب الذى لا يحمل ولا يتكبد مشاق وتعب الولادة والإرضاع وبالتالى لا يمكن التأكد من نسبة أطفاله إليه بنفس السهولة التى يمكننا أن نتأكد من نسبة الأطفال إلى الأم .
لقد أشعلت " هند " الشرارة ، وأهابت بنساء مجتمعها المقموعات أن يستيقظن من سباتهن وأن يطالبن بحقوقهن على إعتبار أنهن كائنات بشرية كاملة من جميع النواحى النفسية والعقلية والجسدية ولا يوجد مسوغ عقلانى أو أخلاقى يدعم التفرقة بينهم وبين نظرائهم من الذكور ، فما قامت به " هند " يعد عملا ناجحا تستحق أن نرفع لها قبعاتنا إحتراما وتبجيلا ، وهى لم تنهزم - كما خيل للبعض - عندما قضت المحكمة لصالح خصمها ، لأن كشفها للوجه المقيت للمجتمع الذكورى الذى يمتهن كرامة النساء ويصادر حرياتهن يعد نصرا عظيما لها تتضائل أمامه كافة التضحيات والخسائر .
إن هنداً وإبنتها " لينا الحناوى " ( هكذا أفضل أن أدعوها ) ستبقيان فى قلوبنا إلى الأبد ولن ننسى أبداً الوقفة الرائعة للدكتور حمدى الحناوى وزوجته الشجاعة الدكتورة سلوى عبدالباقى بجانب إبنتهما وحفيدتهما بصورة غير مسبوقة فى تاريخ هذا المجتمع الذكورى القح ، لا يجرؤ أن يفعلها سوى من يمتلك قدرا كبيرا من الصراحة والشفافية والجرأة والشجاعة والقوة التى تؤهله لمواجهة هذا المجتمع وكشف عيوبه وفضح مسالبه .
لينا - يا " هند " - لن تصبح إرهابية كما صرحت بالأمس القريب ، وإذا كانت الظروف الإجتماعية تشجع على ذالك - كما ذكرت - إلا أن مجرد إنتمائها لأم مثلك سيغير من موازين الأمور وستصبح فخرا لك وشرفا لعائلتك وحسرة على من تنصلوا من بنوتها وأداروا ظهورهم لها ، فاطمئنى يا " هند " ، ولا يفت فى عضدك ماحدث ، فلن يصل إلى خط النهاية سوى من يستحق الفوز ، ولن يصح إلا الصحيح ، ولن يضيع حق مادام ورائه مطالبين ، فإستمرى فى نضالك ونحن معك بقلوبنا قبل كل شىء ، وثقى تماما أن النصر سيكون حليفك لأن الحق فى جانبك وفى جانب طفلتك البريئة الجميلة الرائعة ... لينا .
عبدالكريم نبيل سليمان
الإسكندرية / مصر

إنها ليست النهاية ... ياهند .

عندما أصدرت إحدى محاكم القاهرة الخميس الماضى حكمها برفض دعوى إثبات نسب الطفلة " لينا " للفنان الشاب " أحمد الفيشاوى " ظن بعض الشامتين أن هذا يعد إنكسارا للتيار الإجتماعى النسوى ونصرا جديدا للمجتمع الذكورى ، وتمادى بعض مرضى العقول من المتطرفين ومن حذا حذوهم من ممثلى هذا المجتمع فى توجيه إهانات لفظية ومعنوية إلى " هند " ناعتين إياها بالزنى والإنحراف الأخلاقى وأنه يجب إقامة الحد عليها برجمها فى الوقت الذى أخذوا يشيدون فيه بـ" أحمد " ( على الرغم من إعترافه فى وقت سابق بعلاقته بها ) زاعمين أن " لينا " ليست إبنته وأن هنداً أنجبتها جراء علاقة مع شخص آخر - على حد إفترائهم - ، وظن هؤلاء الحمقى أن نهاية النضال النسوى ضد هذا الطغيان قد حلت عندما أسدلت المحكمة الستار على قضية " هند " و " أحمد " ، وخيل إلى عقولهم المريضة أن النساء سيتخذن مما حدث لـ" هند " عبرة وعظة وسيستسلمن لاحقا لوضعهن الدونى فى المجتمع بأعرافه الجائرة وأحكامه المجحفة ومواقفه المتآمرة ، ولم يدر ببال الكثيرين منهم أن الشرارة التى أطلقتها " هند " ستدفع النساء إلى سلوك ذات الطريق نحو التحرر الكامل من السيطرة الذكورية على مصائرهن داخل المجتمع ، وأن المصاعب التى إكتنفت هذه التجربة كانت متوقعة وموضوعة فى الحسبان نظرا لأن المواجهة كانت مع مجتمع بأكمله يحتقر المرأة ويعدها من سقط المتاع ويحملها كافة الأوزار والتبعات ، ولأن هندا حطمت القيود التى فرضها المجتمع عليها وتمردت على أعرافه التى الزم كافة أفراده بها وتنكرت لثوابته اللاإنسانية التى يتلظى النساء بنيرانها ، فكان من المنطقى فى ظل هذا الوضع اللاإنسانى أن يصدر الحكم الجائر بحق هذه الإنسانة وإبنتها لأن الخصم قد نصب نفسه حكما فى قضيتها فى صورة مشرعين ( ذكور ) خرجوا من عباءة هذا المجتمع وسنوا قوانين تؤيد أعرافه وتقاليده وتعدها مقدسات لا يجوز إنتقادها أو المساس بها على الرغم من إجحافها ولا إنسانيتها ، وقضاة ( ذكور أيضا ) خرجوا من نفس هذه العباءة المهترئة الممزقة يعملون فى سبيل تطبيق هذه القوانين الجائرة سالبين من النساء حقوقهن ومتكاتفين مع المجتمع فى إضطهادهن وتقييد حرياتهن .
ولكن هندا لم تكن وحيدة ، فقضيتها ليست فريدة من نوعها ، فأمام المحاكم المصرية الآن أكثر من عشرين ألف قضية إثبات نسب لأطفال ولدوا فى ظل علاقات جنسية خارج الإطار المشروع إجتماعيا ، هذا بخلاف عشرات الآلاف من الأطفال الذين تكتظ بهم الأرصفة والملاجىء بعد أن تخلت عنهم أمهاتهن هلعا من سكين غسل العار ، ومئات الأجنة التى يتم إجهاضها سرا فى عيادات الأطباء درءا للفضيحة المزعومة ، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على مدى القسوة التى تميز هذا المجتمع الجائر المزدوج المعايير المنحل الأخلاق والذى يكبل نصف المجتمع ويطلق النصف الآخر لخداعهن وإستغلالهن عاطفيا وجنسيا قبل أن يساعدهم على التخلص من تبعات هذه العلاقات التى قد ينتج عنها أطفال هم بالتالى مرشحون لوضع إجتماعى صعب ومرير مع نبذ المجتمع لهم بدعوى أنهم أبناء زنا أوغير معروفى الآباء ! .
إن رفض دعوى " هند " فى الوقت الذى إعترف فيه " أحمد الفيشاوى " بأن هناك علاقة جنسية ربطته بها ، مع رفضه إجراء تحليل الحامض النووى لإثبات ما إذا كانت الطفلة إبنته أم لا ، يثبت بما لايدع مجالا للشك التواطؤ المفضوح بين السلطة الإجتماعية الممثلة فى القضاء وبين " أحمد الفيشاوى " بوصفه أحد أفراد هذا المجتمع الذكورى ، فكما هو واضح فإن رفضه إجراء هذه التحاليل التى يقول الأطباء أنها تثبت النسب بدرجة 99.9% مع إعترافه السابق بأنه قد أقام علاقة جنسية مع " هند " يجعلنا نتأكد من أن " لينا " هى إبنته وأنه يسعى إلى التنصل من مسؤلياته بوصفه والدا لها ، ولكن القضاة ( الشرفاء جدا ! ) تواطئوا معه فى هذا الأمر ولم يضعوا فى إعتبارهم إعترافه السابق ورفضه إجراء التحاليل ، وأصروا على رجم " هند " وإبنتها إجتماعيا ظانين بذالك أنهم يصونون المجتمع من الإنحراف الأخلاقى ، دون أن يدركوا أنهم يرسلون رسالة ضمنية من خلال هذا الحكم الجائر إلى كل شاب وكل رجل أن عربد كما تشاء وإعبث بالنساء كما تريد ، فإن إغتصبت فتاة فسنكافئك على هذا بأن نزوجك إياها ، وإن خدعت إحداهن بإسم الحب أو أى شىء آخر ومللت منها لتبحث عن فريسة غيرها فسنسهل لك عملية التنصل من مسؤلياتك تجاهها لأنك إنسان كامل وهى ليست سوى كائن حقير نفرغ فيه شهواتنا ، فإفعل ماتريد ، فالقانون - على أية حال - لا يحمى النساء وأبناء الحرام !.
لقد عرت " هند " سوأة هذا المجتمع المنحرف الأخلاق المزدوج المعايير ، وكشفت للجميع كيف تعانى نساؤه من الجور والظلم والإضطهاد والعنصرية ، وكيف يقف الدين والعرف والقانون فى صف الرجل يحثه على قهر نساءه وفرض سيطرته وجبروته على إرادتهن .
وعلى الرغم من كل ماحدث ، فإن مافعلته " هند " هو بداية موفقة بكل المقاييس ، وربما كان من حسن طالع الطفلة " لينا " أن رفضت المحكمة نسبتها إلى هذا الفتى الأرعن المستهتر المنحرف الأخلاق ذو الأفكار الرجعية والتوجهات المتطرفة الإسلامية ، بل إننى أذهب - على خلاف ماصرحت به والدتها - إلى أن الظروف الإجتماعية التى ستنشأ فيها لأم متمردة على الأوضاع المجحفة التى تتردى فيها النساء ستجعلها فى وضع أفضل مما لو نشأت فى رعاية والد متطرف كـ" أحمد الفيشاوى " ، وعلى أية حال فإن الظلم ليس سوى حالة عارضة تزول بالزوال - الحتمى - للنظم الإجتماعية الفاسدة التى نتلظى فى آتونها ، وربما يكون ماحدث حافزا لـ" هند " ولجميع النساء أن يبدأن فى المطالبة بحق الأم فى نسبة أطفالها إليها بصرف النظر عما إذا كانوا نتاج علاقات مشروعة إجتماعيا أم لا ، وبذالك نغلق بابا جديدا من أبواب تسلط الذكور على النساء ، ونعطى فى الوقت ذاته قدرا أكبرمن الحرية للمرأة فى ممارسة نشاطاتها الحياتية المتنوعة بعيدا عن قيود الزواج الأحادى الذى يعيقها كثيرا عن ممارسة إنسانيتها ، ولأن هذا أيضا يعد وضعا طبيعيا للمرأة حيث أن النسب للأم يسهل إثباته بمجرد ولادتها لطفلها بعكس الأب الذى لا يحمل ولا يتكبد مشاق وتعب الولادة والإرضاع وبالتالى لا يمكن التأكد من نسبة أطفاله إليه بنفس السهولة التى يمكننا أن نتأكد من نسبة الأطفال إلى الأم .
لقد أشعلت " هند " الشرارة ، وأهابت بنساء مجتمعها المقموعات أن يستيقظن من سباتهن وأن يطالبن بحقوقهن على إعتبار أنهن كائنات بشرية كاملة من جميع النواحى النفسية والعقلية والجسدية ولا يوجد مسوغ عقلانى أو أخلاقى يدعم التفرقة بينهم وبين نظرائهم من الذكور ، فما قامت به " هند " يعد عملا ناجحا تستحق أن نرفع لها قبعاتنا إحتراما وتبجيلا ، وهى لم تنهزم - كما خيل للبعض - عندما قضت المحكمة لصالح خصمها ، لأن كشفها للوجه المقيت للمجتمع الذكورى الذى يمتهن كرامة النساء ويصادر حرياتهن يعد نصرا عظيما لها تتضائل أمامه كافة التضحيات والخسائر .
إن هنداً وإبنتها " لينا الحناوى " ( هكذا أفضل أن أدعوها ) ستبقيان فى قلوبنا إلى الأبد ولن ننسى أبداً الوقفة الرائعة للدكتور حمدى الحناوى وزوجته الشجاعة الدكتورة سلوى عبدالباقى بجانب إبنتهما وحفيدتهما بصورة غير مسبوقة فى تاريخ هذا المجتمع الذكورى القح ، لا يجرؤ أن يفعلها سوى من يمتلك قدرا كبيرا من الصراحة والشفافية والجرأة والشجاعة والقوة التى تؤهله لمواجهة هذا المجتمع وكشف عيوبه وفضح مسالبه .
لينا - يا " هند " - لن تصبح إرهابية كما صرحت بالأمس القريب ، وإذا كانت الظروف الإجتماعية تشجع على ذالك - كما ذكرت - إلا أن مجرد إنتمائها لأم مثلك سيغير من موازين الأمور وستصبح فخرا لك وشرفا لعائلتك وحسرة على من تنصلوا من بنوتها وأداروا ظهورهم لها ، فاطمئنى يا " هند " ، ولا يفت فى عضدك ماحدث ، فلن يصل إلى خط النهاية سوى من يستحق الفوز ، ولن يصح إلا الصحيح ، ولن يضيع حق مادام ورائه مطالبين ، فإستمرى فى نضالك ونحن معك بقلوبنا قبل كل شىء ، وثقى تماما أن النصر سيكون حليفك لأن الحق فى جانبك وفى جانب طفلتك البريئة الجميلة الرائعة ... لينا .
عبدالكريم نبيل سليمان
الإسكندرية / مصر